بقلم: عادل فضيل
كانت تنتبه من غفوتها على صياح الديك أو خَشخَشَةِ نَعلَي المؤذن، وهو في طريقه إلى مسجد الدوار ليعلن بداية يوم آخر من أيام الله. تستغفر الله ثلاثا قبل أن تقوم من متكّئها، ثم تتوجه صوب موقد النار القريب من الميضأة لتأخذ طِشت من الماء الدافئ، ومع كل عضو تغسله كانت تتمتم بكلمات لا يكاد السامع يميزها عدا اسم الله الفرد بينها.
تعود إلى سجادتها الخضراء المنبسطة في موضع كان رفيق عمرها يتخذه مصلى، تقبل على صلاة الليل في لهفة، كمن يفتش عن جثة بها بقية من روح بين أكوام الموتى! وقبيل أذان الصبح صعدت الدرج قاصدة سطح بيتها، توسطته وأطلقت زغاريد اهتزت لها القرية الهادئة، إنه يوم مولد الحبيب.
وها هي تصلي الصبح في أناة، وتجهر بآيات القرآن القصار اللواتي لا تحفظ غيرهن، تتتعتع في قراءتها وتُسمع حفَدتها الذين يستغفلونها -عبثا- ليحظوا بلحظات إضافية من نومهم المعسول… لكن، لا يقر لها قرار حتى تراهم قياما في صلاة!
أخرجت بعض الحلويات التي أعدتها أمس بيدها، وقد دهنتها بعسل النحل، وراحت تطرق بيوت جاراتها تحييهن بالعيد السعيد، تطوف في الدوار كنحلة تنقل الرحيق بين بيوته. ومع إشراقة شمس الصباح، كانت الدار تعج بالمهنئين بمولد سيد الخلق، تحلق الرجال يتذاكرون بعض درر المولد النبوي، وكيف شق ملك الوحي صدر اليتيم ليغسله بماء الطهر ويعيده صافيا إلى صدر كريم سينبعث منه بعد حين نور الله وكلمته للخليقة، وأما النساء فقد جلسن غير بعيد منهم، يستمعن لأطايب حديث الرجال.
كان جميع الحاضرين مستمتعين بالجلسة المحمدية الطيبة، لكنها كانت تجد متعتها في إعداد براريد الشاي المحلّى بشعيرات الزعفران، تقربها منهم وتسهر على استمتاعهم بسماع تلك المناقب، وحين يشذو الرجال بأبيات “البردة” تنبعث في جسمها قشعريرة تنمِل معها كل أطرافها، حتى سوالف شعرها المذهّبة تحت طرحتها الحريرية التي ورثتها عن أمها.
وعند أذان الظهر، استنهضت الرجال ليقصدوا المسجد، وحثت من معها للتعجيل بالصلاة لتهييئ قِصاع الكسكس المزين بحبات الجوز واللوز، فرحا بمولد الحبيب المصطفى.