ثلاث سنوات بالتمام والكمال مرت على أبشع مجزرة عرفها العصر الحديث، إنها “مجزرة رابعة العدوية” التي اقترفها سفاح مصر عبد الفتاح السيسي صبيحة يوم الرابع عشر من غشت 2013. مجزرة عاينها العالم وشاهد إجرامها وفظاعتها على المباشر والبث الحي.
“مجزرة رابعة” تعتبر بحق جريمة ضد الإنسانية بما تعنيه هذه الكلمة من معنى، حيث خلفت مئات القتلى وآلاف المصابين والجرحى فضلا عما شابها من المظاهر الحاطة والمهينة للكرامة الإنسانية كالتنكيل بالجثث وإحراقها وترك المصابين ينزفون ومنع الإسعاف وغير ذلك كثير.
“مجزرة رابعة” ارتكبت في حق معتصمين سلميين ذنبهم الوحيد هو رفضهم للانقلاب العسكري على أول رئيس شرعي منتخب وتشبثهم بمؤسسات دستورية انتخبها الشعب لتمثله.
سالت شلالات من الدماء وقتلت معها أحلام شعب وطموح شباب في نيل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وأثبتت الأيام ما كان حقيقة معلومة في أن “غرفة عمليات دولية” كما يسميها الدكتور منصف المرزوقي الرئيس التونسي السابق هي من قامت بالانقلاب. أطراف دولية وإقليمية وبأدوات محلية تعمل على وأد كل تجربة ديمقراطية والقضاء على كل أمل وطموح للأمة في التحرر والانعتاق. أطراف انكشف أنها هي نفسها من كان وراء محاولة الانقلاب الفاشلة على “التجربة التركية” والرئيس رجب طيب أردوغان الذي كان من المنددين بالانقلاب في مصر والمناصرين للشرعية والمطالبين بعودة الرئيس الشرعي محمد مرسي، بل كان الزعيم الذي ألهب الجماهير برفع شارة رابعة كشكل من أشكال التعبير عن التضامن والتأييد مع ضحايا هذه المجزرة الرهيبة.
“التجربة التركية” وجدت شعبا واعيا تنسم عبير الحرية والكرامة وذاق ثمارهما المتجلية في نجاح اقتصادي باهر وتنمية شاملة جعلته يرفض العودة إلى حياة العبيد والاستبداد ويخرج بصدور عارية لمواجهة الدبابات وحماية المؤسسات.
“التجربة التركية” وجدت أيضا أحزابا ونخبا سياسية في منتهى التعقل والرزانة حين وضعت خلافاتها مع الحزب الحاكم والرئيس أردوغان جانبا وأبانت عن صدق إخلاصها للوطن بتغليبها لمصلحته العليا على مصالحها الضيقة والتفافها حول مؤسساتها الدستورية وهي التي ذاقت مرارة وويلات الانقلابات العسكرية.
تحل إذا الذكرى الثالثة لهذه المجزرة البشعة على وقع ملحمة عظيمة سطرها الشعب التركي بكل مكوناته وفصائله. ملحمة أبرزت أن الشعوب متى آمنت بقدرتها على التغيير والتحرر فلن يحول دونها حائل أو يمنعها مانع. فهل تستوعب نخب مصر وأحزابها الدرس التركي وخاصة تلك التي شكلت الدعامة السياسية للانقلاب والتي وصلها لظى جرائم الانقلاب التي ما زالت متواصلة بالتقتيل والتخوين والاعتقالات وتكميم الأفواه؟