في اليوم الوطني للمرأة.. القطاع النسائي للعدل والإحسان يرصد الأزمات المتفاقمة ووعود الإصلاح المُخلَفة

Cover Image for في اليوم الوطني للمرأة.. القطاع النسائي للعدل والإحسان يرصد الأزمات المتفاقمة ووعود الإصلاح المُخلَفة
نشر بتاريخ

بسم الله الرحمن الرحيم

القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان

             المكتب الوطني

اليوم الوطني للمرأة المغربية بين تفاقم الأزمات ووعود الإصلاحات

ككل سنة تترقب نساء المغرب يومهن الوطني عساه يحمل معه بشارات التمكين ونسمات عيش كريم يسعد به المواطن المغربي، ويحفظ من خلاله إنسانيته وكرامته. لكن هذه الآمال والأماني ما تفتأ أن تتبدد وتتلاشى أمام واقع يحكم الاستبداد عليه قبضته، وتتحكم في خيوطه لوبيات الفساد، فلا يجد فيه المواطن المغربي عنوانا لحقوق إنسان، أو عدالة اجتماعية، أو عيش كريم، أو رأي حر. واقع قاتم تحاول الدولة تبييضه بسياسات سطحية، وشعارات زائفة ووعود كاذبة سئم منها المواطنون ولم يروا منها نفعا.

ويطل علينا اليوم الوطني للمرأة المغربية هذه السنة بين يدي أحداث إقليمية ووطنية بارزة، أولها المعركة النوعية التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية تحت عنوان “طوفان الأقصى”، معركة زلزلت أرض الكيان المحتل وأبهرت العالم المنحاز، وأعادت القضية الفلسطينية إلى موقع الصدارة الذي يليق بها وإلى جوهر طبيعتها: شعب يقاوم محتلا غاصبا لتحرير أرضه المباركة. وهي معركة وضعت الأمة أمام مرحلة جديدة ونصر تاريخي سطرته المقاومة الفلسطينية الباسلة على أراضيها المحتلة ضد الكيان الصهيوني في مسيرتها الصامدة من أجل تحرير أراضيها واسترجاع مقدساتها، وفي هذا النصر تأكيد على سنة الله تعالى في نصرة المظلومين والمستضعفين، والانتقام من الظالمين ولو بعد حين. أما ثانيها فهو الزلزال الذي ضرب مناطقَ متعددةً من المغرب في الثامن من شتنبر 2023م، مخلفا خسائر بشرية ومادية جسيمة، نسأل الله تعالى أن يرحم من قضوا ويجعلهم من الشهداء، وأن يَشفي المرضى والجرحى ويربط على قلوب المنكوبين والمكلومين.

ولئن كان حدث الزلزال قد أبرز قيم التضامن والتكافل والمواساة بين المواطنين، فإنه في المقابل فضح فشل الدولة في تدبير الأزمات، وقصور سياساتها عن تنمية المناطق النائية والهشة والاستجابة لمطالب واحتياجات سكانها المقهورين، وفي مقدمتهم النساء اللواتي صعق العالم بأوضاع البؤس والفقر والتهميش التي يعشنها، والتي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك زيف شعارات “حقوق المرأة” و”تمكين المرأة” وشرخ أسطوانة التنمية ومسلسلات الإصلاح.

إن سياسات التفقير والتجهيل والتضييق التي تنهجها الدولة منذ عقود، وانعدام إرادتها في تحقيق العدالة الاجتماعية، وتمكين المواطنين من حقوقهم العادلة والمشروعة، والدفع بقاطرة الإصلاح في المسار الصحيح، أمر تدفع نساء المغرب ثمنه غاليا، وتكفي مؤشرات الفقر والعطالة والأمية والعنف على ذلك حجة ودليلا. فقد أفادت المندوبية السامية للتخطيط بأن ما يقارب 3 أرباع الأشخاص خارج سوق الشغل هن نساء سنة 2022، وسجلت أن أكثر من شاب من بين أربعة تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة على المستوى الوطني لا يشتغلون ولا يدرسون بالمدارس ولا يتابعون أي تكوين، ما يقارب %72،8 منهم نساء، %40،6 منهن متزوجات، و%68،2 يتوفرن على شهادة. أما العنف، بكل ما يمثله من إجرام وإهدار لكرامة الإنسان، فقد أضحى سيفا مصلتا في يد الدولة، تغطي به فشلها في تدبير القضايا والملفات الاجتماعية، وتشهره في وجه كل من يهدد أمن استبدادها، أو يقض مضجع هيمنتها وفسادها، أو تسول له نفسه المطالبة بحق أو الدفاع عن مبدأ أو نصرة مظلوم، يستوي في ذلك الرجال والنساء.

أما العنف الذي تكتوي بناره نساء المغرب فأشكاله تتمدد وتتنوع بين عنف جسدي، جنسي، نفسي، اقتصادي سياسي وإلكتروني. وفي وصف للظاهرة، أفادت المندوبية السامية للتخطيط في مذكرتها الإخبارية الصادرة في مارس 2021 أن أكثر من 7،6 مليون امرأة، أي 57،1% من النساء على الأقل عانين من شكل عنف واحد بغض النظر عن الشكل والسياق سنة 2019. شكل منها العنف النفسي نسبة 49،1%، والعنف الجسدي 13،3%، والعنف الجنسي 14%، والعنف الاقتصادي 15،1%. وشكل منها العنف المنزلي نسبة 52،1%، وفي فضاء العمل 15،4%. أما عدد شكاوى العنف التي تقدمت بها النساء أمام المصالح المختصة منذ بداية 2021، فشهدت ارتفاعا كبيرا بنسبة تقارب %50 مقارنة بسنة 2020، بحسب تقرير رسمي صادر سنة 2022 عن رئاسة النيابة العامة بالمغرب، حيث بلغت 61 ألف و388 قضية، شكل منها العنف الجسدي 44%، والعنف الاقتصادي 27%، والعنف النفسي 26%، والعنف الجنسي 9%…

أما شكاوى العنف المقدمة من نساء، فقد أكد تقرير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان ارتفاع جرائم قتل النساء من طرف ذكور من 29 حالة سنة 2018 إلى 54 حالة سنة 2021، أما العنف الإلكتروني فيشكل، بحسب مذكرة إخبارية للمندوبية السامية للتخطيط سنة 2023، %19 من مجموع أشكال العنف ضد نساء المغرب.

أرقام مهولة تبرز حجم معاناة المرأة المغربية وطول درب نضالها، وتؤشر على تفاقم الأزمات الاجتماعية وتراجع المرتكزات القيمية والأخلاقية داخل المجتمع، كما تفسر أسباب معاناة وتفكك الكثير من الأسر المغربية التي لا تزيدها الأوضاع الاقتصادية إلا بؤسا وتشرذما. وفي هذا السياق أشارت المندوبية السامية للتخطيط، في مذكرة إخبارية حول نتائج بحث الظرفية لدى الأسر، إلى أن %87،3 من الأسر صرحت، خلال الفصل الثاني من سنة 2023، بتدهور مستوى المعيشة خلال الأشهر الـ 12 الماضية، وأن%53,4 من الأسر تتوقع تدهوره فيما يستقبل من الأشهر، وتوقعت %85،3 من الأسر ارتفاعا في مستوى البطالة خلال الأشهر الـ 12 المقبلة. كما صرحت جل الأسر بنسبة %98،1 بأن أسعار المواد الغذائية شهدت ارتفاعا خلال الأشهر 12 الأخيرة، وتتوقع %72،5 استمرارها في الارتفاع..

إن أحوال الأسر المغربية المثقلة بهمّ المعيش اليومي وتداعياته على سعادتها واستقرارها وتماسك أفرادها، تسائل بشكل واضح وصريح نجاعة الإصلاح القانوني في قضاياها -على أهميته- وجدوى تعديلات في مدونتها، في واقع يسوده الفساد السياسي، وتغيب عنه القسمة العادلة لثروات الوطن، وترتهن سياساته وقراراته للإملاءات والضغوط الأجنبية، وترزح إداراته تحت نير الرشوة والمحسوبية، في ترد كبير لقيم المسؤولية والعدل والإنصاف. ولذلك فإن النظر في قضايا وأحكام الأسرة المغربية وإنصاف مختلف مكوناتها لا يتحقق إلا في إطار إصلاح شامل ومقاربة تشاركية ورؤية جامعة تستحضر خصوصيات المجتمع المغربي الدينية والثقافية والحضارية، وإرادة حرة صادقة تبعد في قراراتها الأسرة وجميع مكوناتها عن الحسابات والمزايدات السياسوية.

وإننا في القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان، إذ نأسف للتردي الذي تعرفه أوضاع المرأة المغربية وتناسل أزماتها سنة بعد أخرى، خصوصا في المناطق الهشة والقرى المنسية، نعلن للرأي العام ما يلي:

– مباركتنا لجهود المقاومة الفلسطينية، ووقوفنا إلى جانب الشعب الفلسطيني في مسيرته التحررية، وإشادتنا بالمواقف البطولية لرجاله ونسائه وأطفاله.

– تعازينا لأهالي ضحايا الفيضانات التي عرفتها ليبيا الشقيقة.

– ترحمنا على أبناء شعبنا الذين قضوا في زلزال الحوز، ودعواتنا للمصابين بالشفاء والعافية.

– تحميلنا الدولة بجميع مؤسساتها مسؤولية التكفل بجميع المتضررين من الزلزال، وتوفير كل ما يلبي احتياجاتهم الضرورية، ويحفظ كرامتهم ويضمن سلامتهم، خصوصا مع اقتراب فصل الشتاء.

– إدانتنا لما تتعرض له نساء المغرب ورجاله من سياسة التفقير والتجويع في مقابل الاغتناء المتزايد للوبيات الفساد.

– رفضنا لمقاربة العنف التي تدبر بها الدولة الملفات الاجتماعية وتنديدنا بالتدخل الأمني اللاأخلاقي في حق المدرس المطالب بحقوقه المشروعة في يومه الوطني.

– تأكيدنا على ضرورة احترام مكانة الأسرة داخل المجتمع المغربي، وتجنب كل ما من شأنه المساس باستقرارها وتماسكها.

– تأكيدنا أهمية المدخل التربوي والقيمي كأساس لإصلاح النفس وبناء الشخصية المتوازنة وإصلاح المجتمع وتحصينه من مؤامرات الإفساد التي تهدد فطرة أبنائه وعقولهم وأخلاقهم.

– تأكيدنا أن إصلاح مدونة الأسرة لا يكتمل إلا بالإصلاح الشامل في جميع المجالات، بما فيها السياسي، الاجتماعي، الاقتصادي، القانوني، الحقوقي، النفسي والتربوي، ضمانا لسلامة بيئة تنزيل الأحكام والقوانين، وتحقيق الجدوى منها.

– ضرورة احترام أي تعديل في مدونة الأسرة لسمو المرجعية الإسلامية وثوابت الدين الإسلامي وقطعياته، والاجتهاد فيما يقبل الاجتهاد وفق مقاصد الشريعة وكلياتها المحققة لمصالح العباد.

– دعوتنا علماء الوطن إلى تحمل مسؤوليتهم التاريخية والصدع بكلمة الحق، فهم ورثة الأنبياء، والمستأمنون على دين الله تعالى ومصالح العباد.

– الاستفادة من التجارب البشرية في مجال الأسرة والمشترك الإنساني بما لا يتعارض وثوابت ديننا الحنيف.

– تجديد إدانتنا لما تتعرض له نساء العدل والإحسان من منع وتضييق في ممارسة حقهن في الفعل المجتمعي بسبب انتمائهن السياسي وخيارهن الفكري.

– تأكيدنا أن إنصاف المرأة المغربية والنضال من أجل انتزاع حقوقها العادلة والمشروعة أمر لا يتحقق إلا بالعمل المشترك الدؤوب الذي يجمع الفعاليات النسائية والفضلاء وشرفاء الوطن على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم.

وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

المكتب الوطني

10 أكتوبر 2023