يعاني المغاربة ويلات غلاء شديد في أسعار كل المواد، وعلى رأسها المواد الغذائية الأساسية؛ كالخضر بكل أنواعها والحليب والزيوت والعجائن والبيض واللحوم الحمراء.. هذا الغلاء “يضعف القدرة الشرائية للمواطنين المنهكة أصلا، ويحول حياتهم إلى جحيم الفقر والحاجة، ويهدد نسبة غير يسيرة من الناس بالجوع والحرمان، ويهدد السلم الاجتماعي بالانهيار” يقول الدكتور محمد بن مسعود.
وحول المسؤول عن كل هذا الغلاء، أوضح الكاتب العام للقطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان أن “الأبواق الرسمية تركز في مناقشتها لهذا العنت على وضع الاقتصاد الدولي، وعلى آثار الجائحة ونتائج استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، وارتفاع معدلات التضخم العالمية.. ثم تحمل المسؤولية للبائعين المباشرين، مبررة اتخاذ إجراءات زجرية في حقهم لتجد ما تملأ به نشرات الأخبار..”. ويرى ابن مسعود أن “هذا كلام إن صح شطر منه، فهو لا يستقيم في كليته وشموليته. ولا ينبغي أن يتستر المسؤولون خلف الغربال. نعم هناك آثار تطورات الوضع العالمي، وهذا ليس بجديد، وتحدثت عنه الدراسات التوقعية عالميا، وأوصت باتخاذ إجراءات استباقية في هذا المضمار؛ بل أكثر من ذلك تنبأت بركود اقتصادي يدوم سنوات أخرى لاسيما مع استمرار الحرب في أوكرانيا”.
السؤال الذي ينبغي أن نطرحه على الحكومة حسب الأستاذ الجامعي هو: “ماذا أعددت لهذه اللحظة الاقتصادية والاجتماعية الشديدة؟”. وجوابا عليه يصرح ابن مسعود لبوابة العدل والإحسان: “للأسف، الحكومة في تحركاتها الأخيرة تريد أن ترمي بالمسؤولية بعيدا عنها ذرا للرماد، وهذا لا يستقيم”. ويضيف واضعا الأصبع على مكامن الخلل: “لنكن صرحاء، تقاعس الحكومة عن اتخاذ قرارات جريئة لحماية القدرة الشرائية، وعن حماية الأمن الغذائي للمغاربة، وعن توفير السلع في الأسواق الداخلية بأسعار مناسبة لعموم المواطنين، يعتبر تجويعا هي مسؤولة عنه. فالحكومة رغم التحذيرات مصرة على تجميد الأجور لسنوات طويلة، وهي عاجزة عن تأمين مصادر الدخل الأسري للعاطلين والعاجزين عن العمل، وعن إيجاد حلول حقيقية لارتفاع معدلات البطالة التي غزت جل العائلات بشكل فظيع، ورافضة لحل إشكال “لاسمير” متفرجة على عشرات الملايير التي تنهب من طرف الشركات، وعلى ارتفاع تكاليف المحروقات المؤثرة على الأسعار، وفشلت في مخططات النهوض بالفلاحة وفي مقدمتها “مخطط المغرب الأخضر”، وفشلت في حماية التوازن بين التصدير وتأمين حاجات السوق الداخلي من المواد الغذائية، وفي الرفع من معدل النمو وتخفيض معدلات التضخم التي وصلت إلى 6,6 %..”. ليخلص إلى أن كل هذه العوامل “وسعت رقعة انتشار الفقر في الوطن، ولقد تابع المغاربة خبر ارتفاع أعداد الفقراء في المغرب بـ3 ملايين مغربية ومغربي خلال السنة الفارطة 2022 على حساب الطبقة المتوسطة والهشة، وهلم جرا من معطيات وأرقام صادمة.. مقابل ذلك تطالعنا النشرات بأخبار عن ارتفاع أرباح الشركات الكبرى لتتسع الهوة بين أغنياء يزدادون غنى وفقراء يزدادون فقرا، والعدالة الاجتماعية هي الغائبة”.
واستشرافا لتأثير الأزمات على الوضع الاقتصادي العالمي، والمغربي ضمنه، أكد ابن مسعود أنه “للأسف، تتحدث الدراسات والتقارير الدولية عن ركود اقتصادي كبير سيغطي السنوات الثلاث المقبلة لاسيما في أوروبا الشريك الأول، لذا وجب على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها كاملة، وأن تتخذ إجراءات اقتصادية واجتماعية عملية وجريئة ومسؤولة وعاجلة تبدأ من فوق لوقف هذه الكارثة التي يعاني ويلاتها المستضعفون والفقراء في بلادنا، وتهدد بالاستفحال في قادم الأيام والشهور”.
وأورد الباحث في الشأن الاقتصادي عددا من المداخل التي من شأنها أن تحد -أو على الأقل تخفف- من وطأة الغلاء، مشددا أن “شعار العدالة الاجتماعية – الذي تنادي به الجهات الرسمية – ينبغي أن يترجم عمليا؛ بإعادة توزيع الثروة الوطنية، ومراجعة نظام الضرائب لفائدة إقرارها، ومحاربة التهرب الضريبي وتهريب الأموال والمشاريع، والمتاجرة بالمصالح الاجتماعية للمواطنين، ووقف نزيف الخزائن، والضرب على يد الاحتكار والمضاربة..”.
وفي الجهة الأخرى طالب الكاتب العام للقطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان “كل الفاعلين والفرقاء السياسيين والمجتمعيين من أحزاب ونقابات وفعاليات لاسيما المناضلة منها، أن تتحمل مسؤوليتها في هذه اللحظة الفارقة؛ بجمع الصف وتوحيد الكلمة وتعبئة الطاقات الاقتراحية والنضالية للضغط في اتجاه رفع الظلم والحيف عن المستضعفين، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه”.