عشر العتق أقبلت فشمروا

Cover Image for عشر العتق أقبلت فشمروا
نشر بتاريخ

أقبلت عشر العتق مهيبة جليلة كعادتها، إنها العشر الأواخر، هي أفضل ليالي السنة على الإطلاق، لذا كان لها عند الحبيب صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أهمية خاصة، ولهم فيها هدي خاص، ففي الصحيحين “عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر أحيا ليله وأيقظ أهله وشد مئزره”. وفي رواية: طوى فراشه واعتزل النساء وجعل العشاء سحورا”.

وهكذا كان عليه الصلاة والسلام يجتهد في هذه العشر ما لا يجتهد في غيرها.. كما كان يخصها بسنة عظيمة ألا وهي سنة الاعتكاف، فعن سيدتنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده”. رواه البخاري ومسلم.

والاعتكاف هو عزلة مؤقتة عن شواغل الحياة، وإقبال بالكلية على الله تبارك وتعالى والأنس بعبادته لترتوي القلوب الظامئة والنفوس التواقة إلى القرب من خالقها.

ولعل سر الاجتهاد والمبالغة في الطاعات والعبادات في العشر الأواخر يكمن في أمرين:

– الأول: أن هذه العشر هي ختام شهر رمضان المبارك، وكما نعلم فالأعمال بخواتيمها لذلك كان من دعائه عليه الصلاة و السلام: “اللهم اجعل خير عمري أواخره وخير عملي خواتمه”. ولأنها الأيام التي لها علاقة مباشرة بما بعدها من شهور وأيام السنة، فيحصل بذلك الاستمرار في الطاعة والإقبال على الله عز وجل..

– الثاني: أن فيها ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، الليلة التي شهدت لحظة اتصال السماء بالأرض، وأولى نفحات نزول الهدي السماوي الذي أخرجنا به سبحانه من الظلمات إلى النور.

وقد خص الله تبارك وتعالى هذه الليلة بخصائص عديدة نذكر منها:

* أن الله أنزل فيها سورة كاملة تتلى إلى يوم القيامة؛ هي سورة القدر.

* أن الله يفصل فيها من اللوح المحفوظ ما هو كائن في السنة من الأرزاق والآجال.. لذلك قال عنها سبحانه: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (الدخان، الآية 4).

* كما وصفها سبحانه بأنها خير من ألف شهر وبأنها مباركة.

* فيها تتنزل الملائكة وعلى رأسهم جبريل عليه السلام.

* هي سلام حتى مطلع الفجر لكثرة السلامة فيها من العذاب والعقاب.

* كما يغفر المولى فيها لمن قامها إيمانا واحتسابا ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

* من أدركها فاجتهد فيها فقد أدرك الخير كله، ومن حرمها فقد حرم الخير كله..

وقد أخفاها المولى سبحانه ليجتهد المسلمون طيلة العشر التماسا لها وحرصا على إدراكها، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان”. رواه البخاري.

وقد رجح بعض العلماء أن هذه الليلة العظيمة لا تختص بليلة معينة في جميع الأعوام، بل تنتقل في الليالي تبعا لمشيئة الله عز وجل وحكمته.

ومما يجب أن نحرص عليه أيضا في العشر الأواخر؛ كثرة الدعاء والتضرع لله، خصوصا الدعاء الذي ورد في حديث سيدتنا عائشة رضي الله عنها حين قالت: “قلت: يارسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني” رواه ابن ماجة.

إذن فالعشر الأواخر من هذا الشهر العظيم هي فرصة لمن أحسن في أوله كي يستزيد، ولمن أساء وقصر أن يستدرك ويغتنم. ولنقتد فيها بالحبيب عليه الصلاة والسلام فنجتهد ونشمر ونشتغل بكثرة القرآن والذكر والصلاة والإحياء والدعاء ومجاهدة النفس ومحاسبتها والتخلص من فضول الكلام والنوم والرفقة.. سائلين المولى أن يجعلنا فيها من العتقاء السعداء في الدنيا والآخرة.