الصلاة.. عرس الموحدين ومعراج المحبين

Cover Image for الصلاة.. عرس الموحدين ومعراج المحبين
نشر بتاريخ

من أخطر ما يصاب به المجتمع المسلم أن تتحول العبادة فيه إلى عادة وطقوس لا روح فيها ولا حياة.

فالصلاة مثلا هي أعظم أركان الإسلام وأخطرها، وأول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة؛ فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد، هي عرس الموحدين ومعراج المحبين.

هذه الصلاة بعظمتها ومكانتها قد تتحول للأسف إلى همهمات وحركات وسكنات لا أثر لها في تزكية النفس وسمو الأخلاق وتغيير الأحوال..

لذا كان لزاما علينا بين الفينة والأخرى أن نتذكر ونُذكر بأهميتها وفضلها، وصدق المولى ﷻ إذ يقول: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (الذاريات، 55).

فالصلاة لغة هي الدعاء مصداقا لقوله ﷻ: خُذْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (التوبة، 103).

صل عليهم: أي ادع لهم..

أما اصطلاحا؛ فالصلاة هي عبادة لله تعالى ذات أقوال وأفعال مخصوصة تبدأ بالتكبير وتنتهي بالتسليم.

وللصلاة أهمية عظمى ومنزلة كبرى في الإسلام، فهي عماد الدين ومن أعظم الفرائض والواجبات بعد الشهادتين.

ولقد تعددت الأدلة من الكتاب والسنة على وجوبها، نذكر منها قول اللّٰه ﷻ: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (البقرة، 238).

وقوله ﷻ أيضا: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (البقرة، 43).

وقال الحبيب ﷺ: “بني الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا إله إلا اللّٰه وأن محمدا رسول اللّٰه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان” (رواه البخاري ومسلم).

فلا يصح إسلام المرء ولا يكتمل إلا بقيامه بالصلاة المفروضة، وإن ضيعها فكأنه ضيع الدين كله.

لذا كانت هي آخر وصايا الحبيب ﷺ وهو يعالج سكرات الموت حيث قال: “الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم” (رواه النسائي وابن ماجة).

فالصلاة إذن سلوى الروح ونجوى القلب وصفاء النفس، فُرضت في السماء لأنها همزة وصل بين السماء والأرض وبين العبد وربه، هي ميزان الإيمان ومقياس الإخلاص، يتفيؤها المكروبون فيسْترْوحون في ظلها نسمات العزاء، ويأوي إليها الحائرون فينعمون في رحابها بالسكينة وأنس الراحة وبرد اليقين، هي جلاء كل هم وفرج كل غم وخلاص كل كرب.

وقد بلغ من عناية الإسلام بالصلاة أن أمر بالمحافظة عليها في الصحة والمرض، في الحضر والسفر، وفي الأمن والخوف. وشدد المولى النكير على من فرط فيها، وهدد الذين يضيعونها فقال ﷻ: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (مريم، 59).

والغي هو: الضلال والخسران والخيبة..

وقيل: الغي: هو واد في جهنم والعياذ باللّٰه.

وقال ﷻ أيضا: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (الماعون، 5).

ولأن الصلاة من الأمور الكبرى التي تحتاج إلى هداية خاصة من المولى عز وجل فقد سأل سيدنا إبراهيم عليه السلام ربه أن يجعله وذريته من المقيمين لها فقال: رَبِّ ٱجْعَلْنِى مُقِيمَ ٱلصَّلَوٰةِ وَمِن ذُرِّيَّتِى ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ (إبراهيم، 40).

ففي الصلاة يقر العبد بالعبودية التامة لله وحده؛ فتُشرق في نفسه أنوارها، وتترجم في سلوكه أسرارها، فتجده دائما واقفا عند حدود اللّٰه لا يتعداها، بعيدا عن كل الفواحش والمنكرات، كيف لا وقد قال المولى ﷻ: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ (العنكبوت، 45).

وحتى إن زل المؤمن زلة، وهو في معترك الحياة الصاخبة، ثم أنَّبته نفسه اللوامة رجع إلى ربه مسرعا نادما تائبا واقفا ببابه مقيما لصلاته، إذ الصلاة من أعظم الحسنات المكفرة للذنوب، وفي ذلك يقول المولى ﷻ: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ (هود، 114).

فبالصلاة إذن تُمحى الذنوب وتسكن الروح ويطمئن القلب ويهدأ البال.

هي الملاذ الآمن للمؤمن، إذا داوم وحافظ عليها حصنته من الفزع والهلع والخوف، وثبتته إذا اشتدت الأزمات والشرور، يقول اللّٰه ﷻ: إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (المعارج 19-22).

فلا راحة ولا طمأنينة ولا سكينة إلا مع الصلاة، فها هو الحبيب ﷺ وهو قدوتنا كان إذا حز به أمر فزع إليها واحتمى بها، فعن سالم بن أبي الجعد أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: “يا بلال: أقم الصلاة، أرحنا بها” (صححه أبو داود).

كل هذه الثمار الطيبة والآثار العظيمة لن يجنيها المؤمن من صلاته إلا إذا أداها كما يجب وأقامها كما أُمر، هي إذن تلك الصلاة الخاشعة الضارعة التي يُقيمها المؤمن كاملة الأركان مستوفية الشروط فيتذوق بها لذة المناجاة وحلاوة القرب وجلالة اللقاء، وفي هذا يقول الإمام عبد السلام ياسين: “الصلاة طاعة يطيعها الجسم والعقل، الصلاة وقفة العبد أمام ربه يناجيه ويدعوه ويتضرع إليه، نداء المؤذن إليها نفير إلى الفلاح، الصلاة فلاح، من أضاعها وأخل بشرط من شروط اعتدالها واطمئنانها وخشوعها نقص دينه وسقط على أم رأسه ولو ناضل بكل ماله وقواه ليقيم في زعمه الخلافة الإسلامية” (محنة العقل المسلم، ط 2018/4، ص 38).

جعلنا الله ممن يقبل صلاتهم ويرحمنا بها في الدنيا والآخرة.