قال الناشط الحقوقي والمدني الأستاذ فؤاد عبد المومني إن الدولة نجحت في رهانها بإزاحة حزب العدالة والتنمية ليس فقط من تدبير الشأن العام ولكن أيضا من المشهد السياسي المغربي بشكل يفوق طموحها ويفوق انتظاراتها، وذلك أثناء مشاركته في الندوة المباشرة التي نظمتها قناة الشاهد تحت عنوان: “المشهد السياسي المغربي بعد انتخابات الثامن من شتنبر 2021” مساء الأربعاء 29 شتنبر 2021 إلى جانب ثلة من الأساتذة وهم أبو بكر الجامعي وعمر إحرشان وعمر باعزيز.
وأضاف المومني بأن هذا “ليس نجاح للسلطة في لحظة الانتخابات فقط”، بل نجاح دولة مركز القرار فيها يكره العدالة والتنمية وقرر الإجهاز عليه طيلة عشر سنوات، ليصل إلى هذه المحطة الانتخابية “مطحونا”، لأن الانتخابات لحظة قطف الثمار فقط وليس محطة بناء المعركة. مسجلا أن الغريب هو أن العدالة والتنمية ذهب إلى مصرعه حاملا يده فوق رأسه، وهو يرى أنه يساق إلى مجزرته ويتعرض للضربات، وهو يزيد كشف نفسه لها. وأخيرا إن كان هذا نصرا للحُكم، الذي في نهاية المطاف ينتصر على ذاته، مثل شخص يملك سيارة ولديها واقي الصدمات “البارشوك” ضروري أن تملكه، ويلعب دوره بشكل ممتاز، إلا أن صاحب السيارة أصر على اقتلاعه لأنه يحقد عليه، واقتلعه والآن يتجول من دونه.
الفاعل السياسي رفض التوصيف الذي يقول بأن أكبر فائز في هذه الانتخابات هم المقاطعون، وإن كانت صفوف المقاطعين الواعين قد توسعت وتقوى صوتهم، ولكنه اعتبر بأننا لن نصل لانتصار هذا الطرح إلا عندما يندرج في دينامية واضحة، ومثلا يكون إقرار واسع وطنيا ودوليا بلا مشروعية الانتخابات، أو بضعف تمثيلية الهيئات المنتخبة، عندما تكون هذه الخطوة تسمح بوضع آليات نزع المصداقية عن هيئات النظام السياسي، وفرض مواقع نضالية وتفاوضية جديدة لتسمح بالانطلاق إلى مستويات جديدة من التغيير.
عبد المومني أكد بأن المخزن أطلق رصاصة على رجليه، أولا عندما حرم نفسه من حضور العدالة والتنمية، وثانيا عرى الوجود المباشر للقصر وأصحابه في تدبير كافة دواليب الدولة، خصوصا أنه وضع على رأس الحكومة شخصا يشار إليه بالأصابع منذ مدة طويلة جدا. أما الأحزاب المنخرطة في هذه الدينامية، فالعدالة والتنمية واستراتيجيته في الانبطاح التام للقصر لم تؤدّ إلى شيء، ورغم أن صاحب هذه الاستراتيجية الأول هو بنكيران، فهو من ينادى عليه الآن ويعول عليه من أجل إعادة نفخ الروح في العدالة والتنمية، إذن لا يبدو بأن هناك أصواتا قوية جديدة ربما تعطي نفس إصلاحي حقيقي للبيجيدي، الأحزاب الأخرى الموجودة في البرلمان لا نتحدث عنها، أحزاب فدرالية اليسار والاشتراكي الموحد لم يبرهنوا لحد الآن على أنهم انخرطوا في دينامية تعطي أفقا لمسارهم. واستراتيجية المقاطعة أيضا، أو الاستراتيجية التي جزء منها هو المقاطعة، لا يمكن لها أن تعطي شحنة وقوة وأفقا إلا عندما يصبح عليها إجماع، وتصبح في قيادة حراك في الشارع متواتر في اتساع وتعمق، ويكون لديه أفق سياسي واضح. وإن كان لحد الآن مكسب ما من هاد الوضعية، فهو أن إخفاق المخزن صار جليا أكثر، وإخفاق من قال بإمكانية الإصلاح من داخل المخزن، وأيضا عدم تقدم من كان يقول بأننا سنستمر في الفضح من داخل النسق إلى حين أن تنضج الأمور من تلقاء ذاتها.
وعن سؤال قدرة حزب الأحرار في مساعدة المخزن على حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها المغرب، قال عبد المومني إن التجمع الوطني للأحرار كان هو “الميكانيسايان” الذي عرف كيف يقلع “البارشوك” القديم، ولكنه لا يملك أي مقوم من المقومات التي تسمح له أن يكون “بارشوك” اليوم، البيجيدي كان كذلك لأنه كان يملك قاعدة مجتمعية صلبة، تؤمن به، البيجيدي كانت عنده حركة حقيقية في المجتمع، وعنده امتدادات، يحسس ويؤطر ويحمس ويعطي أفق أيضا، أما الأحرار فهو لا يملك أي من هذه العناصر، عنده إمكانية تعبئة الناس بالورقة الزرقاء ليصوتوا عليه في مدة نصف ساعة مرة كل خمس سنين، عنده إمكانية لتعبئة مجموعة من الأطر، ويستطيع أن يفرق المال لكي يجمع الناس في القاعات يوم يحتاج لتنظيم مهرجان، لكن لا يملك إمكانيات ولا قدرات الخطاب الشعبوي ليقول للناس مثلا اطمئنوا سنلغي صندوق المقاصة وسنعوضه بالدعم المباشر، اصبروا علينا فقط. هذا ليس في متناول الأحرار ولا أخنوش، بل على العكس أخنوش يأتي وهو يحمل وصم المقاطعة و17 مليارا، وبوصم أنه يمتلك ثروة ضخمة أتت من قربه للمخزن.
وأوضح الفاعل السياسي بأن الأحرار ليس حزبا بل فقط هو واجهة للقصر، متحكم فيه بشكل كامل، وسيخضع لعملية للتوجيه المباشر، ليس في استراتيجية العامة بل أبسط السياسات العمومية ستتخذ مباشرة من داخل القصر. مضيفاً بأن هذه عملية لا تُحتمل بالنسبة لنظام سياسي يحاول الإفلات من منظومة المشروعية والديموقراطية والمسؤولية والمحاسبة.
وأكد أن كل التحليلات تقول بأنه أمامنا سنوات عجاف قاسية، بسبب التواتر القوي لفقدان مناصب الشغل، ولأن إمكانيات خلق الثروة لن تكون في مستوى الانتظارات، في وقت تعرف فيه هذه الانتظارات ارتفاعا كبيرا، لهذا فمن قام بهذا الاختيار ليس سياسيا ولا يفكر، وقرر بالغريزة وبعقلية الأطفال، أي أنني أريد إمساك كل المقاعد، ولا أريد أن يزاحمني أحد في الصورة، ولا يفكر فيما سيقع فيما بعد، خاصة وأن اللجوء إلى آليات الضبط صار يعتمد بشكل رئيسي على القمع الفج والمباشر، وعلى الاعتقالات والمتابعات والتخويف والتجسس إلى آخره، وأظن بأن هذه أسلحة الضعيف وهذه أسلحة يمكن أن تكون مفيدة في الأمد القصير، ولكنها دائما ترتد ضد مستعمليها في الأمد المتوسط والبعيد.
وعلق عبد المومني على الطموحات التي تقول إنه بعد تنصيب الحكومة الجديدة يمكن أن يتم الإفراج عن بعض المعتقلين، وأن يتم حل مجموعة من المشاكل الاجتماعية في مختلف مناطق البلاد، بالقول إن ذلك مستحيل أن يقع بشكل ممنهج وممتد في الزمن، يمكن أن تكون هناك “رشة”، ولكن في فضاءي الحريات والحقوق الاجتماعية النظام لا يرى بديلا.
وبالنسبة للحريات، يضيف الناشط الحقوقي، فالمخزن يرى أن أي خروج من سياسة العصى الغليظة سيشجع الناس على مساءلته أكثر، وعلى مطالبته وفضحه أكثر، وهو يعرف بأن عورته غير مستورة، وفيما يخص الحقوق الاجتماعية من جهة هناك محدودية كبيرة في إمكانيات البلاد، فلم تبق هناك مدخرات مهمة، وحتى إمكانيات الاستدانة تقريبا وصلنا فيها للسقف. إذا إمكانية القيام بسياسة تستجيب بشكل كبير للانتظارات الشعبية تقتضي القيام بتغيير جوهري في إمكانيات خلق الثروة وطرق توزيعها، وهذا النظام ليس بقادر عليه أو مستعد لتبعاته.
وشدد المتحدث على أن سياسة الاستحواذ على آليات الدولة اليوم تدخل في منطقهم بأنه لا اختيار أمامهم، عليهم أن يدبروا أمورهم بأيديهم بشكل قوي ومباشر، وهم مستعدون للوصول في ذلك إلى المواجهة. بالنسبة للسياسات الاجتماعية فمشروع الميزانية أو التوجيهات العامة لميزانية 2022 أرسلها العثماني منذ شهر أو شهرين، لا توجد بها رائحة حتى لأي تغيير جدي قادم في التوجهات العامة للدولة، بل على العكس خطابها الوحيد هو سنستمر في نفس السياسات.
وأخيرا وجوابا عن سؤال هل هناك أمل في المستقبل، أجاب المومني بأن الأكيد هو أننا وصلنا للحدود القصوى لنظام لا يملك المشروعية الديمقراطية، ولا يملك مشروعية الحكامة الجيدة والمسؤولية والمحاسبة، ولا يملك أيضا مشروعية الإنجاز والاستجابة لحاجيات المواطنين، “هذا النظام وصل إلى حده”. السؤال هو ما هي البدائل التي سنجدها ونفرض التقدم نحو إعمالها في عام أو في خمس سنوات أو عشرة، هذا متوقف على الفاعلين، وهناك إرهاصات لتنامي الارادة الجماعية للمعالجة، طبعا نتحدث عمن يعرفون قيمة السلم وقيمة الحفاظ على الاستقرار، وغير مستعدين لكي يغامروا بمصير البلد، ولكن غير مستعدين أيضا باسم الحفاظ على الاستقرار أن يتركوا هذا الاستبداد والفساد يستشري أكثر في الجسد المجتمعي ويقضي على إمكانياته وطاقاته ومطامحه.