د. عطوش: هذه مداخل بناء اقتصاد وطني قوي ومواطن

Cover Image for د. عطوش: هذه مداخل بناء اقتصاد وطني قوي ومواطن
نشر بتاريخ

يتطرق الجزء الثاني من الحوار الذي أجراه موقع الجماعة نت مع الدكتور هشام عطوش، مسؤول “مكتب الدراسات الاقتصادية والمالية” أحد مكونات “مركز الدراسات والأبحاث” التابع للأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، لخفض ميزانية الاستثمار وتأثيره على الاقتصاد الوطني، والقدرة الشرائية للمواطنين، وإصلاح صندوق المقاصة والإصلاح الضريبي وإصلاح نظام التقاعد وطبيعة الإجراءات الحكومية المتخذة، والأزمة بين اتحاد مقاولة المغرب والحكومة، وكيفية بناء اقتصاد وطني قوي ومواطن.

فإلى نص الحوار:

يثار جدل كبير حول خفض ميزانية الاستثمار؟ إلى أي حد يؤثر هذا القرار على نمو الاقتصاد الوطني وحجم المشاريع الاستثمارية؟ وكيف تفسرون القرار؟

قبل الحديث عن تخفيض ميزانية الاستثمار لابد من الإشارة إلى تراجعها برسم السنة المالية 2013 مقارنة بسنة 2012؛ حيث تم خفض اعتمادات نفقات الاستثمار العمومي ب 4,44% من 188,3 إلى 180,3 مليار درهم فقط.

أما الجدل الدائر حول التشطيب على 15 مليار درهم أي ربع ما برمج من استثمارات في ميزانية الدولة لسنة 2013 إنما هو تعبير عن عدم رضى المعارضة البرلمانية والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين من القرار الأحادي الجانب الذي اتخذته الحكومة، في الوقت الذي ينص فيه الدستور على الأقل على ضرورة الرجوع للبرلمان في مثل هذه القرارات. وهنا يطرح السؤال لماذا لم تثر نفس الزوبعة عندما يتم ترحيل 13,5 مليار درهم من اعتمادات الاستثمار الملتزم بها سنة 2012 للسنة الموالية لعدم صدور الأمر بأدائها ونفس المبلغ رحل سنة 2011، كما لم تتساءل وسائل الإعلام عن التأخر في القيام بالنفقات الاستثمارية كما كان الشأن بالنسبة للسنة الفارطة حيث لم يتم صرف سوى 50% من اعتمادات استثمار الميزانية العامة متم شتنبر 2012.

إذا كان هناك من حديث جاد حول الاستثمار العمومي فيجب أن يكون حول دراسة جدوى الاستثمارات المنجزة وأثارها الاقتصادية والاجتماعية وتحديد سلم الأولويات التي يحكمها.كما لا يجب إغفال الجزء الهام من الاستثمار العمومي، أزيد من 110 مليار درهم سنويا خلال السنوات الأخيرة، والذي يتم بالمقاولات والمؤسسات العمومية والذي لا يخضع واقعا للمساءلة البرلمانية ولا تتم مراقبة تجاوزاته من طرف المجلس الأعلى للحسابات إلا بعد سنين.

هل يمكنكم تقريبنا من النقاش الدائر منذ أشهر مابين الحكومة والمعارضة بخصوص القدرة الشرائية للمواطن؟

عرف مؤشر التضخم الأساسي الذي تستثنى منه المواد ذات الأثمان المحددة والمواد ذات التقلبات العالية نهاية 2012 مقارنة بسنة 2006 ارتفاعا قدره 20% بالنسبة للمواد الغذائية وتقريبا 6% بالنسبة للمواد غير الغذائية، أي أن المستهلك فقد خمس سلة مواده الغذائية، و6% فيما يخص الخدمات من قبيل التطبيب والتعليم. وقد عرف المؤشر السالف الذكر مابين 2011 و2012، ارتفاعا قدره 0,8% وهو ما يساوي تقريبا +0,6% الناجم عن تأثير الزيادة في المحروقات (درهمان في البنزين (20%) ودرهم في الغازوال (14%) و27% في سعر الفيول) التي قررتها الحكومة بشكل انفرادي ابتداء من 2 يونيو 2012.

أمام تراجع القدرة الشرائية، فقدت الأسر المغربية الثقة في أن تتغير أوضاعها كما تُظهر ذلك البحوث الفصلية للمندوبية السامية للتخطيط، حيث تراجع مؤشر ثقة الأسر من 84,5% خلال الفصل الرابع من سنة 2011 إلى 78,4% خلال نفس الفصل من سنة 2012.

يجري الحديث عن إصلاح صندوق المقاصة والإصلاح الضريبي وإصلاح نظام التقاعد. هلا قربتم للمواطن العادي البسيط هذه العناوين الاجتماعية الاقتصادية وطبيعة الإجراءات الحكومية المتخذة فيها؟ وتأثيرها على المواطن؟

إصلاحات منظومة الضرائب وصندوق المقاصة وأنظمة التقاعد هي من الملفات المفتوحة منذ تسعينيات القرن الماضي. لكن مع أن أصل الداء معلوم وأن سناريوهات الحل هي الأخرى محددة إلا أن لا أحد تحلى بالشجاعة الكافية لإزاحة عقبة ذوي النفوذ الذين يستفيدون من 60,5% من النفقات الضريبية ومن أزيد من 80% من نفقات المقاصة ومن الملايير من مدخرات صناديق وأنظمة التقاعد.

لتقريب القارئ من طبيعة الإصلاحات لا بد من إعطاء العناوين الكبرى لكل معضلة. بالنسبة للمنظومة الضريبية، يعد المغرب من بين بلدان العالم ذات الضغط الضريبي المرتفع (22,2% من الناتج الداخلي الخام سنة 2012) توازيه نفقات ضريبية قدرت سنة 2012 ب 36,3 مليار درهم الخاصة ب 284 تدبيرا التي تم تقييمها من أصل 402 تدبيرا يستفيد منها الأغنياء (كبار الفلاحين، المستثمرون العقاريون، المستثمرون الأجانب …) أكثر من غيرهم. ينضاف إلى ذلك، حسب رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي 9/2012، أن 60% من مداخيل الضريبة على القيمة المضافة تأتي من الواردات، و71% من الضريبة على الدخل تقتطع من المنبع من أجور القطاعات المنظمة، و80% من الضريبة على الشركات تأتي فقط من 2% من المقاولات في حين أن نظام المراقبة والجزاءات لا يطبق سوى على المساهمين المنظمين.

بخصوص صناديق وأنظمة التقاعد ورغم اختلاف التواريخ المتوقعة لعجزها عن سداد مستحقات المستفيدين من خدماتها فإن الإشكالية الكبرى تتمثل في تطبيق الحلول المقترحة من طرف اللجنة التقنية لسنة 2001، والتي أعيدت صياغتها من طرف مكتب الدراسات الفرنسي “أكتوياريا”. وتقضي الحلول، إما الترقيع بتغيير بعض المعايير المرتبطة بالمساهمة أو الاستفادة وإما في إحداث قطبين الأول عمومي والثاني للقطاع الخاص أو تجميع كل الصناديق والأنظمة في صندوق واحد.

أما نفقات المقاصة التي تستهلك تقريبا خلال السنتين الأخيرتين أزيد من 50 مليار درهم لدعم أثمنة المحروقات والسكر والحبوب فقد أصبحت هي الساحرة التي يجب طردها لتصحيح عجز الميزانية.

إن المداخل الحقيقية للإصلاحات هي إعادة النظر في الإعفاءات الضريبية خاصة بالقطاعين العقاري والفلاحي، وكذا سن الضريبة على الثروة والضريبة الاجتماعية على القيمة المضافة، وأن تستثمر ملايير احتياطيات صناديق وأنظمة التقاعد لفائدة مستحقيها الأصليين (المساهمون والمتقاعدون وذوي الحقوق)، دون إغفال وضع سياسة فعلية للتشغيل، وأخيرا الحفاظ على صندوق المقاصة لكن مع توجيه نفقاته للأكثر احتياجا والتجربة المصرية الأخيرة لدعم بعض المخابز رائدة في هذا المجال.

كيف ترى الأزمة بين اتحاد مقاولة المغرب (الباطرونا) والحكومة؟ وما خلفياتها؟

الأزمة التي أشرتم إليها ليست هي الوحيدة في هذا المجال بل تنضاف إليها الأزمة مع أطراف أخرى كالمركزيات النقابية والمعارضة البرلمانية وحتى مع الشركاء الحكوميين. الكل يعاتب رئاسة الحكومة على اتخاذ قرارات انفرادية وأحيانا ارتجالية وكذا التأخر في بعض القرارات الاستراتيجية من قبيل احترام آجال الحوار الاجتماعي أو الأخذ بمقترحات “الباترونا” عند صياغة قانون المالية الأخير.

ويبقى الخاسر الأكبر في لعبة شد الحبل بين هؤلاء وهؤلاء هو المواطن المغربي. إذ أن زيارة رفيعة المستوى لرئيس وزراء تركيا كان من المفروض أن يضع معها الكل المشاكل جانبا خدمة للصالح العام.

كيف يمكن بناء اقتصاد وطني قوي ومواطن؟

طبيعة الحلول مقرونة بحجم التحديات الاقتصادية لما بعد الربيع العربي والتي تأخذ شكلين:

– تحديات آنية: الرغيف للجائع والعمل للعاطل والتحكم في الأسعار؛

– وتحديات استراتيجية إرساء المنافسة الشريفة وتعبئة الادخار والاستثمار الأمثل والتوزيع العادل.

وإذا كانت التحديات الاستراتيجية يلزمها طول النفس فإن التحديات الآنية لا تنتظر، ومن تم نميز بين مرحلتين لبناء الاقتصاد المغربي. مرحلة إصلاحية في ظل المتاح ومرحلة تغييرية تقتضي إعادة صياغة النموذج الاقتصادي على ثوابت غير تلك المهيمنة اليوم.

على المدى القريب، القطع الفعلي مع الاستبداد الاقتصادي واقتصاد الريع من خلال تفعيل مقتضيات التنافسية والشفافية المنصوص عليها دستوريا، مع ضبط آليات تحصيل وإنفاق ومراقبة وتدقيق المال العام واسترجاع الأموال المهربة للخارج واستثمار تلك المكدسة في قطاعات إنتاجية مباشرة عوض قبر الأموال في الإسمنت المسلح. والمدخل لكل ذلك هو مبدأ العفو الاقتصادي شريطة احترام مبادئ المنافسة الشريفة. كما يتوجب فتح المجال للبنوك الإسلامية وشركات التأمين التكافلي.

على المدى البعيد، من معالم طريق الإجابة نجد: النهوض بقطاعي التعليم والبحث والصحة، الانتاج النامي الذي يعطي الأولوية للضروريات، الاستهلاك النامي بالتقلل، التمويل التضامني، التوزيع العادل، الاهتمام الحقيقي بالاقتصاد التعاوني والتضامني وبالاقتصاد الأخضر، الاعتماد على الادخار الداخلي لضمان استقلالية القرار الاقتصادي، الأكل بالمعروف، استغلال الملكية وليس فقط التملك دون الاهتمام بالمصلحة العامة، الزكاة، التكامل الاقتصادي مابين الأقطار…