د. المسئول: أحيا فينا الإمام سننا في العبادات والمعاملات والفقه السياسي

Cover Image for د. المسئول: أحيا فينا الإمام سننا في العبادات والمعاملات والفقه السياسي
نشر بتاريخ

في سياق إحياء الذكرى الخامسة لرحيل الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله، يقدم موقع الجماعة نت سلسلة من الحوارات مع ثلة من أبناء جماعة العدل والإحسان الذين أصدروا أو أشرفوا أو قدموا لمؤلفات تدور موضوعاتها حول بعض قضايا المشروع التغييري للإمام المجدد رحمه الله.

في هذه الحلقة يحاور الموقع الدكتور عبد العلي المسئول، في موضوع كتاب الإمام المجدد الذي صدر مؤخرا: “شعب الإيمان”، في مجلدين اثنين من الحجم الكبير. 

 

1-متى ألف الإمام الكتاب؟ولِم لم ينشر في حياة المرشد رحمه الله؟

كتاب شعب الإيمان هو من أوائل الكتب التي خطها الأستاذ بيمينه، فقد ألفه بعد كتابه “الإسلام غدا”، وانتهى من خطّه سنة 1395 / 1975.

جمع رحمه الله أحاديث الكتاب ورتبها وهو في سجنه بعد كتابته لرسالة “الإسلام أو الطوفان” التي اعتقل على إثرها سنة (1394ه-1974م)، فاعتمد ابتداء في تأليفه على ما كان بحوزته من مصنفات الحديث مما وصل إليه وهو في معتقله، وكانت خمسة كتب من بينها “رياض الصالحين” للنووي، و”الترغيب والترهيب” للمنذري، وبعد خروجه من سجنه واطلاعه على متون السنة من مظانها ومن بينها ما صنف في شعب الإيمان، أضاف إلى الشعب أحاديث أخرى.وهذا هو دأب الكبار من العلماء، كانوا يهذبون مصنفاتهم ويحبرونها وينقحونها.

بقي الكتاب مخطوطا، وألفت كتب بعده، فقدمت عليه في الطباعة والنشر لمقاصد وغايات.

سَلَّمَ الإمام “شعب الإيمان” إلينا بعد مدة للاشتغال على إخراجه.كنا نطلعه على ما توصلنا إليه من تخريج للحديث وشرح لغريبه، فيستحسن رحمه الله ذلك، ويطلب منا عدم العجلة في إخراجه حتى نتقن العمل، قال : “حتى ولو صدر هذا الكتاب بعد وفاتي فلا بأس”، فكان له ما أراد.

2-ما العمل الذي قمتم به في إخراجكم للكتاب؟

هذا شرف لي وحظوة أن أكون ضمن من يخدم فكر الإمام وتراثه، أنا وزمرة من الباحثين الذين استفرغوا جهدا استثنائيا لإخراج هذه الدُّرة التي تركها الأستاذ الإمام: تخريجا لأحاديثها، وشرحا لغريبها، ومراجعة لمتونها، وأخص بالذكر والتبجيل فضيلةَ الأستاذ القدير الدكتور عبد اللطيف أيت عمي والدكتور رشيد عموري وغيرَهما من الباحثين الجادين، فلهم على ما نقحوا وحققوا وشرحوا جزيل الشكر، ولهم من الله الثواب والأجر.

من جملة ما قمنا به أننا:

-وضعنا ترقيما متسلسلا للأحاديث، فبلغ عدد أحاديث الشعب بحمد الله تعالى واحدا وخمسمائة وألفي حديث (2501).

-شرحنا غريب أحاديث شعب الإيمان، حيث شُرِحت الألفاظ في سياقاتها، وغضضنا الطرف عن معانيها غير المرادة في الحديث، مستعينين في ذلك بمصنفات غريب الحديث ومعاجم اللغة، فضلا عن شروح متون السنة.

-خريجنا أحاديث شعب الإيمان، ونصصنا على درجة الحديث: صحة وحسنا وضعفا، وللإشارة فإن أغلب أحاديث الشعب هي من قبيل الصحيح والحسن، ومنها ما قصر عن هاتين الرتبتين، فكان ضعفه خفيفا، وليس فيه بحمد الله ما اشتد ضعفه أو رواه كذاب أو متروك أو منكر الحديث.

3-ما القيمة العلمية التي أضافها الكتاب؟

لقد اهتم العلماء بالتأليف في شعب الإيمان جمعا وترتيبا للأحاديث المتعلقة بها، وكان الدافع لهم إلى ذلك تحديدَ وتفصيلَ ما أجمله الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: “الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ – شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لا إِلَهَ إِلا اَللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ اَلأَذَى عَنِ اَلطَّرِيقِ، وَاَلحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ اَلإِيمَانِ”، فجمعوا ورتبوا وبوبوا، وصححوا وضعفوا، وعدّلوا وجرحوا، وذلك بحسب غاياتهم ومقاصدهم التي أفصحوا عنها في مقدمات كتبهم، ولا شك أن الإمام استفاد من هؤلاء، لكنه لم ينح نحوهم في الترتيب والتبويب.

الترتيب: إنّ الإمام نَظَر في آي الذكر الحكيم، وخَبر سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة، واستحضر أعمال القلوب والجوارح وما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة، فوضع ترتيبا لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وفق مقاصد تربوية، وأهم ميزات هذا الترتيب:

-أنه لم يجعل الفرائض وحدها، والسنن والمستحبات وحدها، وإنما رتب ذلك ترتيبا سلوكيا يُسهِّل سلوك المسلم في جماعة المسلمين.

-أنه لم يرتب الشعب ترتيب كتب الحديث وشعب الإيمان، (أبواب الإيمان والطهارات والعبادات والمعاملات والأقضية والآداب والأخلاق…)، وإنما ركَّب ومزج بين هذه الأمور كلها بما تقتضيه مراحل التربية.

-أنه معراج سلوكي، ومرقاة موصلة إلى ذرى الإحسان، يرتفع عليه المومن وجماعة المومنين.قال رحمه الله: “ثم إننا لم نضع لا إله إلا الله في أول الشعب فهي أعلاها، إنما مهدنا لها بشعب الصحبة والجماعة لأسبقية العامل الاجتماعي -الوارد والمربي والرفيق- في التأثير فإنما آمن من آمن لأنه سمع من دعاه للإيمان وصدقه واتبعه، وإنما كفر من كفر وانحرف من انحرف بتأثير البيئة أول شيء.” المنهاج 121

التبويب: جعل الإمام الشعب عشر فئات، سمى كل فئة خصلة، وضمّن كل خصلة عددا من الشعب، وكل شعبة موضوعات وعناوين على شاكلة أبواب كتب المحدثين، وكل عنوان أدرج فيه عددا من الأحاديث. وبَيْنَ الخصال والشعب والعناوين علاقات دلالية، وهو تقسيم لم يسبق إليه فيما أعلم.

وشعب الإيمان فيها أمهات، والخصال العشر فيها كليات وفيها مكملات، فيها عمد وفيها فضلات باصطلاح النحويين، الصحبة والجماعة والذكر والصدق أمهات الخصال وعُمَدُها، والخصال السبع الأخرى مكملات، وهكذا الشعب، وهذا الترتيب راعى هذه الخصيصة.

4-صلة الإمام بالسنة المشرفة والحديث النبوي الشريف

-الإمام رحمه الله تعالى كان متبعا لسنته صلى الله عليه وسلم، ومقتديا بهديه، في خلقه، في وعظه ودروسه ومكتوباته، في بيته ومع جلسائه، في عمله ومع الناس أجمعين، يأخذ بالعزائم والرخص، وييسر على الأمة في أمر دينها شعاره في ذلك: “للأَيْسَرِ مِلْ تُكْفَ الْكُلَفْ”.

-أحيا فينا الإمام سننا كادت تندرس وينطفئ نورها، في العبادات والمعاملات والفقه السياسي…،أحيا فينا سنة الجمع بين العدل والإحسان، أحيا فينا سنة قول كلمة الحق للجائر والظالم والفاسد والمستبد.أحيا فينا سلوك الفرد داخل الجماعة، أعلى من شأن الصحبة لأنها محور أساس في التربية والبناء والتغيير، وجعلها مع الجماعة وفي الجماعة.

-كان رحمه الله كثير النظر في كتب الحديث النبوي الشريف، زرته مرة في رفقة فأعلمني أنه ذلك اليوم ختم مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني نظرا وتفقها، والمسند ينوف عن ثلاثين ألفِ حديث، وكان قد اعتمده كثيرا في “شعب الإيمان”.

-أخذه بالصحاح والحسان من الأحاديث، وعمله في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف إن ضعفه خفيفا، ورده للأحاديث الموضوعة وتنبيهه عليها، من ذلك ما ذكره في تنوير المؤمنات عن أحاديث مختلقة تحط من قيمة المرأة، ومن ذلك كذبة: «شاوروهن وخالفوهن» التي يكذبها فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين شاور أم سلمة زوجه في صلح الحديبية وأخذ برأيها.

-رحل إلى المحدث الكبير عبد الله بن الصديق الغماري لطلب الحديث، حيث حدثه بحديث الرحمة المسلسل بالأولية، وأجازه إجازة عامة في مروياته، وكان ذلك بمعية الأستاذ محمد عبادي سنة 1979.

-كان مجلا للمحدثين كالبخاري ومسلم والشافعي وأحمد بن حنبل والخطيب البغدادي والإمام النووي…، وكان يثني عليهم وعلى خدمتهم الجليلة التي قدموا للحديث الشريف دراية ورواية.

5- ما موقع الكتاب من المشروع التغييري الذي وضعه الإمام وتحمل لواءه الجماعة؟

إن شعب الإيمان بتعبير الإمام رحمه الله هي “ركائز سلوكية لا يمكن لطامح في مقامات الإحسان وسلوك طريق العرفان أن يتجاوزها أو أن يتنكبها”، وهي إما أعمال تنتج الإيمان كقول الكلمة الطيبة، أو أعمال ناتجة عن الإيمان كإماطة الأذى عن الطريق، أو مواقف قلبية موجهة لعمل المؤمن كالحياء كما ذكر الأستاذ في مقدمة الشعب.والمشروع التغييري الذي سطره رحمه الله منطلقُه هي هذه الشعب، إذ هو دعوة إلى تغيير ما بالنفس وما بالأمة، ضمن سلوك جماعي، هو عبارة سُلّم به دَرَج، يسلكه المؤمن داخل جماعة المسلمين، شعاره الخطاب القرآني الخالد: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان).ولقد كان هذا الكتاب أعني “شعب الإيمان” هو المادة الخام لعدد من مصنفات الإمام وعلى رأسها “المنهاج النبوي” وكتاب “الإحسان”.