جدد الأستاذ عبد الكريم العلمي، رئيس مجلس شورى جماعة العدل والإحسان، نداءه إلى تشكيل تحالف عالمي ضد الصهيونية، مشددا على أن هذا النداء يتأكد الآن بشكل أقوى وأشد “بعد هذا الذي رآه العالم خلال هذه الأشهر الخمسة عشر وزيادة بأيامها ولياليها وساعاتها ودقائقها وثوانيها من تدمير وتقتيل وإهانة للإنسان حيا وميتا وإجرام فاق الخيال”.
الأستاذ العلمي، الذي كان يتحدث في كلمته الافتتاحية أمام مجلس الشورى في دورته الثالثة والعشرين التي انعقدت نهاية الأسبوع، وبعد أن هنأ الشعب الفلسطيني على انتصاره العظيم في صمود وتلاحم “عز نظيره في التاريخ القديم والحديث بثباته وصمود”، اعتبر أن التحالف الذي يدعو إليه ينبغي “ألا يقف عند المطالبة بإقامة دولة فلسطين وتفكيك الكيان اللقيط”، بل يجب أن يتجاوز ذلك إلى “العمل الصامد الدائب لاجتثاث جرثومة الصهيونية من جسم الإنسانية حتى تستريح من هذا الشر الذي استمر أزيد من مائة وثلاثين عاما، والذي لم يترك دولة ولا شعبا إلا أصابه، ولم يدع مجالا من مجالات حياة هذا العالم إلا دنسه”.
فيما يلي النص الكامل للكلمة التي خاطب فيها أهل غزة وأحرار الإنسانية والرئيس ترمب وحكام الأمة وفعالياتها:
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه وحزبه
الإخوة الكرام، الأخوات الكريمات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نحمد الله أن يسر لنا السبيل لنجتمع في مجلس شورانا في دورته الثالثة والعشرين سائلين الله التوفيق والسداد، وأن يمن علينا بدوام الجمع في هذه المجالس بين النصيحة والشورى بما هي ناظمة واحدة مندمجة مبنية ومسبوقة بالحب في الله، ومؤسِّسة ومؤدِّية لليقظة والإرادة والقيام لله.
نجتمع إخوتي وأخواتي في دورتنا هذه وأمتنا تمر من مرحلة من أحلك مراحل تاريخها، حيث استقوى عليها الأعداء، واستنسر عليها أَخسُّ الخلق وأحقرُهم، وكادت تصل إلى الدرك الأسفل من الهوان لولا أن من الله عليها بهذه الهبة العظمى “طوفان الأقصى” الذي أعاد للأمة الحياة. فحيا الله الرجال العظام الذين أشعلوا السراج من جديد وأناروا للأمة الطريق، ورحم الله شهداءهم الأبرار وأعلى مقاماتهم عاليا في حضرته، وكان الله وليا ونصيرا ووكيلا للأيتام والأرامل والثكالى وكلِّ مصاب.
إننا نجدد لأهلنا في غزة تهانينا بما حقق الله لهم من نصر وعزة، وبما منَّ به عليهم من صمود وتلاحم عز نظيره في التاريخ القديم والحديث. فرغم التوحش الصهيوني والإجرام غير المسبوق والذي فاق النازية بمراحل بقيت غزة عصية أبية عزيزة برجالها ونسائها وأطفالها وشيوخها وشبابها وشوابها، ورفعت رأس الأمة عاليا بين الأمم، رغم تخاذل حكام هذه الأمة بل تواطئهم المعلن وغير المعلن.
وهو تخاذل وتواطؤ قابلته هبة شعبية في كثير من دول العالم لأيام وأسابيع متتالية، وشاء الله أن يعيش وطننا المغرب أبرز هذه الهبات الشعبية المساندة لغزة خاصة وفلسطين عامة بطول نفس وإبداع متواصل. فجزى الله الشعب المغربي الحر الأبي وجزى الله طلائعه المناضلة وعلى رأسها إخواننا وأخواتنا في جماعة العدل والاحسان الذين كانوا في مستوى الحدث التاريخي العظيم. تقبل الله من الجميع.
إنّ هذا الوقوف في وجه الصهيونية ينبغي ألا يتوقف بل يجب أن يستمر في كل ناحية وجهة من نواحي وجهات المعمور. لقد نادينا إلى تحالف عالمي ضد الصهيونية في 16دجنبر2023 بمناسبة الذكرى الحادية عشرة لرحيل الإمام المجدد رحمه الله، ودعونا إلى أن تتظافر جهود عقلاء العالم وفضلائه وأهلِ المروءة والضمائر الحية فيه، والذين أبانوا عن حس خلقي وقيمي عال خلال هذه الشهور الطويلة التي كادت أن تصاب فيها إنسانية الإنسان في مقتل لولا هذه الأصوات التي انبعثت في جل الدول لتعلن أن الإنسانية لن تموت أبدا بإذن الله، وأنها ستنتصر على الوحشية الصهيونية طال الزمان أو قصر.
إن هذا النداء لهذا التحالف ضد الصهيونية الذي كان بعد شهرين من انطلاق الآلة الحربية المتوحشة في غزة، يتأكد الآن بشكل أقوى وأشد بعد هذا الذي رآه العالم خلال هذه الأشهر الخمسة عشر وزيادة بأيامها ولياليها وساعاتها ودقائقها وثوانيها من تدمير وتقتيل وإهانة للإنسان حيا وميتا وإجرام فاق الخيال.
إن هذا التحالف ينبغي ألا يقف عند المطالبة بإقامة دولة فلسطين وتفكيك الكيان اللقيط، بل يجب أن يتجاوز ذلك إلى العمل الصامد الدائب لاجتثاث جرثومة الصهيونية من جسم الإنسانية حتى تستريح من هذا الشر الذي استمر أزيد من مائة وثلاثين عاما، والذي لم يترك دولة ولا شعبا إلا أصابه، ولم يدع مجالا من مجالات حياة هذا العالم إلا دنسه.
إن هذا التحالف يجب أن يشمل وأن يعمل في كل المجالات التي احتلتها الروح الصهيونية، في الدين، والسياسة، والفكر، والثقافة، والإعلام، والرياضة، والاقتصاد، والاجتماع، والتاريخ، والعلاقات الدولية، والفن بكل أنواعه. إنه صراع شامل وممتد إذا أرادت الإنسانية أن تتخلص من هذا الشر المستطر الذي يتبرأ منه كل ذي ضمير حي وكل ذي مُسكة من إنسانية. وفي هذا التحالف يجب أن يكون للأمة كلمتُها وفعلها وبكل مكوناتها، علماء ونخبا ومفكرين وسياسيين وفنانين… لقد علمتنا سنة الله في التاريخ أنّ في المنعطفات البشرية الحاسمة -مثل المنعطف الذي يعيشه العالم- يتنزل أمر الله، وعلمتنا سنة الله كذلك أنّ أمر الله لا يتنزّل إلاّ على من أعطى الأسباب حقها جهدا دائبا وصبرا وثباتا ومجافاة للتواكل والعجز والكسل، وقبل كل ذلك ثقة بالله ويقينا أنّ أمر الله آت آت.
ونحن نتحدّث عن واجب الأمة بكل مكوناتها لابد أن نقول كلمة للحكام وأعوانهم أجمعين، فاليأس منهم الذي يؤيده واقعهم المزري، يقابله واجب النصيحة التي جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم دينا، فنقول متوكلين على الله: إنّ وضع أيديكم في أيدي الصهاينة لن يزيدكم إلا ذلاّ وصغارا في الدنيا والآخرة، فمهما تُقدموا من ضروب الخنوع والخضوع تجدوا مزيدا من الاحتقار والإهانة. ونقول لكم بلسان القرآن المبين: ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم بل يكرهونكم أشدّ الكراهية ويضحكون منكم ويُضحكون عليكم العالم. ونقول لكم بلسان القرآن كذلك: ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا. هذا لمن لا يزال يهمه دينه، ولمن لا يزال يحسب لآخرته بعض حساب.
أما التعويل الحقيقي فعلى شعوب الأمة كما سبقت الإشارة، والتي عليها أن يَلتقي فعلها وإرادتها بفعل وإرادة باقي شعوب العالم في التحرر من القبضة الشيطانية للصهيونية فشعوب كل العالم معنية بهذا الأمر، وعلى رأسها شعوب الدول الغربية وفي أعلى القائمة الشعب الأمريكي. وكم هو صادق ومعبّر شعار “أمريكا أولا”، فالولايات المتحدة الأمريكية هي أول من ينبغي أن يتحرّر من الأخطبوط الصهيوني الذي يحتجز الأغلبية العظمى من السياسيين هناك رهائن يسومهم الإذلال والإخضاع غير المسبوق. فبتنا نرى رؤساءهم الواحد تلو الآخر صاغرين مسلوبي الإرادة أمام جنون وطغيان الصهاينة مقابل مصالح شخصية ضيقة جدا لهؤلاء السياسيين بعيداً عن مصلحة بلدهم في حدّها الأدنى.
فها هو الرئيس القديم الجديد ترمب يعيد نفس كلمات متطرفي الصهاينة بلحن جديد وبأفكار في غاية السخافة والاستهتار بأمم العالم وقوانينها وقيمها ومحاكمها، مهدداً أزيد من مليوني فلسطيني في غزة بالتهجير أو إكمال الإبادة، وواعدا من جهة ثانية الأسياد الصهاينة بمنحهم الضفة الغربية وغير الضفة الغربية. وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك. ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
وختاما نقول إنه إذا كان على الأمة أن تصطفّ إلى جانب أحرار العالم في وجه الصهيونية وعلى كل الواجهات، فإنّ هناك واجهة محفوظة حصرا لأمة الإسلام، وهي الواجهة العظمى واجهة الوقوف بين يدي الله ذكرا ودعاء وصلة بالله ورسول الله عليه الصلاة والسلام، فهذا السلاح ينبغي ألا يغفُل عنه أبناء الأمة وبناتها تجاه الشيطنة السوداء لحاخامات الصهاينة ومشعوذيهم.
حفظ الله أمتنا وإخوتنا في الإنسانية حيثما كانوا من كل شر ومن كل ذي شر، وأعاننا أجمعين على هذه الهبة وجعلنا سبحانه قدر خير من قدره.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.