في رحاب العدل والإحسان بالبيضاء.. سياسيون يسائلون “مغرب ما بعد دستور 2011”

Cover Image for في رحاب العدل والإحسان بالبيضاء.. سياسيون يسائلون “مغرب ما بعد دستور 2011”
نشر بتاريخ

نظمت الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان في إطار فعاليات إحياء الذكرى الثالثة للإمام عبد السلام ياسين، ندوة فكرية تحت عنوان مغرب ما بعد دستور 2011) واستدعت لها عددا من الأطر السياسية والجمعوية النقابية والحقوقية وأطرها كل من محمد حفيظ عضو المجلس الوطني لحزب الاشتراكي الموحد، وعمر إحرشان عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، وعبد الصمد حيكر برلماني حزب العدالة والتنمية، وخديجة المروازي الكاتبة العامة للوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وحسناء أبو زيد عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي.

في المداخلة الأولى، أكد محمد حفيظ أن المطالبة بتغيير الدستور لم تبدأ مع حركة 20 فبراير بل بدأت مع أحزاب سياسية إلا أنها لم يستجب لها الشيء الدي حققته وعجلت به حركة 20 فبراير.. وأضاف لا يمكن أن ننكر أن الدستور المغربي عرف تقدما ملحوظا مقارنة بسابقيه، لكنه مقارنة مع الزمن السياسي واللحظة التاريخيى التي كان يعيشها المغرب فقد كان متخلفا جدا بنصوص ضبابية مترددة ملتبسة لغة ومضمونا مما أثر على هيكلته العامة وعلى تطبيقه وتنزيله)، وقدم مثالا على ذلك باحتفاظ الملك بجل اختصاصاته وتركه للمؤسسات الأخرى المنتخبة دور تدبير السياسات العمومية في حدود مرسومة متحكم فيها بالدستور وبتدخلات من خارج الدستور أحيانا أخرى مما جعل المؤسسات المنتخبة تدبر ولا تحكم على عكس الأنظمة الديمقراطية…

أما عمر أحرشان فاعتبر أن سنة 2011 كانت مرحلة تاريخية غير عادية وتجاوزت مطالبها طابوهات ظل مسكوتا عنها، وبينت أن الوسائط التقليدية صارت عاجزة عن التفاعل مع الشارع واستدل باحتجاجات الشمال ضد أمانديس واحتجاجات الطلبة الأطباء والأساتذة المتدربين، مما يبين أن الإشكال ليس في الشعب وليس في غياب مطالب حقيقية لكن الإشكال في القيادات والوسائط التي كلما كانت أشد التحاما بالشعب كلما كان التجاوب كبيرا). كما بين أن من بين الثغرات التي أثرت على الفاعل السياسي في 2011 وما بعده هي أنه استطاع أن يتجاوز الاختلاف الإيديولوجي للالتقاء في الميادين دون أن يتمكن من تدبير الائتلاف على عكس ما وقع في تونس مثلا. وأضاف إحرشان بأن الإشكال الآخر هو أن الحراك استمر على وتيرة واحدة عوض التفاعل مع الأحداث ومع القمع، مثل ما حدث في مصر وفي تونس، كما أن التسقيف الذاتي والقبلي لمطالب الحوار كان له تأثيره الكبير على تحقيق أهداف الحراك، هذا التسقيف القبلي لم يكن منسجما مع السياق العام للربيع العربي). وعاد وأكد أن الحراك حقق بعض الإنجازات، وحقق تغييرا في الدستور، وأفرج عن معتقلين وفرض انتخابات مبكرة وفرض عدم التلاعب بها بشكل مفضوح، والدور اليوم على الفاعلين السياسيين من داخل النسق الرسمي، يضيف.

فشلنا في المغرب يقول إحرشان في أن ننجز دستورا ديمقراطيا من حيث الشكل ومن حيث المضمون ومن حيث طريقة إقراره بتوظيف الإعلام والمساجد والتصريح الملكي المنحاز للتصويت بنعم.. فشلنا كذلك في التأويل الديمقراطي للدستور لتدارك الخطاب الفضفاض والمفتوح على كل الاحتمالات). وخلص إلى أن روح 20 فبراير لازالت تلقي بضلالها ونَفَسِها على المشهد السياسي المغربي، ولازالت القضايا والمطالب المجتمعية معلقة تنتظر القيادة الجامعة والفاعل السياسي الذي ينتظر منه أن يتوافق حول صيغة لتدبير الاختلاف والائتلاف، حينها سنعيش موجة ثانية في سياقها الإيجابي وإلا فإن تجربة أخرى تختمر لكن في سياقها السلبي لا قدر الله.

عبد الصمد حيكر رأى أن الحراك المغربي في 2011 لم يشمل فقط تغيير الدستور بل شمل عدة جوانب أخرى كانت كلها قيد الاشتغال أو فرضتها مرحلة تاريخية وكان فضل دينامية 20 فبراير أنها عجلت بها ورفعت نوعا ما من سقفها، كما أشار إلى أنه ولأول مرة، نعرف من هي الهيئات التي شاركت في إعداد هذا الستور، على عكس الدساتير السابقة. الشيء الأخر هو طبيعة الجهات المطالبة بالإصلاح وطبيعة المطالب التي تمت الاستجابة لها). نعم، يقول حيكر، جاء النص الدستوري فضفاضا وخاضع لعدة تأويلات قد تُأثر فيها موازين القوى، لكن كفاعل سياسي ومؤمن بالعمل من داخل المؤسسات، أرى أن الدستور لا يخلو من إيجابيات شملت كل المستويات من رئاسة الدولة وطبيعتها إلى الشكل والوسائل. فقد نص الدستور بصراحة على الملكية الدستورية الاجتماعية البرلمانية، كما أحدث منصب رئاسة الحكومة وقرر كذلك اللامركزية من خلال الجهوية المتقدمة… وهذا لا يمكن إنكاره.. علما أنه لا وجود لنظام ديمقراطي مرجعي في العالم يمكن الرجوع إليه والمقارنة به، إنما هناك أنظمة ديمقراطية تتفاعل مع تاريخ شعوبها وثقافتها وإمكاناتها).

النص الدستوري الجديد، يضيف، وفر إطارا جديدا لممارسة سياسية جديدة لكنها تتوقف على عدد من المعطيات، كما أنه لا يمكن المطالبة بتوازن على مستوى ممارسة السلطة بأحزاب ومجال حزبي كالذي نتوفر عليه، ولنا أن نقرا الخريطة الحزبية ليتضح لنا الأمر أكثر. كما لا يمكن إغفال خصوصية حزب العدالة والتنمية الحزب الذي لم يكن له أي تواصل مع الملك لا في المناسبات ولا في غيرها، فكان على الحزب في هذه المرحلة أن يركز على عنصر الثقة مما هيمن على جزئ كبير من الزمن الحكومي الذي نعيشه ولابد كذلك من كسب ثقة المجتمع الدولي واستيعاب موازين القوى والمصالح الدولية، وإضافة لكل هذا لابد من استحضار قضايا وطنية قد تكون مهددة).

أما حسناء أبو زيد فجاءت مستحضرة الذكرى الأربعين لاغتيال عمر بنجلون فطالبت الإسلاميين بأن يكونوا في مستوى المرحلة السياسة خارج سياق العداء أو الانتقام للبحث عن الكلمة السواء ضد يد الظلم حتى لا تتجدد الفاجعة التي وقعت مع الشبيبة الإسلامية، فيكون ضحيتها هذه المرة: الإصلاح السياسي). وأضافت أنه ليس من حق أي كان أن يفجر مفهوم المؤسسات بدعاوى مختلفة ولا يمكن قبول حكومة تدعمها الصناديق لكنها لا تدبر ولا تحكم بل تُقرُّ بذلك وتستسلم له.

وفي سياق الموضوع دائما رأت حسناء أن السياسة دينامية حراك 20 فبراير والتي كان يجب أن تبقى حية لتغدي ضمير التعاقد.. لكن يبدو أن الحركة قد استبطنت أسباب خفوتها، فكانت شعاراتها غير دقيقة وغير واضحة ومغيبة لعدة قضايا، كما أشارت إلى أنه يجب البحث عن معيقات التقارب والأرضية المشتركة المفيدة للمجتمع، مع العلم أن العملية السياسية في المغرب في حاجة لقطبين سياسيين لا يتأتيان إلا بتأهيل الشعب وتأطيره ديمقراطيا وحداثيا.. مما يجعلنا نتساءل مثلا كيف يصوت المغربي في الأحياء الفقيرة المستضعفة المقهورة على من يريد أن يرفع يده عن الصحة والتعليم؟ كما يجب ألا ننسى أن الفاعل السياسي بدوره كما الشعب ضحية لسنوات من تسفيه العمل الحزبي والإجهاز عليه). ورأت أننا أمام دستور الدمقرطة وليس أمام دستور ديمقراطي؛ بمعنى أن إرادة الفاعل السياسي لابد أن تتدخل هنا من أجل أن تتحول الوثيقة إلى وثيقة إقرار التحول الديمقراطي، الشيء الذي للأسف لم يقع وينذر بالتراجع عن أهم المكتسبات السياسية والديمقراطية).

في المداخلة الأخيرة أشارت خديجة المروازي إلى دور الحركات الاجتماعية السابقة لحراك 20 فبراير نظرا لوضوح مطالبها في التأسيس للتقارب بين التيارات السياسية والذي مهد للتقارب الذي عشناه مع حركة 20 فبراير. كما شددت على أنه إذا كانت التيارات السياسية الحزبية التقليدية أبانت عن محدوديتها وكونها غير معبِّئة في الشارع، إلا أنها ظلت هي الحاسمة في سقف التغيير والاتجاه الذي ينبغي أن يأخذه وبالتالي ينبغي التعامل معها بعمق أكبر). وألمحت إلى أن الفاعل السياسي المؤسساتي بقي متحكما في سقف المطالب بل لم يجرأ على التموقع كفاعل سياسي حقيقي خلال الحراك المغربي وظل مختبئا وراء الحركات الاجتماعية والسياسة غير المؤسساتية من يسار راديكالي أو حركة إسلامية).

ومن جهة أخرى قالت أن شباب 20 فبراير الذي أتر في تسريع التغيير الدستوري كان غائبا في التأثير في مضامين الوثيقة الدستورية، وهنا لابد من مساءلة المعارضة غير مؤسساتية إلى متى ستبقى تتموقع خلف شعار المقاطعة؟ لا يمكن أن نرهن مصالح البلاد لمجرد موقفنا من النظام. فإن كانت عيننا وقلبنا على الشعب فلابد من إعلان موقفنا من القضايا الاستراتيجية المطروحة حاليا، كما لا يمكن أن نرهن الوطن لنفس السبب في قضايا وطنية حساسة). ورأت المروازي أن المعارضة غير المؤسساتية لابد لها أن تنسق مع المعارضة المؤسساتية فلا شيء اليوم ينجز خارج التأثير في السياسات العمومية وفي تدبير الشأن العام الوطني والمحلي. اليوم الناس تحتاج إليكم –تقصد المعارضة من خارج المؤسسات- في تدبير عيشها اليومي والذي يكون عبر مدخل السياسات العمومية بالمقترحات وقياس التعهدات ووضع اليد على الاختلالات. فلا بد من مجهود مشترك بين الفاعلين).

وقد أعقبت المداخلات الرئيسية وما ورد فيها من أفكار نقاشا من قبل الحاضرين والضيوف، وتعقيبا أيضا من الأساتذة المتدخلين، دافع فيها كل عن وجهات نظره التي تقاربت في نقاط وتباينت في أخرى، وشدد الجميع على الدور الأساسي لمثل هذه المناسبات التي يفتح فيها النقاش ويستمع فيها مباشرة لوجهات النظر المختلفة.