بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه وإخوانه وحزبه.
البيان الختامي لمجلس الشورى في دورته الثالثة والعشرين
في أجواء مفعمة بمعاني الاستبشار بنصر الله، والدعاءِ بالتأييدِ والحفظِ للمرابطين في ثغور مواجهة الاستكبار، والتطلع لغد العزة والتمكين لدين الله، عقدت جماعةُ العدل والإحسان مجلسَ الشُّورى في دورته الثالثة والعشرين، بتاريخ 9 و10 شعبان 1446ه الموافق ل 8 و9 فبراير 2025م، في سياق محلي يطبعه تغولُ السلطة ومصادرتُها للحقوق، وسياق دولي يتسم بطغيان الاستكبار العالمي وانكشاف الوجه الهمجي للصهيونية وأطماعها التوسعية.
وتحقيقا للمقاصد السَنِيَّة للفعل الشُوريِّ، واستمراراً على نهج التَّنَاصُحِ في الله، والتهَمُّم بأحوال المسْلمين، افتُتِحت فعالياتُ هذه الدورةِ بكلمةٍ جامعةٍ مُنْهِضةٍ تقدَّمَ بها فضيلةُ الأَمين العام الأستاذ محمد عبادي وجه فيها القلوب إلى الله سبحانه لتحقيق العبودية له بالتحقق فعلا وصدقا بمعاني العدل والإحسان، كما ذكّر فيها بجميل لطف الله بعباده الصابرين المحتسبين بأرض غزة الإباء وجليل تأييده لجنده المجاهدين في ملحمة طوفان الأقصى، منبها إلى مكانة الصبر والتوكل واليقين وموجها إلى دوام اللجوء إلى الله والإخلاص في طلب وجهه الكريم، مترحما على شهداء الأمة الأبرار وراجيا الشفاء والفرج والنصر لعامة المسلمين في سائر الأقطار والأمصار.
ثم تناول الكلمة الأستاذُ عبد الكريم العلمي رئيس مجلس الشورى حيث ذكّر بالسياقات المحلية والعامة التي يعيشها بلدنا والعالم من حولنا، سيما بعد التداعيات العميقة لملحمة طوفان الأقصى التي كشفت الوجه الهمجي للصهيونية، والطبيعة الاستئصالية للكيان الغاصب، مجددا دعوته إلى ضرورة التداعي العالمي لمواجهة سمومها الخبيثة وإقامة تحالف إنساني لمناهضة مخططات الأخطبوط الصهيوني.
ولدى عرض التقرير ومناقشته، وتقييمِ الأداءِ السَّنويِّ لعمل الجماعةِ، عبَّر أعضاءُ المجلسِ عن ارتياحهِم الكبيرِ لمستويات أداء المؤسسات والأفراد، وتزكِيتهمْ جملةً من المبادرات والمواقفِ والفعاليات التي ميَّزت حضورَنا التربويَّ والدعويَّ ووسَمت فِعلَنا السياسيَّ وانخراطَنا في الأشكال الوَحْدويةِ والتعبيرات النضاليةِ المسؤولة.
وفي هذا السياق، ناقش المجلسُ الورقةَ الخاصة بالفعل المجتمعيِّ للجماعة بين حصَاد التجربة وآفاق التطوير، كما تداولَ في تعديلات قانونيةٍ وقضايا تنظيميةِ تُهمُّ مجموعةً من مؤسسات الجماعة.
إن مجلس الشورى إذ يتوجَّهُ إلى الله تعالى بجميل الحمدِ وعظيم الثَّناء على النجَاح والتوفيق الذي تحقق في هذه المحطة الشورية، فإنه، من منطلق الأمانةِ الشرعيَّةِ والمسؤوليةِ التاريخيةِ، يعلن ما يلي:
أولا: الرفضُ الشديدُ لاستمرار مختلف أشكال تغَوُّل السلطوية وتنامي نزوع الدولة نحو مزيد من قمع الحريات ومصادرة الحقوق وآخرُها الحق في الإضراب، وتكميمِ الأفواه واستهداف المعارضين والتشهير بهم؛ والدعوةُ إلى الإطلاق الفوري لكافة المعتقلين السياسيين، وبخاصةٍ معتقلي الريف ومعتقلي الرأي والصحافة والمدونين.
ثانيا: التنديدُ بمواصلة استشراء الفساد، والاستحواذ على خيرات البلاد، مما يفاقم من مشاكل الغلاء والفقر والتهميش، ويصادر حق المغاربة في العدالة الاجتماعية والعيش الكريم، واستنكارُ الإهمال المستمر الذي لا يَزَال يُعانيه ضحايا زلزال الحوز وتارودانت.
ثالثا: الاستنكار لعدد مما تضمنه مقترحُ التعديلات الأخيرة لمشروع مدونة الأسرة من تجرُّؤٍ على ثوابت الشريعة، واستهدافٍ مقصود لمؤسسة الأسرة، ومحاولات لتقويضِ أُسس الاستقرار الاجتماعي، والتمكينِ للفساد والانحلال؛ ودعوةُ مختلِف فعاليات الشعب المغربي وقُواهُ الحيَّةِ، وخاصة منهم العلماءَ، من أجل حمايةِ مؤسسة الأسرة وصوْنِ منظومة القيم.
رابعا: تجديدُ النداء لكل الفضلاء والأحرار للتعاون والتكتل والانخراط المسؤول في مناهضة سياسات الاستبداد، ومخططات الإفساد، ومظاهر الاستئثار بموارد ومقدَّرات البلاد، والعبث بمستقبل الأجيال ومصير العباد.
خامسا: الاستبشارُ بالنصر والتأييد الذي حَازَته المُقَاومَة في غزةَ وكافةِ فلسطينَ في مَلحمة طوفان الأقصى، وبالصُّمود البُطوليِّ لأهل غزةَ وتلاحُمِهِم واحتضانِهم للمقاومةِ مع التنديد بازدواجية المعاييرِ والتآمر الخبيث لأنظمة الاستكبار الغربي والانخراطِ المكشُوف للإدارة الأمريكية، والتخاذلِ البيِّن لحُكَّام العرب والمسلمين أمام المجازر الهمجية وجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني الغاصب.
سادسا: الاستهجانُ الشديدُ للتَّصْريحات المتطرفة والمَواقِف الممْجُوجِةِ التي عبر عنها الرئيسُ الأمريكي، والتحذيرُ مما يُحَاكُ ضد الشعب الفلسطيني من مخططات الإبادة والتهجير وتصفية القضية، ومطالبةُ كل أحرارِ العالم بالوقوف إلى جانب حق الفلسطينيين في تحرير أرضهم المغتصبة ونَيْلِ حقوقهم الكاملة، واستغرابُ الصَّمْتِ المريبِ للسُّلْطَة المغْربية تُجاههَا.
سابعا: استنكارُ استمرار السلطة المغربية في مسلسل التطبيع مع الكيان اللقيط الغاصب، ومواصلةِ الارتماء في حمأته في كل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية، وتمكينِه من مُقدَّرات البلد الحيوية، ضدا على إرادة الشعب المغربي وقواه الحية.
ثامنا: تثمينُ الانخراط القويِّ والمستمر لمختلف مكونات الشعب المغربي في مختلف فعاليات طوفان الأقصى الداعمةِ للمقاومة الفلسطينية والمندِّدةِ بمخططات التطبيع، والإشادةُ بالمشاركة المشرِّفةِ والحضورِ الفعال لأعضاء الجماعة وعضواتها في مختلِف المواقِف النِّضَالِية والمسيراتِ التَّضَامُنِيةِ والأشكالِ الإبداعية.
تاسعا: التنديدُ الشديدُ بالأحكام القرُونِية التي أصدرها النظام الحاكم في تُونسَ في حق عدد من النشطاء والسياسيِّين، وعلى رأسهم الشيخُ راشِد الغنوشي، وباستمرار التضْييق على الدُّعاة والمعارضين في ربوع الوطن العربي والإسلامي.
وفي الختام، نسأل الله عز وجل أن تظل جماعة العدل والإحسان، إلى جانب أَخيَارِ هذِه الأمَّة، ملاذاً أخلاقياً وسياسياً لسائرِ بناتِ الوطن الحبيب وأبنائه، وأن تبقَى بعون الله دعوةً رحيمةً وحركةً حكيمةً وفضاءً رحباً للدعوةِ لإحْيَاءِ معاني العدل والكرامة والحرية، وتوطيدِ صِلَةِ الرَّحِمِ الإنْسَانية، وتجسيدِ معاني الإِخاءِ والتَّعَاوُنِ عَلَى الخيرِ والانْتِصَارِ على البَغْيِ.
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا [سورة الكهف آية 10]
الأحد 10 شعبان 1446 ه الموافق ل 09 فبراير 2025 م