قال الأستاذ نور الدين الملاخ إن “أزمة التعليم بالمغرب معقدة، لكونها تمس المنطلقات والغايات مرورا بالبرامج التعليمية المسطرة والمناهج التربوية المعتمدة، وكذلك الوسائل المادية والبشرية الموظفة. يشهد على ذلك مسلسل الإصلاحات التي عرفها قطاع التعليم في المغرب منذ فجر الاستقلال إلى اليوم الذي نعيش فعلا إفلاسا حقيقيا لمنظومة التربية والتعليم. نصف قرن بخمسة إصلاحات، القاسم المشترك بينها فشل في تحقيق الأهداف المعلنة”.
وأرجع هذا الفشل إلى خمسة أسباب، وهي سيادة القرار السياسي وتغييب القرار التربوي، وافتقار النظام التعليمي المغربي، منذ الاستقلال إلى “فلسفة تربوية” واضحة تتجسد في “نظرية تربوية” معاصرة تخط مسار التعليم وتضع معالم طريقه في اتجاه “غايات كبرى” لا تعرف مدا ولا جزرا، استيراد بيداغوجيات ومحتويات جاهزة مع عدم تكييفها مع الخصوصيات الوطنية بصفة عامة والجهوية بصفة خاصة وهذا معناه غياب وتغييب الذات الوطنية، تدخل مؤسسات أجنبية (كالبنك الدولي مثلا…) في وضع وتسيير دواليب التربية والتعليم ببلادنا، ثم عدم اعتماد هذه الإصلاحات المتتالية على البحث العلمي، والدراسة الميدانية التي تفرزها الحاجيات الفعلية، الأساسية منها والثانوية، الشيء الذي نتج عنه تخطيط مرتجل وتدبير غير معقلن.
وأضاف الملاخ في حوار أجرته معه جريدة أنباء 24 الإلكترونية بأن “مسلسل الإصلاحات يتجاهل بعضها البعض، فكل إصلاح جديد يُبنى على أنقاض الذي سبقه، وينعت الأول- ومن وضعه- بالفاشل وغير القادر على التفاعل مع تحديات الحاضر، بينما الذي يليه يصف نفسه بالقادر على حمل المشعل، وذلك بجعل المدرسة المغربية مؤهلة للاستجابة لمتطلبات المجتمع في مجال العلم والمعرفة والمهارات… إلا أنه عندما يجد نفسه أمام أمر الواقع يذهل، ويجرم من قبله، الذي بدوره يهيئ نفسه للمرحلة المقبلة بصياغة معادلة جديدة أكثر حداثة وأبلغ خطاب”.
وتابع المتحدث مشخصا الواقع التعليمي“بين المدح والقدح، ضاع ويضيع ملايين المتعلمين، يتيه الشباب ويتسكع في الطرقات، يعطل حاملي الشهادات. وحتى القطاع الخاص غير قادر على استيعاب هؤلاء. وذلك لكثرتهم من جهة وعدم قدرة أغلبهم للاندماج في سوق الشعل، نظرا لكون شهاداتهم لا تتلاءم مع ما يطلب منهم… إنه واقع الأزمة؛ تعترف المناهج التربوية بفشلها، والبرامج التعليمية رغم كثافة كمها بهشاشة نوعها”، مردفا في الحديث ذاته “لا أنكر أن عملية الإصلاح نضج في الفكر وتميز في الفعل، هذا إن أريد منه الرقي من درجة إلى درجة أفضل على مستوى المناهج والبرامج وجعلها أكثر تلاءما مع الواقع وأكثر تلبية لحاجيات المتعلم”.
وتعليقا منه على الدخول المدرسي هذا العام، أكد الباحث التربوي بأن “الإجراءات التي أقدمت عليها وزارة التربية والتعليم، ما هي إلا “روتوشات” لامست مظهر وأشكال البنيات التربوية، لكنها لم تجرؤ على كشف خبايا الفساد الحقيقي الذي عكَّر صفاء الفضاءات التربوية والتعليمية. الإصلاح الحقيقي هو الذي يحد فعلا من الهدر المدرسي، ويرجع للأستاذ مكانته، وللتلميذ حرمته، وللمدرسة عموما قدسيتها”.