رسالة د. عبد العلي المسئول للمرابطين في المسجد الأقصى وفلسطين: القرآن عدتكم وجهاد العلماء العاملين قدوتكم

Cover Image for رسالة د. عبد العلي المسئول للمرابطين في المسجد الأقصى وفلسطين: القرآن عدتكم وجهاد العلماء العاملين قدوتكم
نشر بتاريخ

قدم الدكتور عبد العلي المسئول، عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان، رسالة للمرابطين في المسجد الأقصى وفلسطين، ذكر فيها عددا من العلماء القراء المغاربة الذين كانت لهم قدم ثابتة في المرابطة والجهاد في سبيل الله، ليدل على أن وظيفة القراء ليست فقط “مقتصرة على الإقراء والإمامة وإن كان ذلك من أشرف وظائف القراء والمقرئين”.

وأكد أستاذ القرآن الكريم وعلومه بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، في كلمته المنشورة على قناة الشاهد الإلكترونية، أن القراء “في خير القرون كانوا مجاهدين مرابطين”، “كانوا دائما في الصفوف الأمامية، ينافحون عن الدين ويدافعون عن الأوطان”. وشدد على أنه “هكذا ينبغي أن يكونوا الآن وبعد الآن”، إذ “القراء هم من العلماء بما كانوا يَعلمون الكتاب ويعلّمونه، فهم إذن هم الربانيون، ومن وظائف العلماء الربانيين أن ينددوا بالاقتحامات المتتالية للمسجد الأقصى؛ بالمقالات وبالخطب وبالتظاهر، وأن يكشفوا عن مخاطر التطبيع الذي لا يرجى منه خير للأمة البتة”..

فيما يلي نص الكلمة المنيرة للدكتور عبد العلي المسئول كاملة:


تحية خاصة لجهاد الفلسطينيين ولثبات المقدسيين ولصبر المجاهدين المحاصرين بغزة.

تحية طيبة من إخوانكم القراء، ومن غيرهم ممن هم ببلد المغرب، ممن يحملون همّ التغيير وهم الأمة، وينشدون الحرية والكرامة والانعتاق من ربقة الاستبداد.

أحييكم من مدينة فاس؛ عاصمة العلم والمعرفة والقراءات والإقراء بالمغرب. هذه المدينة التي بها “جامع القرويين”، هذا الجامع الذي يعد منارة العلم والعلماء، وموئل الطلاب والخبراء، ومحضن القراءات والإقراء.

وقد تخرج منه عدد كبير من العلماء القراء المجاهدين من أمثال أبي عمران الفاسي العالم الثائر المجاهد المقرئ، وهو من رفقة الإمام أبي عمر الداني، هذا الرجل هو الذي كان أحد أسباب تأسيس المرابطين في المغرب.

ولا يفوتني أن أذكر الإمام ابن غازي المكناسي الفاسي؛ شيخ الجماعة في الإقراء والتفسير والحديث والعربية والرجال وطبقاتهم، وهذا كان من العلماء المبرّزين وفي الآن ذاته من المجاهدين. كان يخرج إلى الجهاد في ثغري أصيلة والعرائش بشمال المغرب، ومات رحمه الله وهو في طريقه إلى إحدى المعارك الجهادية، وأغلب أسانيده في القراءات تمر من طريق ابن غازي.

حفظكم الله تعالى بما حفظ به الذكر الحكيم.

إن القراء في خير القرون كانوا مجاهدين مرابطين، ففي غزوة بئر معونة استشهد سبعون من القراء، ويوم اليمامة استحر القتل بقراء القرآن مما حدا بأبي بكر رضي الله عنه أن يجمع القرآن الكريم في صحف باقتراح من سيدنا عمر رضي الله عنه.

ويجدر بي هنا أن أذكر أبا يعقوب الأزرق، وهو أحد طرق رواية ورش، هذا الرجل كان يقرأ القرآن حضرا على شيخه ورش وهو  في رباطه بالإسكندرية، كانا مرابطين يحرصان الثغور وفي الآن ذاته كان الأزرق يقرأ على شيخه ورش القرآن الكريم حضرة.

القراء إذن كانوا دائما في الصفوف الأمامية، ينافحون عن الدين ويدافعون عن الأوطان، إذ حب الأوطان من الإيمان. وهكذا ينبغي أن يكونوا الآن وبعد الآن. إن القراء هم من العلماء بما كانوا يَعلمون الكتاب ويعلّمونه، فهم إذن هم الربانيون، ومن وظائف العلماء الربانيين أن ينددوا بهذه الاقتحامات المتتالية للمسجد الأقصى؛ بالمقالات وبالخطب وبالتظاهر، وأن يكشفوا عن مخاطر التطبيع الذي لا يرجى منه خير للأمة البتة.

أيها الكرام، إن لنا نحن المغاربة حارة بالقدس تسمى باسمنا، تسمى “حارة المغاربة”؛ ذلك أنه لما كان ركب الحجاج يقصدون بيت الله الحرام أو يرجعون منه، فإنهم كانوا ينزلون بهذه الحارة، ومنهم من يقيم بها مدة للنهل من علم فقهائها وقرائها. بل إن من علمائنا القراء المغاربة من كان يرحل إلى القدس قصدا للقي مشايخها، وللمجاورة لمسجدها المبارك، ومن أولئك أبو سالم العياشي؛ العلامة الرحالة المقرئ الناسك العابد الذي جاور القدس والخليل وأخذ عن علمائها. بل إن صلاح الدين الأيوبي لما افتتح بيت المقدس احتاج الناس إلى إمام هنالك وخطيب، فاجتمع رأي من كان بها من العلماء المشار إليهم على تقديم أبي الحسن علي بن محمد المعافري المعروف بالحاج المالخي، فكان هذا الرجل إماما بالمسجد الأقصى من ذلك الوقت إلى أن مات سنة 605 للهجرة، على عهد دولة الموحدين التي كانت تحكم المغرب والأندلس وقتئذ.

إن جُمّاع القرآن الكريم ينبغي أن يكونوا مدرسة متنقلة عبر الأجيال، هذه المدرسة يتعلم فيها الإيمان والإيقان والقرآن وأركان الإسلام، فضلا عن تعلمهم للقراءات السبع والعشر، وأن يبثوا في الناس الأمل رغم هذا البلاء المتواصل الذي تعيشه الأمة. وليست وظيفة القراء فقط مقتصرة على الإقراء والإمامة، وإن كان ذلك من أشرف وظائف القراء والمقرئين.

ولا يفوتني إذ أختم هذه الكلمة أن أحيي المرأة الفلسطينية المجاهدة المرابطة، وقد سرّنا في المغرب ما يصلنا من أخبار عن تخريج أفواج من الحافظات للقرآن الكريم والمجازاة فيه وفي القراءات القرآنية. فجزاكم الله خيرا على تشجيعكم للمرأة كي تتعلم وتعلم، وكي تجاز وتجيز. فالأم إن حفظت القرآن الكريم كانت فعلا مدرسة لأبنائها وبناتها، ينشأون نشأة قرآنية، يكون سلوكهم سلوك القرآن، وخلقهم خلق القرآن، ولغتهم لغة القرآن، ومنهاجهم القرآن وسنة النبي العدنان صلى الله عليه وسلم، وحينئذ صاغ لنا أن نقول مع الشاعر حافظ إبراهيم:

الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها ** أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ

بارك الله لنا في أهلنا في غزة والقدس وباقي فلسطين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.