في دراسة الشخصية الإسرائيلية

Cover Image for في دراسة الشخصية الإسرائيلية
نشر بتاريخ

أما بعد

تتطرق هذه الورقة لبعض سمات الشخصية الإسرائيلية وكيف تبلورت عبر التاريخ. لأن الحديث عن ـ الشخصية ـ الإسرائيلية، مهم لمن يحاول أن يستوعب الأسس التي استطاع بها دعاة الصهيونية أن يغيروا موقف يهود العالم ونفورهم منهم في البداية، إلى إقبال وتأثير واقتناع في النهاية، لدرجة اختفى فيها الفرق بين (اليهودي) و(الإسرائيلي) وصارت الكلمتان مترادفتين، في خصومة دامية وشرسة ضد العرب والمسلمين في العصر الحديث وما أخفى كان أعظم.

ومن هذا المنطلق سعت الصهيونية إلى تأويل النصوص الدينية التي يقدسها اليهود، ويتعبدون بها، من أجل البحث عن الأرض الموعودة التي تتحدث عنها توراة اليهود.

ولتحقيق هذا المشروع، تجنبت الصهيونية المنطق، وعملت على تكوين الشخصية الإسرائيلية، اعتمادا على “الخرافة” في ترسيخ عصبية عنصرية خطيرة، نقلت بها اليهودي من (عقدة الدونية) إلى (عقدة الفوقية) الحديثة، مستغلة المصطلحات من قبيل “شعب الله المختار” وفكرة الصراع ـ صراع يعقوب (إسرائيل) مع الإله ومغالبته.

كل هذه المحددات وغيرها أسهمت في سبك الشخصية الإسرائيلية المعقدة، تلك الشخصية التي تعتبر البطانة المتينة للنسيج الاجتماعي الإسرائيلي المعاصر.

ضرورة التعرف على الشخصية الإسرائيلية

جاء في التلمود ما يلي: كما أن العالم لا يمكن أن يعيش بدون هواء، فإنه لا يمكن أن يعيش بدون إسرائيل).

ولعل هذه القولة التلمودية تعطينا الصورة الواضحة عن الشخصية الإسرائيلية، إذ يمكن بسهولة أن نتبين منها النزعة العنصرية التي تجعل الإسرائيلي يشعر أنه شخصية منفصلة عن البشر، متعالية عليهم، وأن الإسرائيلي قد خلق بتدبير سماوي، لأن الدنيا التي أبدعها الله سبحانه وتعالى ما كان يمكن أن يستقيم أمرها من غير اليهود!

وعلى هذا الأساس فإن معرفة الشخصية الإسرائيلية ومقوماتها التي ساهمت في تكوينها عبر التاريخ، يعتبر بنداٌ مهما. بل يكاد يكون فرضا كما قال عبد الوهاب المسيري على النفوس المحبة للإنسانية، وضريبة على العقول الباحثة عن العدل والإخاء والسلام، وبخاصة في مجتمعنا الإسلامي وكيف لا والقضية الفلسطينية ما تزال، تشغل بال كل ضمير حي.

وإذا كانت القولة التلمودية التي ذكرناها قد أذكت عقولنا للتعرف على هذه الشخصية فإنها لا تكفي وحدها للبحث وإصدار الأحكام المسبقة.

ما هي الشخصية؟

جاء في لسان العرب لابن منظور: الشَّخص هو سواد الإنسان وغيره تراه من بعيد. والشخص هو كل جسم له ارتفاع وظهور) 1 .

وأما في الأصل الأوروبي، فإن المصطلح مأخوذ من اللفظ اللاتيني (بيرسونا)، وهو القناع الذي يرتديه الممثل ليعبر عن السمة الأساسية للشخصية التي يؤديها 2 .

والشخصية لفظة مولدة مشتقة منه، تدل في علم النفس وعلم الاجتماع والفلسفة على العلامات المميزة للإنسان أو لمجموعة من البشر 3 . وهذه العلامات لا تقتصر على الجانب البيولوجي (القامة، شكل الجمجمة، لون الشعر، العينين)، بل ذلك قد يتعرض للتبديل والتغيير، حتى يصعب الاعتماد عليه في تحديد الشخصية. لكن هناك عناصر وظروف مهمة تخلق الشخصية من قبيل: الأسطورة التي تؤمن بها فئة معينة من الناس، وذكرى حادثة قديمة كل ذلك وغيره يمثل وقودا تنصهر فيه النفوس، وتتبلور فيه الشخصية.

من هو الإسرائيلي؟

الإسرائيلي حسب مشرِّعي دولة “إسرائيل”: هو أي شخص توافق الصهيونية على أن يكون من أبنائها، يهوديا كان أم غير يهودي). وهذا التعريف زاد الطينة بلَّة والمشكلة تعقيدا، فالعرب الذين بقوا في وطنهم فلسطين بعد إعلان دولة “إسرائيل” هناك، كان لابد أن توافق هذه الدولة على أن يكونوا من أبنائها، وكان لابد في نفس الوقت أن تضغط عليهم حتى يغادروها، وأن تتلمس شتى العلل والأسباب لإرهابهم وطردهم وتشردهم.

ولحل هذه المعضلة أصدرت الدولة الصهيونية قانونين لتنظيم صفة المواطن بما يتفق مع مبادئها وأهدافها وهما:

1ــ قانون العودة الصادر في 5 يوليه سنة 1950، وهو يعطي لكل يهودي في العالم حقّ الهجرة إلى إسرائيل بلا قيد أو شرط.

2ــ قانون الجنسية الإسرائيلية الذي أقرّه مجلس النواب الإسرائيلي (الكنيست) في 14 أبريل سنة 1952م، وقد اعتبر جميع يهود فلسطين موطنين دون أية قيود 4 .

مقومات الشخصية الإسرائيلية

العنصرية والتعصب الديني

إن من سمات الشخصية الإسرائيلية الشعور بعقدة الانفصال عن البشر، والتعالي عليهم، وهذا راجع إلى عدة عوامل أهمها: الاستعلاء الديني أي أن اليهود يؤمنون بأسطورة مفادها أن (الشعب الإسرائيلي) هو (الشعب المختار)، دون بقية الشعوب الأخرى، وهذه الأسطورة مأخوذة أساسا من توراتهم المحرفة، فقد جاء في سفر التثنية (2:14) لأنك شعب مقدس للرب إلهك، وقد اختارك الرب لتكون له شعبا خاصا، فوق جميع الشعوب التي على وجه الأرض). فهم (شعب الله) وبالعبرية (عام ألوهيم) وهي تسمية وردت في كتابهم (2 صمويل 13:14).

ومن العوامل كذلك دعوى النقاء القومي لليهود، ومن مظاهر هذه القومية لديهم اتحادهم في الجنس، واللغة والتاريخ، والثقافة، والدين.

غير أن هذه الفكرة غير صحيحة فقد أجمعت البحوث الاجتماعية والتاريخية والأنثروبولوجية على أن اليهودي يعتبر من أبعد الجماعات البشرية عن النقاء العنصري القومي الذي يدّعيه. وفي هذا الصدد يقول العلاّمة أوجين بيتار: إن جميع اليهود في نظر علماء الانثروبولوجيا، على الرغم من كل ما يدّعيه اليهود المنضوون تحت الفكرة العنصرية الإسرائيلية، بعيدون عن الانتماء إلى جنس يهودي). ويؤكد رينان هذا الطرح قائلا: لا توجد سحنة يهودية، بل هناك عدّة سحنات يهودية). وليس هناك قول أصح من هذا، فنحن لا نستطيع أن نعتبر اليهود الحاليين مكونين لكتلة بشرية ذات عنصر واحد، ولا حتى في فلسطين، بعد أن جرّت إليها الحركات الصهيونية كثيرا من الإسرائيليين دون اختيار أو تمييز. فاليهود ينتمون إلى طائفة دينية واجتماعية، اندمج فيها في كل عصور التاريخ أشخاص من أجناس متباينة 5 . ولقد ترتب على فكرة إيمان اليهود باختيارهم إلى الأبد، دون سائر البشر وتميزهم بقومية خاصة، فكرة الانفصال عن الآخرين على اعتبار أن اليهود أفضل منهم، وهذه العزلة اليهودية تضرب في أعماق التاريخ حتى تصل إلى فترة السبي البالبلي الذي بدأ عام 586 ق.م 6 .

حتمية الصراع

ترجع فكرة الصراع في تكوين الشخصية الإسرائيلية إلى قصة في التوراة مفادها أن يعقوب ـ إسرائيل ـ صارع ـ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ـ الله، وفكرة الصراع عند اليهودي فكر بدائية فيها رواسب كثيرة من حياة الصيد والقنص، وأخطار المعيشة في البادية. فهناك غريب يجب قتله، أو أسره وتسخيره على الأقل، يستوي في ذلك الإنسان والحيوان 7 ، وهذا اللون من الصراع يختلف تماما عن فكرة التدافع والتنافس بين إنسانية متساوية في طاقاتها، يحاول كل واحد من جهة أن ينال حقه، وأن يحمي هذا الحق.

بالإضافة إلى هذا هناك من الأمثلة ما لا يحصى من هذا الصراع في حكايات الكتاب المقدس اليهودي، تصور أبطالهم بالمدمرين الذي يحرقون القرى ويقتلون أهلها تحقيقا لأمر الله بأن يفعلوا ذلك.

خاتمة

نستخلص مما سبق أن مقومات الشخصية الإسرائيلية تكمن أساسا في الشعور بعنصرية خطيرة حول أسطورة خاصة بالأعراق والأنساب، والتعصب الديني حول شريعة اعتبرها اليهود خاصة بهم لأنهم حسب زعمهم شعب الله المختار، وفكرة الصراع من أجل البقاء، وفناء الأمم الباقية. وهذا فيض من غيض كما يقال، وما أخفي كان أعظم.

والحمد لله رب العالمين.


[1] لسان العرب، لابن منظور، دار الجيل بيروت، ج3، ص 281.\
[2] من هو اليهودي، عبد الوهاب المسيرى، دار الشروق، ط 1، ص 9.\
[3] الشخصية الإسرائيلية، عبد الوهاي المسيري، دار القلم ، دمشق، ط 3، 1999م/ 1420هــ ، ص 11.\
[4] الشخصية الإسرائيلية، عبد الوهاب المسيري، ص 20.\
[5] نفس المرجع، ص 35.\
[6] العنصرية اليهودية أثرها في المجتمع الإسلامي والموقف منها، أحمد بن عبد الله بن إبراهيم الزغيبي، ط 1، 1998م/ 1418هــ، مكتبة العبيكان، ج 1، ص 151.\
[7] الشخصية الإسرائيلية، عبد الوهاب المسيري، ص 41.\