أفصح الدكتور فؤاد هراجة لبوابة العدل والإحسان، في تصريح على خلفية الاعتقالات المتنامية بسبب حرية الرأي والتعبير، أن مما لا تخطئه عين المراقب السياسي والحقوقي في المغرب بعد توقيع اتفاقية التطبيع المخزية، تنامي حالات الاعتقال السياسي في كل أنحاء البلاد شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، في المدن الكبرى والصغرى والقرى والمداشر، وهو ما يشي -حسب رأيه- أننا إزاء توجه وخيار رسمي وخطة ممنهجة من قِبل السلطات المغربية لقمع الحريات العامة ولجم كل الأصوات الحرة المناهِضة للظلم والفساد والاستبداد والتطبيع، والمطالِبة بسيادة حقيقية للوطن، وبتوزيع عادل للثروات، وبتمكين الشعب المغربي من مقدرات بلده عبر ترشيد السياسات والقضاء على الفساد.
ولفت الباحث في فلسفة الأخلاق إلى أن القاسم المشترك بين كل معتقلي الرأي والتعبير في المغرب، أنهم عبروا بكل الطرق السلمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو المنابر الإعلامية عن آراء تنتقد الخيارات السياسية الرسمية، وهو حق يكفله الدستور والقانون، لكن السلطات شاءت أن تسكت كل هذه الأصوات عبر توظيف مؤسسة القضاء وإلباسهم تهما لا تمت بصلة لآرائهم ومواقفهم، وهو بالفعل ما قامت به مع النقيب محمد زيان، ورضوان القسطيط، ومحمد البوستاتي، ومصطفى بنتيفور، ومعتقلي زاوية الشيخ، ومعتقلي أزيلال، ومجموعة كارفور سلا (13 متابعا)، وفاروق المهداوي… والقائمة طويلة، منها ما نعلم ومنها ما لا نعلم، خاصة المغاربة الذين يعتقلون مباشرة من المطارات ومناطق العبور والذين يجدون أنفسهم متابعين بتهم كبيرة على تدوينة عبروا فيها عن موقف أو شعور.
وأمام هذا الوضع المتفاقم لسياسة الاعتقال السياسي الممنهجة التي سماها المؤرخ معطي منجيب “اقتصاد القمع”، يقول هراجة: “لا نمل من التذكير بضرورة تحييد القضاء عن تصفيات الحسابات السياسية، فالقضاء كمؤسسة وطنية ينبغي أن يكون ضامنا للحريات لا مساهما في قمعها، أي ينبغي أن يكون ملاذا وذرعا للمظلومين، لا أداة طيعة في يد المستبدين والفاسدين لقمع الأصوات الحرة”.
إن ما يعيشه المغرب اليوم من قمع ممنهج للحريات بلبوس قضائي، يحتم -وفق هراجة- من كل القوى الحقوقية والسياسية والمجتمعية المناهضة للظلم والفساد والاستبداد، أن تتكتل في جبهة واحدة لصد ومنع استمرار حالة الاعتقال السياسي، وإلا لو استمر الوضع بهذا الحال سيتحول كل مواطن مغربي إلى مشروع معتقل لا لشيء إلا لكونه يحمل فكرة مخالفة لسياسات السلطات الرسمية.
وأبدى هراجة تخوفه من مآل السكوت عن هذا الانحراف بتأكيده أن البلد “على مفترق الطرق؛ إما أن يتم تدارك الموقف في وجه هذه الحملة الشرسة والممنهجة التي تطال قمع الحريات، أو أننا بصمتنا سنساهم في تغذية الاستبداد والفساد”.
فواجب المرحلة -يضيف هراجة- “يقتضي الرصد والمتابعة وكشف الخروقات ومساندة كل معتقلي الرأي والتعبير. ولأن الحقوق تنتزع ولا تعطى فلابد من المزيد من الضغط والاحتجاج والمطالبة بالحقوق، فما ضاع حق وراءه مطالب”، مناديا بالحرية والعدالة لكل المعتقلين السياسيين.