أكد الأستاذ حسن بناجح في كلمة له في حفل استقبال المعتقلين السياسيين المفرج عنهم اليوم، الأحد 10 غشت 2024 بمدينة الرباط، أن خطوة الإفراج عن المعتقلين السياسيين ينبغي “ألا تكون مجرد محطة للعبور والنسيان”، مشددا على أن “الحكمة السياسية” تقتضي أن يكون الإفراج عن معتقلي الرأي وحرية التعبير لحظة تأسيس حقيقية لمرحلة جديدة في تاريخ المغرب”.
المفرج عنهم ندبوا أنفسهم للتعبير عن هموم الشعب وقضايا الوطن
الحفل الذي لم تسعه قاعة واحدة واضطر المنظمون إلى توفير قاعة ثانية للمتابعة المباشرة، لفت فيه بناجح باسم الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين (همم) إحدى الهيئات الثلاث المنظمة، إلى أن التأسيس لهاته المرحلة الجديدة يستوجب” تصالحا وطنيا شاملا من خلال تبييض كافة السجون من الاعتقال السياسي”، والتأسيس لديمقراطية حقيقية تقطع مع كل أشكال الاستبداد والفساد، مع تكريس دولة المؤسسات وربط المسؤولية بالمحاسبة، فضلا عن إرساء نظام قضائي مستقل يضمن جميع الحقوق ويحميها من كل الانتهاكات.
ونظمت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وجمعية الدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، إلى جانب (همم) بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان صباح اليوم بالرباط، مهرجانا حقوقيا على شرف المعتقلين السياسيين المفرج عنهم، تحت شعار: “نضال مستمر من أجل مغرب خال من المعتقلين السياسيين”.
الحفل الذي لم تغب عنه القضية الفلسطينية بالكلمات كما بالأعلام والكوفيات التي زينت أرجاء القاعة، اعتبر فيه بناجح أن المفرج عنهم ندبوا أنفسهم للتعبير عن هموم الشعب وقضايا الوطن، وعبروا بكل حرية ومسؤولية عن مواقفهم تجاه الفساد والاستبداد والتطبيع، واختاروا طريق الكلمة الصريحة والموقف الواضح حيال ما يجري في المغرب، فكان مصيرهم أن غيبتهم الاعتقالات التعسفية والمحاكمات غير العادلة لإسكات صوتهم وتكميم باقي الأفواه من خلالهم.
عبروا عن فرحتهم “غير المكتملة” بسبب استثناء معتقلين آخرين
وبعد ترحيبها بالحضور وبالمعتقلين المفرج عنهم وبعائلاتهم وبالمنابر الإعلامية الحاضر بقوة، أكدت الأستاذة الحقوقية المغربية خديجة رياضي، مديرة المهرجان، أن هذا الحفل لم تكتمل الفرحة فيه لاعتبارين اثنين أولهما لأن عددا من المعتقلين السياسيين ما يزالون وراء القطبان، والثاني هو الظرفية التي يأتي فيها هذا الإفراج وهي ظرفية حرب الإبادة الجماعية غير المسبوقة في التاريخ، والتي يشنها الكيان الصهيوني الغاصب ضد الشعب الفلسطيني البطل.
الحفل الذي احتفى بالمعتقلين المفرج عنهم بوجودهم، وحضرته عائلاتهم ولفيف من الشخصيات الوطنية وممثلي الهيئات الحقوقية والسياسية؛ استأثر باهتمام المنابر الإعلامية الوطنية منها والدولية، وقد حضره أيضا معتقلون سياسيون سابقون أنهوا مدة محكوميتهم في مرحلة “سنوات الرصاص الجديدة”، كما حضره معتقلون سابقون عن مرحلة “سنوات الرصاص الأولى” بتعبير مديرة الحفل الأستاذة خديجة الرياضي.
وأجمع المعتقلون المفرج عنهم في كلماتهم المقتضبة عقب تسلمهم لأدرعهم التكريمية عن شكرهم للهيئات المنظمة لهذا المهرجان، وعن شكرهم للجمعيات والهيئات الحقوقية وهيئة الدفاع والجسم الحقوقي والسياسي الذي تبنى ملفاتهم ودافع عنهم ورافع عنهم، وعبروا عن فرحهم بهذه اللحظة التي تبقى غير مكتملة دون الإفراج عن بقية المعتقلين السياسيين.
ما لا يقل عن 104 معتقلين على خلفيات سياسية ما يزالون داخل السجون
وفي كلمته باسم الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أكد رئيسها الأستاذ عزيز غالي، أن ما لا يقل عن 104 معتقلين على خلفية الاعتقال السياسي ومن مختلف الملفات، ما يزالون وراء القضيان في السجون المغربية، مشددا على أن مسار النضال سيتواصل حتى إسقاط التهم والأحكام عن الجميع وهو ما لا يتوقف إلا في إطار دولة ديموقراطية تحترم حقوق الإنسان.
وشدد غالي على أن الشعار الذي اختير لهذا المهرجان: “نضال مستمر من أجل مغرب خال من المعتقلين السياسيين”؛ يترجم الإدراك العميق للهيئات المنظمة وتتقاسمه الهيئات المناضلة ببلادنا بضرورة تمتين وحدة الفعل النضالي بين مكونات الحركة الحقوقية والحركة الديموقراطية ببلادنا لمواجهة حالة الجزر التي تعرفها أوضاع حقوق الإنسان والعمل على تحديد الأولويات والتركيز عليها.
وتابع موضحا أن هذه الوحدة بأولوياتها تتوجه إلى الفعل الجماعي لتجميع جميع القوى والمبادرات، وتحصين المكتسبات، وتوسيع مجالاتها، وتثمين ما راكمته حتى الآن على صعيد التشبيك من تنسيقيات وائتلافات، وعلى رأس هذه الأولويات يقول غالي: “النضال من أجل دولة ديموقراطية، دولة حقوق الإنسان التي تقوم على أنقاض دولة الاستبداد والظلم”.
أنتم تستحقون “الإنصاف” وليس “العفو”
من جانبه، توجه الأستاذ سعيد السوكتي رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، في كلمته باسم الهيئة التي يمثلها إلى المفرج عنهم، مشددا على أنهم يستحقون الإنصاف بدل “العفو”، مشددا على أنهم هزموا الزنزانة وكسروا أغلال السجن وفضحوا أطوار هذه المسرحية التي افتقدت إلى الحد الأدنى من المحاكمة العادلة بتعاون مثمر مع هيئات المحامين الذين دافعوا عنهم بشراسة وتطوعوا لخدمة هدف حريتهم باعتبارها أسمى القيم.
وبينما نوه السوكتي بدور المرأة وبتضحياتها في هذه الملفات؛ توجه إلى أمهات المعتقلين وزوجاتهم بالتنويه والإشادة على عملهن في مواجهة الاستبداد، وشدد على أن الحرية كانت دائما تنهل من تضحيات الأمهات لكونهن حريصات على القيم النبيلة على الصعيد الكوني خلال كل حقب التاريخ ضد الاستعمار وضد أعتى ديكتاتوريات العالم.
ولا يستغرب السوكتي إن كان سراح المعتقلين قد أغضب “بعض الجهات” وخص بالذكر من وصفهم بـ “الوسطاء” الذين يشتغلون غدوة ورواحا جيئة وذهابا إلى السجن، موضحا أنهم سيعانون من “البطالة”. ولم يفته الحديث عن صحافة التشهير التي أساءت كثيرا للعائلات قبل المعتقلين أنفسهم وأساءت لأخلاق المعتقلين ومهنيتهم، وأردف قائلا: “ستعاني هي أيضا من البطالة”.
في الدفاع عن أنفسكم أمام المحكمة “كنتم أساتذة ولقنتكم الحاضرين دروسا في الصمود والثبات”
أما الأستاذة سعاد البراهمة في كلمتها باسم هيئات الدفاع عن المعتقلين السياسيين، فقد هنأت المفرج عنهم بعد نيلهم لحريتهم التي حرموا منها غصبا من خلال محاكمات صورية نصبت للانتقام منهم ولإخراس أصواتهم الحرة، معتبرة أن التعذيب والتنكيل الذي تعرضوا له من أجل النيل من عزيمتهم وكسر شوكتهم وعزيمتهم لم يفلح كما لم تفلح المحاضر المزورة ولا التهم الملفقة ولا حتى الأحكام الجائرة.
وقالت البراهمة مخاطبة المفرج عنهم: “إننا أولا وإن آزرناكم إيمانا منا ببراءتكم وبعدالة قضاياكم التي نشاطرها وإياكم فنحن لسنا من أسدينا لكم الخدمة أو المعروف كما قد يعتقد البعض، بل الشكر أنتم جديرون به، لأنكم أتحتم لنا فرصة الدفاع كرسالة إنسانية وحقوقية نبيلة، ومكنتمونا من الترافع من أجل ضمان محاكمة عادلة للجميع”.
وتابعت حديثها الموجه إلى المعتقلين السياسيين، قائلة: “في الدفاع عن أنفسكم وعن آرائكم ومواقفكم أمام المحكمة؛ كنتم أنتم الأساتذة ولقنتكم كل الحاضرين دروسا في الصمود والثبات على الموقف رغم ظروف الاعتقال ورهبة السجن”.
كلمات مؤثرة وقوية وشجاعة للمحتفى بهم
وتميز هذا الحفل بالكلمات المؤثرة والقوية والشجاعة للمعتقلين المفرج عنهم، والذين أكدوا صمودهم وثباتهم على مبادئهم وأفكارهم ومواقفهم، كما تزين الحفل وأجواؤه بالتفاعل مع هذه الكلمات التي تبدأ وتنتهي على تصفيقات الحاضرين، إضافة إلى الوصلات الموسيقية الملتزمة التي تخللته على إيقاعات قضايا وهموم الشعب والتغني بالقضية الفلسطينية.
ولم تغب عن هذا الحفل قضية المعتقلين على كل الخلفيات السياسية والاجتماعية، حيث تحدث كل المعتقلين الحاضرين المفرج عنهم، وألقيت كلمة باسم عائلات فيكيك ومعتقليه على خلفية حراكهم الجاري، كما ألقيت كلمة عن عائلة النقيب محمد زيان، وكانت قد برمجت كلمة عن معتقلي حراك الريف، وفضلا عن ذلك فقد ألقيت كلمات عن ضحايا سنوات الرصاص، وحضرت قضية ضحايا الاختفاء القسري، وغير ذلك من القضايا الحقوقية التي استأثرت باهتمام الجسم الحقوقي.
وبعد ثلاث ساعات من الكلمات المحملة بالمشاعر الصادقة المشتركة بين المعتقلين وعائلاتهم والجسم الحقوقي الحر والمناضل من أجل الحقوق والحريات والكرامة والحرية لهذا الشعب، أسدل الستار عن المهرجان بتلاوة البيان الختامي؛ بيان “تهنئة ومواصلة النضال من أجل إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين”، تلاه الدكتور الحقوقي محمد الزهاري باللغة العربية كما تلته الحقوقية السعدية الوالوس باللغة الفرنسية.
وأكدت الهيئات المنظمة من خلال البيان اعتزامها الاستمرار في العمل النضالي والترافعي دفاعا عن الحقوق والحريات، وصونا للكرامة الإنسانية، وترافعا من أجل إلإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، مع توجيه الشكر لكل من اصطف مؤازرا ومساندا ومعرفا بقضيتهم العادلة من محامين وحقوقيين وإعلاميين وفعاليات مجتمعية وسياسية وطنية ودولية.