إيان نيل دالاس وعبد السلام ياسين
اسمه الأصلي إيان نيل دالاس، مفكر وفيلسوف ومسرحي بريطاني من أصل اسكتلندي، كما له مشاركة في الشعر والأدب والموسيقى الأنجلوساكسونية، اعتنق الإسلام على يد إمام جامع القرويين بالمغرب سنة 1963 الشيخ عبد الكريم دودي رحمه الله، وتسمَّى بـ”عبد القادر” واشتهر بـ”عبد القادر الصوفي”، ثم “عبد القادر المرابط”، حيث اكتشف عالم التصوف سنة 1967م، على يد الشيخ محمد بن الحبيب الإمغاري الإدريسي الحسني، وفتح الله عليه وعلى يديه بإسلام أفواج من الأوروبيين والأمريكيين، وأسس حركة المرابطين العالمية ببريطانيا وأنشأ العديد من المساجد في العالم، وهو صاحب فكرة/مشروع الدينار الذهبي الإسلامي كبديل للدولار الأمريكي، توفي 1غشت 2021، بمدينة رأس الرجاء الصالح (كيب تاون جنوب افريقيا) عن سن 90 سنة.
قالت ندية ياسين في تدوينة لها بمناسبة وفاة هذا الرجل: “لي مع هذا الرجل جميل الروح صلة ترجع إلى الثمانينيات حين كان والدي رحمه الله في سجن “العلو” أعلى الله مقامه في عليين. أخبرتني صديقة نصرانية أسلَمت أن ضيفتين مسلمتين من بريطانيا ترغبان في زيارته. التقيتُ بهما أثناء وجبة غداء عند الصديقة وكانت وليمة للأرواح قبل الأشباح. قابلتُ امرأتين لا يضاهي بياض بشرتهما إلا نصاحة قلبيهما. بهرني ما كان يشع منهما من أسرار واضطرار ونقاء وصفاء. لعلها حرارة من افتقد الشيء طويلا فوجده بعد العناء. لعله شكر من كان خواء روحيا مظلما فصار نبعا من الحياة. إنها الشهادة والانغماس في الأنوار. لم أر صلاة كصلاتهما ولا تؤدة كتؤدتهما، كأنهما صحابيتين حديثتا العهد بمحراب رسول الله صلى الله عليه وسلم. استحييت من صلاتي ومن قلة تسبيحي ونحافة سبحتي. سألتهما ما الخطب وما السر؟ فسمعت لأول مرة باسم مصحوبهما، إنه سيدي عبد القادر الصوفي الذي كما أخبرتاني أبدل كنية ”الصوفي” بــ”المرابط” لما فهم أهمية الجهاد في السلوك. ومن باب الحث على خير الجهاد أوصاهم بزيارة الوالد، قدس الله سره، وذكرهم بأجر من زار سجينا مبتلى في سبيل الله. كانت آنذاك، وفي كل مرة، زيارة الوالد محاطة بالمصاعب والحواجز البوليسية والمتاعب الإدارية. لم تكن تقبل الزيارة إلا ببطائق التعريف والعدد المحدود والعقاب الوارد. أما أن يسمح للأجانب فذاك من سابع المستحيلات. قالتا “نستخفي” ونجرب علما منهما بمغامراتي في هذا المجال، تارة محايلة وتارة مواجهة. نظرت إلى “ربيعة” (سمت نفسها تيمنا بربيعة العدوية) فلم أر الأمر ممكنا البتة حيث زرقة عينيها وبشرتها شديدة البياض وملامحها الغربية لا تترك مجالا للشك. أما ”سبأ” فوجهها الجميل المجعد الوضاء قد يحسب على بعض المناطق المغربية الشمالية. بكت ربيعة بكاء شديدا وأنا أُعد سبأ لمسرحية تُمكنها من تحقيق هدفها النبيل. ألبستُها جلبابا مغربيا وصففت الخمار بطريقة عفوية كما تفعل نساء البادية ودعوت المولى أن يسهل أمرنا. أوصيتها ألا تتكلم أبدا، والله المستعان.
وصلنا أمام باب السجن حيث بعض الإخوة وقلة من الأخوات في طابور الانتظار (اللهم اكفهم انتظار يوم البعث). جاء دور دخولي ويدي بيد “سبأ”. أدليتُ ببطاقتي فقال الحارس لرفيقتي “وأنت؟” قلت: “إنها من بني العمومة من البادية وليس لها بعد البطاقة” قال لها: “ما اسمك؟” قلت: “إنها صماء بكماء” فنظر إليَّ باستغراب ونظر إليها ولعل الله سمع دعاءها فقال “مممم بكماء؟ طيب يالله دخلُوا”.
دخلنا و”سبأ” لا تكاد تخفي فرحتها وصرنا ننتظر أمام الشباك والحارس المتشكك بين ظهرانينا، يحذق في الزائرة المشبوهة. خرج أسد الدعوة سيدي الوالد ونُوره يتلألأ ووجهه مستبشر بقدر الله وقضائه وراء شباك العار والظلم. ما كادت سبأ ذات القلب الصافي والسر الخفي أن تراه حتى انتابها حال قوي فصاحت بأعلى صوتها: “الله أكبر”. التفتت إلى الحارس. كان على وجهه علامة لم أدر إن كانت تعجبا أو استنكارا. ربما اعتقد أنها كرامة من كرامات الوالد وهي كذلك حيث الكرامة الكبرى أن يحبك العادي والبادي وأن يحترمك العدو وأن يهابك”نشرت هذه التدوينة بصفحة الأستاذة ندية ياسين على الفيسبوك يوم 4 غشت 2021م..
هذه قصة من مئات القصص تجدد طرح السؤال: هل كان عبد السلام ياسين رجلا عاديا؟ وما الذي شدَّ إليه قلوب الناس؟ وكيف أصبح مشروعه نافذا في القلوب والعقول؟