أجرى موقع الجماعة نت حوارا مع الدكتور عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة القاضي عياض، حول المشهد السياسي المغربي؛ رصدا للأحداث التي تتالت منذ انتخابات 7 أكتوبر وصولا إلى تشكيل الحكومة، وتسليطا للضوء على الوثيقة الدستورية وفصولها التي أثارت الجدل منذ 2011 وما تزال.
فيما يلي نص الحوار:
أستاذ عبد الرحيم العلام، الآن وقد انتهى المشهد السياسي إلى ما انتهى إليه من بلوكاج وحكومة على المقاس ومن تعسف واضح على الدستور وعلى الانتخابات. ما هي الخلاصات السياسية الكبرى التي انتهيت إليها لما بعد 7 أكتوبر؟
بداية لا يمكن أن نقول انتهى إلى ما انتهى إليه، بحيث لا زلنا في معمعان الأحداث. في جانب آخر لا أعتقد أن هناك تعسف على نتائج الانتخابات أو سد القوس.. الأمر هو مسلسل من الالتفافات التي بدأت منذ 1959 إثر محاولة المغرب الانتقال إلى صفوف الديمقراطية وإجهاض حكومة عبد الله إبراهيم سنة 1959 لدواع نفسية متعلقة بحسد وبمؤامرات وبكواليس وبوضع عصا في دواليب الاستمرارية لإرغام عبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد على مغادرة الحكومة، ثم شرعنا في مسلسل من الحكومات المتتالية وأُتي بدستور 1962 وتم إجهاض تجربة وضع دستور تنتجه هيأة منتخبة، دستور ديمقراطي، وأُوتي بدستور 62 وبعد هذا التاريخ نعلم ما الذي حصل؛ حالة الاستثناء 1965 وتعديل الدستور بطريقة فردية من طرف الحسن الثاني رغم أن دستور 62 لم يعطه حق التعديل، ومحاولة الانقلاب، وبعد ذلك توالت حكومات التقنوقراط التي كان يقول عنها الحسن الثاني أنه يمكن أن يعين سائقه رئيسها.
ومضى الأمر على ذلك المنوال إلى سنة 2007 ورأينا كيف أن نسبة المشاركة أصبحت 37% من المسجلين بعدما كانت 82% سنة 1962، فإذن فهو مسلسل إبعاد ممنهج للمواطنين من المشاركة في الحياة السياسية، والذي يحدث اليوم هو استمرارية لهذا الحدث.
فإن قلنا اليوم أن هناك تعسف على النتائج نكون وكأننا أقررنا أنه في مراحل سابقة تم احترام النتائج، ثم أصلا كيف بنيت هذه النتائج؛ نعلم أن الذي حصل سنة 2011 الحراك الديمقراطي، وكان هناك التفاف ما بين خطاب رسمي يرفض التجاوب مع المطالب إلى خطاب 9 مارس الذي يبدي نوعا من التجاوب، لكن فيما بعد جاءت لجنة معينة، أعضاؤها معروفون بولائهم للسلطة أنتجب مجموعة من المقترحات ووثيقة دستورية قيل أنها جديدة، ولكن في الحقيقة هي تعديل لدستور 1996 واستمرارية له، بل فيها حتى ما هو تراجع على دساتير سابقة كدستور 1962. هاته الوثيقة قاطعها مجموعة من الفاعلين السياسيين وهيئات مدنية وسياسية، ووافقت عليها أحزاب سياسية ضمنها حزب العدالة والتنمية الذي وافق على دستور ليست فيه تحديدات وضحة، من ذلك الفصل 47 غير الواضح ويعطي أكثر من إمكانية لرئيس الدولة.
ما اعتبرته نوعا من الاستمرارية في المغرب منذ 1959 هي قراءة مخالفة لقراءات أخرى ظهرت في المغرب مع 2011، مع الربيع العربي ومع حركة 20 فبراير، لذلك أسميناها نوعا من التعسف مسايرة لقراءات أخرى موجودة في الساحة؛ ترى بأن مغرب ما بعد 2011 دخل مرحلة جديدة، فيها دستور جديد أنهى مع ملكية تنفيذية، ووقع نوع من الاحترام لانتخابات 2011 و2015، لذلك فهناك قراءة سياسية أخرى لا تقول بالاستمرارية ولكن بحالة جديدة جاءت بعد 2011.
أنا لست في اتفاق مع هاته القراءة، أنا أعتقد أننا لا زلنا في نفس المسلسل، هناك التفافات دائما؛ في كل لحظة حاسمة يقع التفاف، فحكومة عبد الإله بن كيران في 2011 هي التفاف على المطالب الحقيقية التي كان يطلب بها جزء من الشارع المغربي؛ وعلى رأسها دستور ديمقراطي ينتجه هيئة منتخبة ويعطينا ملكية برلمانية حقيقية على الأقل كحد أدنى وليست ملكية تنفيذية، الدستور الذي أنتج ليس جديدا هو فقط تعديل لدستور 1996، لم يأت بمستجدات كثيرة باستثناء مأسسة رئاسة الحكومة ولكن أعطى صلاحيات واسعة للمؤسسة الملكية، وهناك عدة فصول تعطي للملك صلاحيات واسعة من ضمنها تعيين رئيس حكومة من الحزب الأول وليس بالضرورة أمينه العام، ولا تحدد له مهلة للتشكيل ولا تعطينا ترتيبا معينا في حالة وقوع بلوكاج، وبخصوص التقطيع الانتخابي تم تعديل الدستور ولكن حافظنا على التقطيع الانتخابي الموروث كما هو، كما أن الدستور لم ينص على هيئة عليا مستقلة للانتخابات لأجل الاحتكام إليها، ودعني أقول لك أن انتخابات 2016 كانت من أسوء الانتخابات في المغرب وأكثرها فسادا، هذا ليس قولي أنا ولكن بيانات الأحزاب السياسية التي شاركت فيها، كلها اشتكت من ممارسات معينة، هناك من اشتكى من توظيف المال والدين، وهناك من اشتكى من تدخل السلطة، بيانات كل الأحزاب السياسية إلى اللحظة شاهدة على أنها اشتكت من وزارة الداخلية، حتى وزير العدل نفسه في لحظة من اللحظات لم يكن ضمن اللجنة الثنائية للإشراف على الانتخابات، تلك اللجنة لم يشارك وزير العدل وزير الداخلية حين تم الإعلان عن النتائج، وحزب العدالة والتنمية الذي كان يقود الحكومة نفسه ذهب وأعلن نتائجه بمفرده بمعنى أنه لم يكن هناك ثقة بين أطراف اللعبة السياسية. ابن كيران يقول أنه حورب ومنع، إذن لم تكن هناك أصلا منذ 2011 رغبة في تأسيس ديمقراطي.
لا ينبغي أن يفهم من كلامي هذا أنني أنكر أن هناك تحول معين، غير أنه غير منسوب لأشخاص معينين أو جهة معينة، هذا تطور طبيعي يحدث في جميع البلدان بشكل عام، حتى إذا تركت الأمور على حالها فهي تتطور ولكن هل التطور يحدث كما ينبغي أم أن هناك تخلف أو تباطؤ في الخطوات. أنا أعتقد أن هناك تباطؤ، كان ينبغي أن نتحول بسرعة أكبر. أكثر من ذلك هناك أمور وقعت فيها تراجعات، وأنا أعطيت مثالا فقط بدستور 2011 مع دستور 1962، كانت هناك مبادرة تعديل الدستور خاصة بالبرلمان وبالوزير الأول، اليوم لدينا مبادرة تعديل الدستور أصبحت مسيجة بأكثر من شرط وكذلك البرلمان وأصبح الملك يحتكر تقريبا السلطة التأسيسية الفرعية لتعديل الدستور، حتى هذا تراجع على مستوى الدستور بين 2011 و1962.
دائما في البحث في بعض التفاصيل الدالة، كيف يمكن لحكومة أن تجد كل العراقيل التي تمنعها من التشكل طيلة 5 أشهر، ثم فجأة تنتهي كل تلك العقبات لتتشكل في 15 يوما، مع أن الحزب المكلف نفسه؟ ما دلالة ذلك؟
هذه الأمور كلها كانت متوقعة منذ سنة 2011 عندما أخرج ابن كيران لسانه ليدافع عن الدستور وعما يحدث ويحذر فيه من مغبة ما يحدث في بلدان أخرى، كان ابن كيران في هذه السنوات الخمس كلها يدافع عما حقق، كان يخاطب وزير الداخلية ويقول له يا سيدي يا حصاد نحن كنا في تأخر اليوم نحن في تطور، حزب العدالة والتنمية عليه أن يقبل بما طالب الناس بالموافقة عليه، طالبهم باحترام الدستور عليه أن يحترم الوثيقة الدستورية، طالبهم باحترام المؤسسات عليه أن يحترم أيضا المؤسسات، المؤسسة الملكية اختارته في البداية ولم يتوفق أو لم يوفق، أفشل أو فشل، المحصلة أنه لم يتوفق، كان للملك رأي آخر وعين شخصا من نفس الحزب فيسرت له الأمور، هذه كلها أمور من داخل اللعبة السياسية مقبولة وعادية بمنطق اللذين يقبلون باللعبة السياسية، قبل بهذه اللعبة وبصم بالعشرة على الوثيقة الدستورية ودافع عما يحدث، إذن عليه أن يقبل بما حصل، هل إذا كان الأمر في صالحه فهو جيد وإن كان غير ذلك فهو سيء. فقد كانت هناك اعتقالات، اعتقل علي أنوزلا، منع المعطي منجب، اعتقالات في صفوف ناشطي 20 فبراير، بل هناك حتى وفيات، كل هذه الأمور استمرت سنوات ومع ذلك كان حزب العدالة والتنمية يروج لجَنّة الديمقراطية وحقوق الإنسان فلا يمكنه اليوم أن يقول شيئا، أعتقد أن كل الخطوات إلى حد اللحظة تتوافق ومنطق الاشتغال من داخل المؤسسات ولا يوجد فيها أي خرق للدستور الذي صادق عليه حزب العدالة والتنمية وصادقت عليه ما أسميه جبهة «نعم للدستور» إذن هذه لعبة سياسية فيها اليوم رابح وفيها خاسر وبالتالي من يقبل الاشتغال من داخلها فعليه أن يتحمل نتائجها.
هل انتهينا إلى ما قاله بعض الباحثين عقب الانتخابات التشريعية من أن الحزب الأول حصل على “فوز بطعم الهزيمة” وأحزاب الأحرار والاتحاد والدستوري حققت “هزيمة بطعم الانتصار”؟
إذا كان حزب العدالة والتنمية واعيا جدا ويعرف ما الذي حصل وما الذي ينبغي أن يقوم به، ففي نظري يمكن أن أقول أنه سيخرج في هذه اللحظة من أكبر المنتصرين داخل أحزاب جبهة «نعم للدستور»، لأن ما حدث اليوم قد يضيف شعبية معينة لحزب العدالة والتنمية ويضعف الأحزاب الأخرى، ولكن هل حزب العدالة والتنمية سيفهم هذه المسألة وسيتراجع عن الخطوات التي كان يقوم بها ويضع مسافة بينه وبين السلطوية ودفاعه عنها؟ هل سيراجع مواقفه وسياساته داخل البرلمان وداخل الحزب ويتوقف عن الدفاع المستميت عن كل ما يحدث؟ لأن ليس كل يما يحدث هو إيجابي، إذن الأخطاء التي ارتكبها خلال هذه الخمس سنوات ومساهمته فيما يعتبره اليوم تحكما، هو وحزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية، هاته الأحزاب في لحظة من اللحظات كانت تخدم ما يسمونه اليوم بالتحكم، عندما شارك في الحكومة ساهم في ما يسمى بالتحكم، عندما انسحب حزب الاستقلال من الحكومة وكاد أن يسقطها فهو آنذاك كان يخدم التحكم، التقدم والاشتراكية عندما أصدر بياناته يعارض فيها 20 فبراير ويدعو الناس إلى الابتعاد عنها كان يخدم ما يسمونه «التحكم»، ولكي نوضح فهناك سلطة ومؤسسات هي التي تحكم في البلد، الأمور كلها تدبر من طرف جهة واحدة، هناك دولة واحدة هي التي تسير الأمور، لا يوجد ما يسمى بـ«الدولة العميقة»، الدولة العميقة كانت موجودة في تركيا وموجودة في مصر، عندما تكون المؤسسات قوية، نحن عندنا مؤسسة قوية وهي المؤسسة الملكية والكل يدور في فلكها ولا يوجد دولة عميقة، الجيش يأتمر بأوامر المؤسسة الملكية وكل السلطات؛ السلطة القضائية والسلطة التشريعية والسلطات التنفيذية كلها تشتغل وفق منطق المؤسسة الملكية، وهي التي تقدم توجيهات لمؤسسة البرلمان والمؤسسات التنفيذية بدليل ما يحدث اليوم.
البلوكاج الحكومي والمدة التي استغرقها والطريقة التي أعفي بها بنكيران وتعيين شخصية العثماني من نفس الحزب، ألقت الضوء على “المساحات البيضاء” التي تركت في الفصل 47 من الدستور و”الإمكانات الخفية” التي يتيحها الفصل 42 للملك. من وجهة نظر دستورية كيف يقرأ هذا الفراغ الذي يعطي الملك إمكانيات التأويل والتحكيم والحسم؟
الواقع أن هذه الفراغات هي ليست اعتباطية أو مصادفة، كانت هناك آراء ومواقف أثناء النقاش حول الاستفتاء على الدستور كانت تقول بأن هناك ثغرات وبياضات في هذه المسودة عندما كان الدستور مسودة، ومن ضمن النقاشات التي كانت مطروحة، وشخصيا كتبت في الموضوع في حينه، أن الفصل 47 من الدستور لا يعطي مهلة لتشكيل الحكومة ولا يعطي في حال إذا ما فشل الحزب الأول ما الذي سيحدث، كانت هناك نقاشات وأعتقد أن أحد الذين شاركوا في صياغة الدستور قال بأن هذا الأمر كان مطروحا أمامهم ولكنهم لم يرغبوا في تسييج القرار الملكي أو إعطائه فقط مجال واحد للعمل، وبالتالي تركوا له مجالات حسب السياق لأن 2011 ليست هي 2016، ربما تركوا المجال للملك حتى يكون له اختيارات متعددة حسب السياق وحسب الظروف، فإما أن يختار من نفس الحزب أو من الحزب الثاني أو يعلن عن انتخابات جديدة، إذن فالأمر كان مطروحا والمشكل ليس في وجود بياضات ولكن المشكل في الذين وافقوا على الدستور، بمنطق الدستور لأنه لا يتحدث عن كل شيء، هناك القوانين الدستورية وهناك العرف الدستوري الذي تنتجه السلطة التنفيذية خاصة سلطة رئيس الدولة.
إذن فالأمر عادي جدا أن يكون هناك ثغرات والفرقاء يتوافقون على الأمر ويتركون للعرف الدستوري لأن يكمل هذه البياضات، اليوم عندنا ممارسات دستورية، وهو اسم يعطي لبعض الممارسات التي تقوم بها الرئاسة التنفيذية تأثرا بالتجربة الفرنسية للجمهورية الخامسة، تجربة ديكول، حيث كانت كثير من الأمور تكرسها ممارسة ديكول في السياسة وكانت أحيانا تلغي أو تعدل بعض البنود في الدستور خاصة إذا كانت إيجابية. إذن اليوم لدينا ممارسة دستورية يمكن أن تتحول إلى عرف دستوري ويمكن ألا تتحول، بالمنطق الدستوري المحض وبالقراءة البعيدة عن سياق الواقع أقول بأنه عادي جدا أن ينتج رئيس الدولة ممارسة دستورية قد يرغب فيها البعض ويرى فيها البعض بأنها غير ممكنة، ولكن في جميع الأحوال لا يمكن أن نقول بأن اختيار الممثل من الحزب الثاني أو الذهاب إلى انتخابات ثانية؛ كلها إجراءات يمكن أن يضمنها ما يسمى سير القانون الدستوري بالممارسة الدستورية التي ممكن في لحظة من اللحظات أن تتحول إلى عرف دستوري.
أحد الذين شاركوا في لجنة المنوني قال بأنه ليست لدينا أعمال تحضيرية للدستور وبالتالي فالأعمال التحضيرية كان من الممكن أنها تفسر الوثيقة الدستورية، ولم تكن حتى لجنة تأسيسية لا من حيث المبتدأ ولا من حيث المنتهى، وبالتالي ليس المشكل فقط في هذه الثغرات أو حول الفصل 47 أو الفصل 42 أو الفصل 98.. بل المشكل هو واحد؛ «الباك» قبل به الذين قالوا نعم للدستور عليهم أن يلتزموا به أو ينسحبوا منها ويطالبوا بتعديلات دستورية والخروج من هذه اللعبة، ولأنهم قبلوا باللعبة وقبلوا بدستورها ما عليهم إلا أن يلتزموا بالمخرجات أو يلتحقوا بجبهة الرفض.
الفقيهة الدستورية رقية المصدق ترى أن دستور 2011 دستورا تقديريا خاضعا لسلطة التأويل الملكي، وهو ما عادت لتؤكده في حوارها الأخير مع أخبار اليوم عندما اعتبرت أن الدستور “يمنح الملكية صلاحية التصرف في الدستور، وكأن النصوص الدستورية يجب قراءتها وكأنها مذيلة بعبارة “إذا أراد الملك””. هل تتفق مع قراءة الأستاذة مصدق؟ وما تأثيرها إن صحت على الطبيعة الديمقراطية للدستور المغربي؟
نعم أتفق معها، لأن هناك مجموعة من النصوص في الدستور تترك الأمر في آخر المطاف للملك، عندنا في المغرب في الوثيقة الدستورية الملك ليس ملزما بأداء القسم من أجل احترام الدستور، عكس ما هو موجود مثلا في الأردن أو إسبانيا، في الأردن يؤدي الملك القسم باحترام الدستور وحتى ولي العهد يؤدي هذا القسم، والضامن عندنا لاحترام الدستور هو الملك، وهو الذي يؤوّل هذا الدستور، حتى المحكمة الدستورية اليوم من يشكلها؛ ستة (6) منهم يعينهم الملك، يعين 6 من 12 ومنهم الرئيس والرئيس يرجح 6، هؤلاء الذين يعينهم هم الذين سيؤولون الدستور، وأكيد أنهم لن يخرجوا عن التأويل الذي تعطيه المؤسسة الملكية للدستور، فإذا تدخلت مثلا اليوم المحكمة الدستورية فهي من خلال تركيبتها تسيطر عليها الرؤية الملكية للأمور، رأينا كيف أن رئيسها قبل يد الملك في بداية التعيين وبعد أخذ الصورة بدأ يهرول مرة أخرى لتقبيل يد الملك، حتى أنه أحرج الملك نفسه. لذلك لا أتوقع أن المحكمة الدستورية يمكن أن تقوم بالتأويل الديمقراطي. الأمريكيون يقولون بأن الدستور هو ما ينطق به قاضي الدستور، اليوم عندنا قضاء الدستور ولكنه مسيطر ومهيمن عليه من طرف المؤسسة الملكية. لاحظنا كيف تجري الأمور في السلطة القضائية، لدينا الدفع بعدم دستورية القوانين وغيرها.. لاحظنا كيف تشكلت السلطة القضائية وعدد الأعضاء الذين تم تعيينهم من طرف المؤسسة الملكية.
الشق الثاني من سؤالك؛ تأثير الأمر على ديمقراطية الدستور؛ أنا لا أعتقد بأن الدستور المغربي هو دستور ديمقراطي أولا تمثيله بمؤسسة ديمقراطية منتخبة ومن حيث طريقة الاستفتاء، لاحظنا كيف أنه قبل أن تبدأ حملة الانتخاب خطب الملك في الناس وقال أنا أدعو الناس إلى التصويت بنعم للدستور، لاحظنا حتى خارج المدة القانونية وزارة الأوقاف انخرطت بمؤسساتها وبخطبائها يدعون الناس إلى طاعة الله والرسول وأولي الأمر والتصويت بنعم على الدستور، لاحظنا أن مؤسسة الجيش وحاملي السلاح ذهبوا للتصويت. إذن الدستور ممنوح رغم أنه صودق عليه، إذ نعلم الظروف التي أجري فيها الاستفتاء، والناس الذين قاطعوا الاستفتاء منهم من يحاكم إلى اللحظة، وكانت هناك مشاكل، إذن من حيث الشكل ومن حيث طريقة الترويج للدستور، وإذا أردنا تجاوز الشكل والطريقة فمن حيث المضمون لا يمكن أن نتحدث عن ديمقراطية الدستور، بالتالي هذا أمر عادي لذلك قاطعه مجموعة من الناس، إذ لم يقاطعوه من فراغ ويلحوا على ذلك، نسبة التصويت في 2011 كانت أكثر لكن الظروف معروفة وطريقة التسجيل في اللوائح الانتخابية لأنه استثنى الذين هم غير مسجلين وبالتالي كانت هناك عدة مشاكل مرتبطة بالتصويت، هناك 9 ملايين قالت لا للدستور زائد مليون ملغاة، وبالتالي ربما لا زلنا في طور النضال من أجل دستور ديمقراطي.
كلامك هذا يصنفك ضمن أصحاب القراءة التي تقول بأنه يتعذر أن نصل لتأويل ديمقراطي لدستور غير ديمقراطي، فالإشكال في النص وليس في التنزيل والتأويل على اعتبار أن مفردتي التنزيل والتأويل سادتا طيلة 5 سنوات الماضية، هل ترى من الممكن أن نستكمل النص الدستوري بتنزيل ديمقراطي؟
بعض الناس يعتقدون أن الإشكال هو فقط في التأويل، التأويل تقوم به المحكمة الدستورية، قبل التأويل حتى في النصوص الواضحة هل يمكن أن نتحدث عن فصل للسلط داخل دستور 2011، هذا غير ممكن، لذلك فهي سلطة تنفيذية بدليل أن الملك يعين في أكثر من 37 مؤسسة، وهذا يطرح السؤال ما علاقة التعيين الملكي للمدير المسؤول عن المتاحف أو المسؤول عن الفروسية أو الماء والكهرباء؟ مسألة الماء والكهرباء هي مسألة عادية يمكن أن تتحمل مسؤوليتها الحكومة، ما الذي يجعل مثلا المؤسسة الملكية تعين رئيس الوقاية من الرشوة وغيرها من المؤسسات؟ إذن نحن أمام سلطة تنفيذية، كيف أن السلطة التنفيذية رئيسها هو الذي يرأس المجلس الأعلى للقضاء، كيف يمكن الحث على فصل السلط في حين رئيس السلطة التنفيذية هو الذي يرأس السلطة القضائية، الملك هو الذي يرأس المجلس الوزاري الذي تصاغ فيه كل السياسات العمومية في المغرب، ولا يمكن أن يمر شيء دون السماح له من داخل المجلس الوزاري. كما أن التوجيهات التي يقوم بها في البرلمان، وافتتاحه له، إعلان حالة الاستثناء بالطريقة الموجودة في الوثيقة الدستورية التي لا تتضمن شروط صارمة أو موافقة البرلمان أو الإلزام بمدة معينة.. كل هذه الأمور واضحة تعطينا أنه المنطق الديمقراطي في الوثيقة الدستورية يبقى بعيدا؛ حل البرلمان لا تقابلها أي إجراء اتجاه السلطة التي تريد أن تتدخل فيه، اليوم مجلس النواب يمكن أن يحله مجلس الحكومة ويمكن أن يحله الملك، إذن فسلطة الحل مزدوج ما بين الملك وبين رئيس الحكومة لا تقابلها فقط مجلس النواب يمكن أن سحب الثقة من الحكومة، ولكن البرلمان لا يمكن أن يفعل أي شيء اتجاه الملك. فهذه نصوص واضحة لا تحتاج للتأويل!!
بعد الذي حدث عقب انتخابات 7 أكتوبر إلى تشكيل حكومة السيد العثماني، هل يمكن أن نقول أن انحناءة النظام لعاصفة 2011 انتهت، خاصة أن مؤشرات أخرى حقوقية واجتماعية تعزز هذا القول؟
بخصوص الاحتجاجات والحراك إن قال لك شخص بأنه يتنبأ بحدوثها أو عدمه فأعتقد أنه كاذب لأنها تشبه الزلازل، تشبه الأحداث الطبيعية؛ الحريق، البركان.. اليوم العلم يمكن أن يتنبأ ببعضها ولكن لا يمكن أن يمنعها. من كان يقول بأن تونس يمكن أن يحدث فيها حراك، فقد كانت مرتبة في متقدمة في تقرير التنمية البشرية في الوقت الذي كان فيه المغرب في الرتبة 124، تونس كانت من أفضل الدول العربية غير البترولية في ترتيبها على مستوى التنمية البشرية، الرئيس آنذاك ساركوزي خطب في الناس قال خبراؤنا كانوا لا يتوقعون إطلاقا أي احتجاج. من يقول الآن بأن الحراك انتهى والقوس انتهى، صعب أن نقول بأنه سيحدث حراك أو لن يحدث، المؤشرات اليوم تدل على أن هناك احتقان، ما حدث مثلا في الحسيمة طيلة شهور متعددة في الوقت الذي ظن الناس بأنه سوف يخبو كما العادة، ومع ذلك هناك احتجاجات إلى اللحظة في الحسيمة كلفت ربما إبعاد وزير الداخلية والإتيان بشخص جديد، كلفت السلطة أن تجلس مع المجتمع مع المحتجين مباشرة ودون وساطات حزبية، والعدوى تنتشر في مناطق متعددة وبالتالي المؤشرات حاضرة يمكن أن تنتج حراكات معينة ويمكن أن لا تنتج في اللحظة.
من غير الوارد إطلاقا أن يستمر الأمر إلى ما لا نهاية، قد يطول قد يقصر يمكن أن الدولة من تلقاء نفسها تقوم بإصلاحات حقيقية تساعدها على تجاوز الأزمات. التجربة الإسبانية أنتجت لنا أن الدولة أو النظام السياسي يمكن أن يبادر إلى إصلاحات حقيقية تساعده على الخروج من أزماته، وممكن لا، من خلال التاريخ وقراءتنا للأزمات لابد أن يكون هناك تفاعل بطريقة معينة من طرف المؤسسة الملكية مع المطالب.
هل يمكن الآن أن نقول أنه انتهت عملية الالتفاف من طرف النظام لصالح تعاطي مباشر خشن بعيد عن المرونة؟
لا أعتقد، عملية تدارك الأخطاء بالاستجابة لجزء من المطالب الشعبية لا تزال مستمرة وإلا ما الذي جعل الملك اليوم يعين شخصا آخر من داخل حزب العدالة والتنمية في حين كان من الممكن أن يذهب إلى الحزب الثاني أو الثالث أو القيام بانتخابات جديدة بعدما يتم التحكم بشكل كبير في الخارطة السياسية، ما الذي جعل مثلا أن الملك يستقبل العثماني قبل انعقاد المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، ما الذي كان يفرض عليه أن يقول له بأنني لا زلت راغبا في الاشتغال مع حزبكم قبل موعد انعقاد المجلس الوطني لولا أن هناك حزب العدالة والتنمية مرغوبا للمساعدة في القيام بأدوار معينة استطاع أن يقوم بها فعلا في 2011، صحيح أنه في صراع حول المشروعية الشعبية، ابن كيران كان يمكن أن يضر بمشروعية معينة بنيت منذ سنوات وعقود ولكن هذا لا يعني بأنه تم الحسم كليا بأن هذه المرحلة تم تجاوزها وبالتالي نعود إلى التحكم الخشن، أعتقد بأن المسلسل لا زال مستمرا على النهج الذي بدأ في 2011.