تعليقا منه على فوز حزب العدالة والتنمية التركي، بزعامة رجب طيب إردوغان، بالانتخابات البلدية بنسبة 44 و46 في المائة من أصوات الناخبين، قال الأستاذ سعيد جناح، الباحث في الاقتصاد والمهتم بالشأن التركي، بأن الفوز سيعطي للحزب دفعة أقوى لاستكمال بناء تركيا الحديثة، مرجعا الانتصار لأسباب عديدة ساعدت في تغير وضع البلاد والمواطنين إلى الأفضل خلال عشر سنوات فقط.
وقدم جناح، وهو عضو في المجلس الوطني للهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، في تصريح لموقع الجماعة نت، مجموعة من التوضيحات بخصوص سياق الانتخابات وأسباب فوز العدالة والتنمية ودلالات ذلك وأثيره على عموم الأمة..
ويأتي فوز العدالة والتنمية قبيل خوض الانتخابات الرئاسية المقررة في أغسطس/آب 2014 والانتخابات البرلمانية المقررة في 2015.
سياق الانتخابات
وعن السياق الذي خيضت في ظله هذه الانتخابات قال رغم كونها انتخابات بلدية لا ترقى إلى أهمية الانتخابات البرلمانية إلا أن توقيتها شديد الحساسية بالنسبة لحزب العدالة والتنمية في ضوء الحملة الشرسة التي تقودها المعارضة الداخلية بتعاون مع ما يسمى بالدولة الموازية وبدعم وتمويل خليجي ودولي).
وهو ما يمكن معه اعتبار فوز أردوغان وحزبه منعطفا خطيرا في رسم الخريطة السياسية لتركيا، حيث أثار انتصار حزب العدالة والتنمية فضول كثير من الباحثين والمهتمين لاكتشاف أسباب هذا النجاح ودلالاته وانعكاساته سواءً على النهضة التركية أو على مجموع الملفات التي تعرفها المنطقة خاصة بعد الدور الطلائعي الذي أصبحت تتمتع به تركيا في العشرية الأخيرة).
أسباب الفوز
وفي سبيل بحثه عن أسباب الفوز ألمح إلى أن ما بات يحير العديد هو سر ارتباط الشعب التركي بحزب العدالة والتنمية وكيف استطاع حزب ليس له تاريخ عريق كالحزب الشعب أو القومي، وأن يحافظ على ثلاث انتصارات متتالية وبنسب عالية، وتزداد التساؤلات حينما يأتي الانتصار في ظل حملة ممنهجة ومدروسة من حيث التخطيط والشخصيات المستهدفة ونوع الوسائل المستعملة، وخاصة تهم الفساد التي كان محاربتها من أهم ركائز برنامج العدالة والتنمية الانتخابي ومن أهم الوسائل التي اعتمدها في نجاحاته الميدانية).
واعتبر الباحث في الشأن التركي أن أهم أسباب النجاح هو تغير وضع البلاد والمواطنين إلى الأفضل خلال عشر سنوات، وهو ما عجز عنه غيره طيلة عقود من الزمان)، ليرجع هذا التحسن إلى جملة من الأسباب وهي:
– محاربة الفساد والفقر والممنوعات).
– نجاح التجربة النهضوية في كافة مجالاتها).
– ضمان الحقوق والحريات (الفكرية والثقافية والاجتماعية والتربوية)).
– النجاحات الاقتصادية والمالية. (انخفاض التضخم من 70% إلى 10%، ارتفاع الدخل الفردي من 3000 دولار إلى 10000دولار، نمو اقتصادي منتظم (7%)، التقدم الهائل لتركيا كقوة اقتصادية حيث انتقلت من المرتبة 111 إلى 16 عالميا و6 أوروبيا)).
– بالإضافة إلى النمو الذي عرفته كل القطاعات خاصة الصحة والتعليم).
– الاستقرار والإصلاحات الديمقراطية (يعتبر تحييد الجيش عن الحياة السياسية من أهم الإنجازات التي قام بها حزب العدالة والتنمية)).
– التركيز على السياسة الخارجية، فمنذ أول انتخابات نظمت سنة 1950 لعبت السياسة الخارجية للأحزاب دورا محوريا في نجاح عملية الاستقطاب في صفوف الناخبين، حيث اعتمد في هذا الإطار على مجموعة من الخطوات نذكر منها: سياسة تصفير المشاكل والبحث عن حلول لبعض القضايا المزمنة خاصة مع الأكراد، وانفتاح تركيا على العالم واستعادة مكانة تركيا التاريخية وسعيها للعب أدوار طلائعية في مجموعة من القضايا الإقليمية والدولية والمساهمة في حل بعض هذه الأزمات، وانفتحاها على العالم العربي والشرق الأوسط خصوصا نظرا للارتباط الديني والتاريخي).
دلالات متعددة
ورأى جناح بأن فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات البلدية له دلالات متعددة ناهيك عن اعتباره نجاحا شخصيا لأردوغان في ظل “الاغتيال السياسي” الذي تعرض له باتهام حكومته بالفساد مما يعتبر نهاية مأساوية لمساره السياسي في حال الهزيمة الانتخابية).
ومن هذه الدلالات:
– كشف الثقة الكبيرة التي يتمتع به الحزب على المستوى الشعبي وعدم التأثر بالحملات الممنهجة والخطيرة التي استهدفت بالخصوص الرموز الاقتصادية عمدا من أجل التأثير على النجاحات الاقتصادية التي تعرفها تركيا).
– كشف حقيقة المعارضة وحجم تمثيلها خاصة في ظل التحالفات الجديدة).
– تقوية الحكومة في مواجهة الملفات الداخلية خاصة الحرب على ما يسمى الدولة الموازية).
– تغير الخريطة السياسية للبلاد خاصة مع فك ارتباط التحالفات السابقة خاصة بين جماعة الخدمة وحزب العدالة والتنمية وظهور تحالفات جديدة تظم الخدمة والأحزاب المعارضة).
– فشل التآمر الخليجي والصهيو أمريكي في إسقاط نجاحات الحزب المتتالية رغم كل المحاولات المستميتة واستعمال جميع الوسائل من أجل ذلك).
تركيا والأمة
وفي الوقت الذي اعتبر أن هذا النجاح سيقوي من عزيمة الحزب في اتجاه السير نحو استكمال أهدافه وبرامجه لتحقيق خطته الاستراتيجية التي ترمي إلى رفع تركيا لمصاف الدول الأكثر نموا في العالم، وبالتالي تحقيق التحدي الذي رفعه الحزب على المستوى الاستراتيجي وهو احتفاله في الذكرى المئوية لقيام الدولة التركية سنة 2023 بالمرتبة العاشرة عالميا على المستوى الاقتصادي والعمل على الوصول إلى هذا الهدف عبر مجموعة من الأهداف خاصة منها إنشاء أكبر مطار على المستوى العالمي بإسطنبول)، رأى أن هذا الفوز نجاح لإرادة التغيير ونصرة قضايا الأمة العادلة والشعوب المستضعفة والمقهورة)، مستدلا على ذلك بانتصار أردوغان لهذه القضايا والدفاع عنها رغم ما جلبت عليه هذه المواقف الانسانية من عداء من خصوم الحرية حتى في صفوف بعض الدول العربية التي أصبحت للأسف تعمل بالوكالة عن الصهيونية خاصة في ظل الفراغ الاستراتيجي الذي تعرفه الأمة العربية والإسلامية وتمزق ولائها بين الشرق والغرب وفقدانها لاستقلاليتها وإرادتها بعد بعدها عن قيمها وهويتها).