بمناسبة الذكرى الرابعة للاعتقال الثاني لعضو جماعة العدل والإحسان الأستاذ عمر محب، أجرى موقع الجماعة نت حوارا مع الدكتور محمد سلمي منسق الهيئة الحقوقية وعضو الأمانة العامة للدائرة السياسية. هذا نصه:
تحل بنا ذكرى اعتقال الأستاذ عمر محب عضو جماعة العدل والإحسان بمدينة فاس، المحكوم عليه ظلما بـ10 سنوات سجنا نافذة، فهل من جديد في هذا الملف وهذه المظلومية؟
الجديد في قضية عمر محب وضعيته الصحية التي تدهورت بسبب ظروف الاعتقال المتردية وحرمانه من حقه في الرعاية الصحية والنفسية والزيارة. والوضع يستوجب تدخلا عاجلا للإفراج عنه لهذه الاعتبارات، ولاعتبار أساسي في قضيته وهو كونه معتقل سياسي مظلوم زج به في السجن في سياق حسابات سياسية ضيقة، وبتهمة واهية مفضوحة هو بريء منها براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام.
هل يمكن أن تلخص لنا ولو بإيجاز الجهود التي بذلتها الهيئة الحقوقية للجماعة في هذا الملف؟
لم تدخر الجماعة عموما والهيئة الحقوقية بصفة خاصة جهدا في التعريف بقضية الأخ عمر محب على الواجهة الحقوقية والإعلامية والسياسية. فقد تواصلت الجماعة مع المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية ومع فريق العمل للاعتقال التعسفي بالأمم المتحدة، وكانت قضيته حاضرة في الصف الداخلي للجماعة بشكل قوي. وقد أصبح هذا الملف محرجا جدا للقضاء المغربي لما يشكله من تناقض جلي بين شعارات إصلاح القضاء والعدالة، وشعارات دولة الحق والقانون، وبين حكم قضائي جائر. وقد سبق للهيئة الحقوقية أن قامت بحملة للمطالبة بالإفراج عنه تحت شعار “عمر لم يَقْتُل” “Omar n’a pas tué” اقتباسا من العبارة التي أدين بها البستاني المغربي عمر الرداد بفرنسا “Omar m’a tuer”.
فقد أقحم الأخ عمر محب في ملف هو بعيد عنه كل البعد، وفي واقعة لم يحضرها ولم يشارك فيها من قريب أو بعيد. ويتعلق الأمر بمواجهة بين المكونات الطلابية بجامعة فاس منذ 1993 أفضت إلى جرح طالب توفي بالمستشفى بعد ذلك. وقد تم إحياء هذه القضية في سياق الصراع السياسي بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة. لكن الضحية هو عمر محب البعيد كل البعد عن الحدث. فأي ظلم أكبر من هذا؟ قد يتساءل الناس كيف بنى القضاء هذا الحكم. والجواب شهادة موظف وحيد بوزارة الداخلية تناقضت أقواله في كل مراحل المحاكمة. ومع ذلك فعمر وراء القضبان. والهدف المضمر إدانة الجماعة التي ينتسب إليها عمر محب. ولذلك فرغم كثرة أحداث العنف الأليمة التي عرفتها الجامعة المغربية وأفضت إلى عدة وفيات في صفوف الطلبة من مختلف الفصائل الطلابية، فإن حدث فاس هذا وحدث وجدة اللذان أقحم فيهما طلبة الجماعة ظلما وزورا أخذا بعدا أكبر من غيرهما. فأما حدث وجدة فـ240 سنة سجنا نافذا، وهو حكم ظالم لم تعرف الجامعة مثله. وأما في فاس فعمر محب كان في الدار البيضاء يوم وقوع الحدث، وأقحم اسمه في القضية ضمن قائمة تضم كل الطلبة الإسلاميين النشيطين في جامعة فاس حينها، وتم إحياء القضية لتوظيفها سياسيا ضد الجماعة.
لمظلومية محب واجهة أخرى غير الواجهة الحقوقية، وهي الواجهة الإنسانية؛ فالرجل له زوجة وأولاد وأهل وأحباب، فما العمل لمعالجة هذه الواجهة بما تستحق من اهتمام؟
هنا تبرز مسؤولية الدولة بشكل خطير للغاية في هذا الجانب الاجتماعي والإنساني. فحجم الضرر الذي لحق الأسرة الصغيرة كبير جدا. وتبرز مسؤولية القضاة غير المستقلين، وفظاعة المحاكمة غير العادلة. وتتهاوى كل الشعارات الزائفة ليظهر الظلم في أبشع صوره. حينما يدرك الأطفال أن أباهم في السجن لعشر سنوات لفعل لم يرتكبه ولتهمة ملفقة مفضوحة. إن لم يكن مدبرو هذه المآسي ممن يؤمنون بالحساب يوم القيامة، ففي الدنيا كيف يهنأ لهم بال وقد فعلوا بالأبرياء فعلتهم وهم يعلمون؟ حينما يعودون إلى منازلهم ويقولون لأبنائهم لقد كنا في العمل. أي عمل هذا؟
إن للمنظمات الحقوقية والإنسانية مجال خصب للاشتغال في قضية أسرة عمر محب. والدولة نفسها لها طرق لمعالجة هذه الكوارث التي تخلفها السياسة المزاجية والحسابات الضيقة لبعض المسؤولين، بعيدا عن التضييق على الحكومات المحكومة التي لا يراد أن يسجل في صحيفتها إنجاز إنصاف المظلومين ورد الاعتبار لهم.
يعيدنا ملف محب إلى مسلسل تصفية الحسابات التي انتهجتها الدولة وتنتهجها تجاه الجماعة قبل محب وبعد محب، فكيف تتعاطى الجماعة مع هذا الأمر بين الزاويتين اللتين تريد الدولة حشر الجماعة فيهما، زاوية الخضوع للاستبداد وزاوية الانجرار إلى العنف؟
مواقف الجماعة واضحة وأنشطتها ليس فيها ما يبرر هذا الظلم. أما العنف فقد سطرت الجماعة منذ بدايتها في أدبياتها ما تسميه باللاءات الثلاث: لا للعنف، لا للسرية ولا للتبعية للخارج. جماعة مسالمة مستقلة تعمل في العلن وفي إطار القانون، ولا تقبل أن تكون تابعة لأية جهة في الداخل أو الخارج. الجماعة دعامة أساسية لبناء مجتمع قوي ومتماسك وهذا أمر تعرفه الدولة نفسها، ويعرفه المجتمع المغربي بكل مكوناته المتتبعة لعمل الجماعة وخطابها ومواقفها وتربيتها لأعضائها. وقد خسر المغرب الكثير بسبب حصار الدولة للجماعة. أما السبب الأساسي في كل هذه الانتهاكات التي ترتكب في حق أعضاء الجماعة هو تخوف الدولة من توسع الجماعة وانتشارها مع إصرارها على مواقفها السياسية من النظام. أما عمر محب فهو بريء. إن المتتبع لما يجري في العالم العربي والإسلامي اليوم يدرك ضرورة طي هذه الصفحات بسرعة. والإفراج العاجل عن عمر محب سيكون من أولى الخطوات على هذا الطريق.
كيف تقومون تعاطي المنظمات الحقوقية المغربية مع هذا الملف؟
هناك الكثير مما يمكن أن تقوم به هذه المنظمات، وقد سلمها دفاع عمر محب ملفا كاملا عن تفاصيل القضية، وفيه إثبات للمحاكمة غير العادلة، وتهافت الشاهد الوحيد، وتناقض تصريحاته إبان أطوار المحاكمة، وغير ذلك من الخروقات. فأمام هذه المنظمات قضية قوية في بنائها واضحة في تجلياتها للقيام بدورها في المساهمة في بناء دولة الحق والقانون، دولة العدل والحرية والكرامة.