ذ. الرياحي: “الإسراء والمعراج” مناسبة لإعادة تبيان مكانة المسجد الأقصى وترسيخه في نفوس أبناء الأمة (حوار)

Cover Image for ذ. الرياحي: “الإسراء والمعراج” مناسبة لإعادة تبيان مكانة المسجد الأقصى وترسيخه في نفوس أبناء الأمة (حوار)
نشر بتاريخ

في سياق تخليد الأمة الإسلامية لذكرى الإسراء والمعراج، ومع توالي العديد من الأحداث الإقليمية، أجرت بوابة العدل والإحسان حوارا مع الأستاذ محمد الرياحي عضو المكتب المركزي للهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة والباحث في مقارنة الأديان.

الحوار تطرق إلى عدد من القضايا والمواضيع، كالقيم الراسخة التي ينبغي استقاؤها من ذكرى الإسراء والمعراج، وأسبوع القدس العالمي الجاري، والسياق الإقليمي وتحديات المرحلة، والحديث عن قمة النقب التي يجري الإعداد لتنظيمها في المغرب، ومسار التطبيع ومخاطره وكيفية مواجهته، وطبيعة برنامج وأهداف ورهانات هيئة النصرة.

فيما يلي نص الحوار:

خلدت الأمة الإسلامية ذكرى الإسراء والمعراج، ما المعاني الخالدة لهذه الذكرى والتي ينبغي ألا تغيب عن قلب وذهن المسلم؟

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين، أشكركم بداية على هذا الحوار وهذه الالتفاتة الطيبة، كما لا يفوتني أن أبارك للجماعة احتفالها بالذكرى الأربعون للتأسيس.

تعد معجزة الإسراء والمعراج نقطة تحول كبيرة في طريق الدعوة إلى الله، وإثبات عالمية رسالة الإسلام ونسخها للرسالات السابقة، وبيان عظم مكانة النبي محمد صلى الله عليه وسلم التي لم يحظ بمثلها أحد من قبله ولا من بعده، وبيان فضل المسجد الأقصى وربط قدسيته بقدسية بيت الله الحرام، وبيان أن الدين واحد وإن تعددت الشرائع، فكل الأنبياء يدعون إلى توحيد الله، وتمحيص المؤمنين واختبار صبرهم وثقتهم بنبيهم.

كما أن الإسراء والمعراج مناسبة لإعادة توجيه البوصلة لنصرة المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومحطة لتأكيد العلاقة الوثيقة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى المبارك، التي يجب ترسيخها وبثها في صفوف الأجيال كعقيدة ثابتة لا تزحزحها الأحداث والمحن المتلاحقة، وهي مناسبة لزرع اليقين في نصر الله الموعود لعباده الصالحين متى تحققت الشروط وزالت العوارض.

لقد جاء حدث الإسراء بعد ازدياد شراسة المشركين في مكة والطائف برسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الحدث الخالد لرفع معنويات النبي صلى الله عليه وسلم ولبيان مكانة الصلاة في الإسلام وللتأكيد على أن رسالات الأنبياء واحدة وهي التوحيد وعبادة الله الواحد الأحد الفرد الصمد.

ترمز الذكرى، من بين ما ترمز، إلى مكانة المسجد الأقصى وأرض فلسطين. كيف نحافظ على هذه المكانة في نفوس أبناء الأمة أمام التطاول الزمني للاحتلال وانحدار حكام الأمة إلى التطبيع؟

صراحة يحز في النفس أن تحل هذه الذكرى والمسجد الأقصى لا يزال تحت الاحتلال الصهيوني وما يواكبه من ممارسات همجية تهدف لتدنيسه وتهويده وتقسيمه زمانيا ومكانيا، بل الأخطر من ذلك أن تتزامن هذه الممارسات مع هرولة الحكام العرب للتطبيع مع هذا الكيان المجرم في محاولات يائسة لتسوية الجلاد بالضحية والتسويق له في الأوطان العربية بدعوى التسامح.

وتبقى محطة الإسراء والمعراج المناسبة الأبرز لإعادة تبيان أهمية ومكانة المسجد الأقصى وترسيخها في نفوس أبناء الأمة العربية والإسلامية وكل شبر في أرض فلسطين المباركة، كما أنها مناسبة لتبيان حقيقة الصهاينة وتاريخهم الأسود المليئ بالجرائم والمجازر الدموية ودور الحكام العرب في الواقع الذي وصلت إليه القضية الفلسطينية.

انطلق أمس الخميس أسبوع القدس العالمي 2023 ما هي الفعاليات وأنشطة هذا الملتقى؟ وماذا يتوخى منه؟

يهدف أسبوع القدس العالمي الذي ينظم هذه السنة بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج إلى إعادة تسليط الضوء على القضية الفلسطينية بشكل عام وعلى محورية المسجد الأقصى المبارك وأهميته في الصراع الدائر بين الفلسطينيين والصهاينة بشكل خاص، كما يهدف إلى توعية أبناء الأمة العربية والإسلامية بتاريخ القضية ومستقبلها وواجبات كل فرد منها وخاصة شريحة العلماء لدورها المحوري في جعل القضية حية متوهجة في نفوس الأجيال يرثها جيل بعد جيل وضرورة العمل من أجل تحرير بيت المقدس.

أما بخصوص الفعاليات والأنشطة فهي كثيرة ومتنوعة حسب ظروف وإمكانيات كل دولة، من ندوات ومحاضرات ومهرجانات وحملات إعلامية ووقفات ومسيرات ودورات معرفية… تحت عنوان واحد “أسبوع القدس.. نستعيدها معا”.

وعلى سبيل المثال فقد انخرطت الهيئة المغربية في هذه الفعالية العالمية وسطرت لذلك برنامجا متنوعا، انطلق بمشاركة رئيس الهيئة الأستاذ عبد الصمد فتحي في الفعالية العالمية الافتتاحية والإعلان عن إطلاق حملة إعلامية موازية، وتبع ذلك ندوة دولية بمشاركة وازنة من داخل المغرب وخارجه، ومن المرتقب أن يتم تنظيم أنشطة أخرى في القابل من الأيام.

كيف تقرأون السياق المحلي في فلسطين والإقليمي الذي ينظم فيه الملتقى؟ وكيف يمكنه أن يسهم في الدفاع عن القضية ورهاناتها المرحلية؟

تنظم الفعالية في ظل سياق محلي فلسطيني عنوانه الأبرز استمرار الصهاينة في التنكيل بالفلسطينيين من خلال الاقتحامات المتتالية للمسجد الأقصى، ومجزرة جنين الأخيرة، ومجازر الحي جراح، ومجازر هدم بيوت الفلسطينيين ومصادرة الأراضي لبناء المستوطنات وجرائم الإبعاد التي تطال المقدسيين، والجرائم التي تطال الأسرى في السجون الإسرائيلية، ناهيك عن الحصار الظالم الذي يطال قطاع غزة برا وبحرا وجوا. وسياق إقليمي يتجسد في الارتدادات التي تعرفها بعض الدول العربية بعد ما سمي بالربيع العربي وهرولة الدول العربية الرسمية لنيل رضا الصهاينة عبر اتفاقيات التطبيع مع الصهاينة المدعومة من قبل أمريكا والمرفوضة من طرف الشعوب العربية التي أثبتت انحيازها إلى جانب قضية فلسطين العادلة والمشروعة.

بالفعل هو واقع يقتضي من كل الفضلاء وكل العاملين للقضية أن يكثفوا من أنشطتهم وفعالياتهم ومبادراتهم لدعم القضية ودعم الفلسطينين الذين يقفون في خط المواجهة الأول دفاعا عن أرضهم ومقدسات الأمة العربية والإسلامية، وفي هذا الصدد بالذات يأتي تنظيم أسبوع القدس العالمي الذي أريد له أن يساهم في إعادة الاهتمام بفلسطين مسرى الرسول الكريم. 

في الحديث عن السياق الإقليمي، والداخلي المغربي، يجري الإعداد لعقد ما يسمى قمة النقب الثانية هنا في المغرب، والتي تجمع الدول المطبعة وكيان الاحتلال الصهيوني وأمريكا. كيف تنظرون في الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة لهذه الخطوة؟ وما مراميها؟

في الوقت الذي كنا ننتظر فيه من النظام المغربي أن يتراجع عن خطواته التطبيعية مع الكيان الصهيوني، وينصت لصوت الشعب الذي ما فتئ يرفض كل تنسيق مع الصهاينة قتلة الأطفال والنساء والشيوخ، ولجراح الفلسطينيين ومعاناتهم اليومية جراء الاحتلال الغاشم، نسمع عن استعداده لاستضافة مؤتمر قمة النقب الثانية، وفتح الباب من جديد لرموز الكيان وللمطبعين العرب في خطوة تطبيعية أكثر خطورة على سيادة المغرب وأمنه واستقراره وعلى فلسطين التي هي في أمس الحاجة إلى دعم الإخوة والأشقاء.

إننا في الهيئة المغربية إذ نستغرب من هذه الخطوة غير المحسوبة نجدد رفضنا لكل الخطوات التطبيعية التي تباشرها الدولة المغربية مع الكيان الصهيوني معتبرين أنها خيانة للقضية ولدماء الفلسطينيين، كما نؤكد وقوفنا واصطفافنا مع كل الفضلاء لفضح هذه الممارسات وتوعية الشعب المغربي بمخاطرها.

وفي هذا الصدد ندين بقوة الخطوة التطبيعية التي أقدم عليها عمدة فاس وبعض ممثلي الأحزاب من توأمة لهذه المدينة العريقة مع إحدى مدن الاحتلال، كما نستنكر زيارة مفتش سلاح المدفعية المغربية إلى “إسرائيل”.

ونحن نستحضر البيان التنديدي الذي أصدرته الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع بهذه القمة المنتظرة، ماذا تقترحون لمواجهة هذه الخطوة الخطيرة، وكيف ينبغي التعامل مع المسار التطبيعي الذي يمضي في توريط البلاد مع كيان الاحتلال؟

المناسبة تقتضي أن نشير أنه بعد مرور سنتين من إبرام اتفاق الخزي والعار بين الكيان الصهيوني والحاكمين بالمغرب، لاحظنا بكل أسى وأسف أن وتيرة الاختراق الصهيوني بالمغرب تسير بسرعة قصوى وتشمل كل المجالات بدون استثناء، وكأنه سعي حثيث لجعل المغرب ملحقة إدارية تابعة للكيان المحتل، اختراق لم يجن منه المغرب سوى الاستنزاف والخزي والعار بعد الفضيحة المدوية التي كان بطلها مسؤول مكتب الكيان بالمغرب ومست مغربيات، مما شكل فضيحة وإساءة  لسمعة المغرب وعرضه، والتي بلغت بها خارجية دولة الاحتلال ولم تحرك ساكنا، إلا بعد تهمة السرقة وخيانة الأمانة.

وهو ما حذر منه كل المهتمين والمتابعين قبل توقيع اتفاقية التطبيع استفادة من الدول العربية التي سبقت المغرب في التطبيع، والتي لم تستفد شيئا يذكر بل نهبت خيراتها وترواثها وهجر شبابها وأطرها حتى استفاقت متأخرة من كبوتها.

كما أنه منذ توقيع الاتفاقية المشؤومة عملت مختلف الهيئات والقوى الرافضة للاختراق الصهيوني على التكتل في جبهة رافضة وممانعة، نظمت 9 فعاليات وطنية احتجاجية والعديد من التظاهرات الاحتجاجية، والندوات التوعوية والتحسيسية، كما تم تنظيم محاكمة رمزية للمطبعين ولرموز الكيان الصهيوني وتوجيه مراسلات احتجاجية لعدد من الجهات. 

وأشير هنا أن الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع تناقش تنظيم يوم وطني احتجاجي كما تجري المشاورات من أجل تنظيم مسيرة وطنية شعبية ردا على خطوة استضافة قمة النقب الثانية والخطوات التطبيعية الأخرى.

ما البرنامج المرحلي للهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة؟ ماذا تفعل، ما أهدافها، وعلى ما تراهن؟

الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، مؤسسة مدنية مستقلة تجمع ثلة من الحاملين لهمّ الأمة والمدافعين عن قضاياها العادلة. هي إطار مفتوح في وجه كل المغاربة، للدفاع عن قضايا الأمة عامة وقضية القدس وفلسطين خاصة، كما تسعى إلى أن تكون إطارا فاعلا لبعث وإحياء هم الأمة في قلوب المغاربة لتبقى فلسطين في القلب والوجدان، ويحرك الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة هدف أسمى هو التعبد لله عز وجل، لأن دعم قضايا الأمة العادلة والتهمم بأمرها عبادة تتقرب بها إلى المولى الكريم، كما تعمل الهيئة على تحقيق جملة من الأهداف من أهمها:

·      تعريف المواطنين بقضايا الأمة العربية والإسلامية وزرع همّ الأمة في صفوف الشباب.

·      التضامن مع قضايا الشعوب العادلة والانخراط الايجابي في المبادرات المحلية والدولية الداعمة لقضايا الأمة في مواجهة الاحتلال والعدوان.

·      التعاون والتنسيق مع الجمعيات والهيئات داخل المغرب وخارجه لمناصرة قضايا الأمة.

·      فضح المطبعين وكشف سوءات التطبيع ومخاطره على المغرب وفلسطين.

وختاما نؤكد، أن ذكرى الإسراء والمعراج ستبقى رسالة خالدة من السماء إلى الأرض بأن القدس بوابة السماء، وهي عقيدة يجب الدفاع عنها حتى يزول عنها الاحتلال والظلم، فمن حسن الأقدار أن تحرير صلاح الدين الأيوبي لمدينة القدس عام 1187 صادف ذكرى الإسراء والمعراج، وستبقى القدس ومقدساتها في صدور أبناء الأمة يبذلون من أجلها الغالي والنفيس حتى التحرير الموعود.