ذ. حمور يقرأ “مبادئ السلوك إلى الله ونواقضه” من سورة الكهف

Cover Image for ذ. حمور يقرأ “مبادئ السلوك إلى الله ونواقضه” من سورة الكهف
نشر بتاريخ

اعتبر الباحث في الفكر الإسلامي الأستاذ المصطفى حمور القصص هو العنصر الغالب في سورة الكهف. معتبرا أن هذا القصص يستغرق معظم آيات السورة، حيث إنه ورد في أكثر من ثلثيها، وما تبقى إنما هو تعليق أو تعقيب على تلك القصص.

حمور في مداخلته في فقرة التفسير ضمن فقرات نصيحة الوفاء، التي نُظّمت قبل أيام بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيل الإمام المجدد رحمه الله، بالتزامن مع فعاليات الذكرى الأربعين لتأسيس الجماعة، تناول بالتفسير الآية الثامنة والعشرين من سورة الكهف، التي يقول فيها الله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا

وأشار إلى أن الموضوع المحوري للسورة برمتها، هو “إثبات ربانية القرآن الكريم وصدق نبوة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيان نموذج المؤمن الصالح الذي يتأسس عليه مجتمع العمران الأخوي الذي يجمع خمسة خصال”، موضحا أن كل قصة من القصص المذكورة في السورة تضمنت خصلة معينة، إذ إن قصة أهل الكهف تدور على “الثبات على الإيمان”، وقصة صاحب الجنتين تضمنت “جعل الدنيا قنطرة للآخرة والحذر من فتنة الدنيا”، بينما قصة إبليس مع آدم عليه السلام دعت إلى “التحصن بالله تعالى من الشيطان وأتباعه”، أما قصة سيدنا موسى عليه السلام والخضر فقد بينت أهمية “طلب العلم وصحبة الصالحين”، وآخر القصص هي قصة ذي القرنين التي نوهت بـ “خدمة الناس ودفع الظلم عن المظلومين”، يضيف الأستاذ حمور.

الآيات تُمثل المبادئ التي ينبغي أن تنغرس في كيان المؤمن والمؤمنة

فهذه الآيات يقول الأستاذ حمور، “تدخل ضمن تلك المبادئ والكليات والأصول التي ينبغي أن تنغرس في كيان المؤمن والمؤمنة قلبا وعقلا وسلوكا ودعوة”. مطلعها أمر رباني مباشر للرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله تعالى: وَٱتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً والخطاب في ذلك خُصَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ويراد به الأمة جميعا، لأن من عادة العرب توجيه الخطاب لكبير القوم والمراد جميعهم، والقرآن جاء بلغة العرب. وقد قال تعالى: وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.

فقد أمره الله تعالى بتلاوة القرآن والاعتصام بحبله المتين لأنه هو النجاة وقنطرة الوصول، “والتلاوة على إطلاقها استماعا وقراءة وتهجدا وتدبرا وتفهما وتخلقا وعملا ودعوة وجهادا وبلاغا واكتشافا لسنن الله في خلقه لبناء النفوس وعمارة الأرض”.

ففي قوله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ اَلذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَوٰةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ، قال الأستاذ حمور، إن الله عز وجل حث نبيه وهو سيد الذاكرين وسيد الصابرين يأمره بالصبر، “أن يصبر مـع الذاكرين مـع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، هؤلاء الذين كرسوا حياتهم وجميع أوقاتهم، في الصباح والمساء لذكر الله ودعائه بإرادة صحيحة التوجه إلى الله”.

وتابع المتحدث قائلا: “واصْبِرْ نَفْسَكَ: أمر بالصبر. والصبر الحبس والثبات والشد بالمكان بحيث لا يفارقه. احبسها معهم حبس ملازمة”. موضحا أن النفس هي “تلك الكينونة البشرية الجامعة لقوة الغضب والشهوة، المحركة والمسؤولة عن سلوك الإنسان وأفكاره ونزواته وانفعالاته وتوجهاته خيرا أم شرا”.

لولا ميادين النفوس ما تحقق سير السائرين

ووقف مع مقولة ابن عطاء الله السكندري: “لولا ميادين النفوس ما تحقق سير السائرين”، وقال؛ “لولا شهوات النفوس ومألوفاتها التي تخوض فيها كما تخوض الفرسان في الميادين الواسعة التي تجول فيها الخيل ما تحقق سير السائرين أي ما تصور سير من أي مريد”. وقد روى الطبراني من حديث أبي مالك الأشعري، مرفوعاً عن أنس عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: “أَعْدَى عَدُوِّكَ نفسُكَ التى بين جَنْبَيْكَ”.

الأستاذ حمور وهو يتناول ما تعلمه أكابر الصحابة وما علموه لبعضهم ويُذَكِّرون به بعضهم، تساءل “أنى للمؤمن المتطلع لضبط زمام نفسه وإحكام لجامها أن يكون طبيب نفسه وترياق روحه؟” قبل أن يوضح أن ذكر صبر النفس جاء في العناية المركزة والمشفى الشافي وهو: مَعَ اَلذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَوٰةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ، ثم قال: “والآية نزلت في أشراف قريش حين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس معهم، وحده، ولا يجالسهم بضعفاء أصحابه كبلال وعمار وصهيب وخباب وابن مسعود، وليفرد أولئك بمجلس على حدة، فنهاه الله عن ذلك فقال: وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىّ الأنعام 52 الآية، وأمره أن يصبر نفسه في الجلوس مع هؤلاء، فقال: وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ كما جاء في التفاسير ومنها تفسير ابن كثير.

فقد نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض أبياته فخرج يلتمسهم، فوجد قوماً يذكرون الله تعالى، منهم ثائر الرأس، وجاف الجلد، وذو الثوب الواحد، فلما رآهم جلس معهم وقال: “الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني الله أن أصبر نفسي معهم”، يقول حمور قبل أن يضيف “من هولاء؟ هم أصحاب الصفة. والصفة مكان في مؤخرة المسجد النبوي الشريف، في الركن الشمالي الشرقي منه، أمر به صلى الله عليه وسلم فظُلل بجريد النخل”.

تميز أهل الصفة بكثرة الذكر والعبادة والإقبال على كتاب الله تعالي

ذكر المتحدث أن عدد أصحاب الصفة كان يختلف باختلاف الأوقات، فهم يزيدون إذا قدمت الوفود إلى المدينة ويقلون إذا قل الطارقون من الغرباء، على أن عدد المقيمين منهم في الظروف العادية كان في حدود السبعين رجلًا. وقد يزيد عددهم عن الثمانين. كانوا من فقراء المسلمين: الغرباء والعزاب وممن لا مسكن له، وقد تميزوا بثلاثة خلال؛ “كثرة الذكر والعبادة والإقبال على كتاب الله تعالي”، و“طلب العلم والاجتماع على التفقه في دين الله تعالى”، و“على أهبة الاستعداد إذا نادى منادي الجهاد يا خيل الله اركبي”.

وفي قوله تعالى: يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَوٰةِ وَالْعَشِيِّ قال المتحدث إن ذكر الغداة والعشي كناية عن الاستمرار على الدعاء في جميع الأوقات. وذكر الوقتين لأنه محل انشغال الناس عن الله بطلب الرزق صباحا أو جمعه مساء ورجوعهم لدورهم وعيالهم. والمقصود بالدعاء ذكر الله تعالى، وهو مخ العبادة كما ورد في الحديث.

وقد جاء الفعل “يدعون” بالمضارع ليفيد الدوام والاستمرار لا يفترون أبدا، وهذا حال الجوارح؛ استغراق في ذكر الله تعالى. فالعبد الذاكر في معمله، شغله في أعمال دعوته وأشغال بيته مع أبنائه، والقلب إلى الأعلى.

وفي تفسير قوله تعالى: يُرِيدُونَ وَجْهَهُ. قال: “تلك الوجهة والغاية والطلبة العظمى”. موضحا أن الإرادة إرادات: مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ والموفق من انتبه، ثم سكنته، آية: يُرِيدُونَ وَجْهَه. وهي جملة حالية والمعنى أنه حال دائم.

أما قوله تعالى: وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فقد كان الأمر بالصبر مع الجماعة الذاكرة العالمة المجاهدة كافيا “ليفهم السامع أن عكسه مرغوب عنه مذموم وهو صحبة الغافلين، لكن لزيادة التوكيد وتقريرا للبيان نهى سبحانه كل مؤمن ومؤمنة أن يتعداهم وأن ينضم إلى غيرهم من الغافلين”، فقال: وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. أي “لا تصرف عيناك النظر عنهم إلى أبناء الدنيا وإلى الدنيا لأن زينة الحياة تروق الناظر وتسحر العقل، فيغفل القلب عن الله ويقبل على الشهوات والملذات”.

وقوله تعالى: وَلَا تُطِعْ مَنَ اَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَويٰهُ وَكَانَ أَمْرُهُۥ فُرُطا معناه أن لا طاعة ولا اتباع للغافل عن الله والمتبع هواه والمشتت في أهوية الدنيا. أغفلنا قلبه ولم يقل لسانه، يقول حمور، لأنك “قد تجد ذاكرا ولا أثر للذكر في قلبه ومعاملته”.

وأما قوله تعالى: وَكَانَ أَمْرُهُۥ فُرُطا فقد اعتبر حمور أن “الفُرُطُ” معناه: “المبالغة في الأمر الذي لا ينفع، والتفريط في الأمر الذي ينفع”. موضحا أن “من غفل عن الله عز وجل فقد ضيع دينه، وأضاع حياته، وصرف أوقاته فيما لا يبني لنفسه مصيرا حسنا عند الله، وما لا يبني للأمة مصير العز الذي وُعدَت به وَوُعِد به المؤمنون”.

الآية المباركة جمعت أركان السلوك إلى الله

وخلص حمور إلى أن هذه الآية المباركة “جمعت أركان السلوك إلى الله ونبهت إلى نواقضه”، فأركانه ومبادئه منها “مجاهدة النفس وحبسها” لأن النفس متهمة دائما وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء. ومنها “المعية والجماعة والصبر في جماعة الذاكرين والالتحام في الصف الجهادي”. ومنها “الحرص على مجالس الخير مهما كانت المهام والمسؤوليات والمشاغل”، وكذا “دوام الذكر المستغرق للكيان ولكل الأوقات”، فضلا عن “علو الهمة وصحة الإرادة وسموها وتجردها عن الإرادات الدنيا”.

كما أن هذه المبادئ تدخل ضمنها “الطاعة وحسن الاتباع وتمام الأدب”، مع “تعلم حسن الاختيار والبحث عن الأجود والأفضل”، قبل أن يختم كلمته بقول الإمام المجدد رحمه الله: “الفائدة في مسيرة الدعوة وهي تقود جمهور الأمة وعامتها أن نتعلم أن سياسة الناس تقتضي منا تؤدة، وتقتضي أن نحمل عامة الشعب على الصبر معنا، وعلى تحمل أعباء البناء، وعلى الاستمرار في بذل الجهد، والسماح في بعض الحقوق، وعدم استعجال النتائج.”

أما النواقض فمنها “الالتفات عن الأعلى”، وقد قال الصالحون: الملتفت لا يصل. ومنها “إرادة الدنيا والاستسلام لميادين النفس”، ومنها “اتباع الهوى” و“صحبة الغافلين” و“الغفلة عن الله بترك ذكر الله”