اعتبر الدكتور مصطفى الريق، عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، أن إثارة موضوع القوى المجتمعية وتنمية الوعي السياسي له أهمية قصوى لأن “القوى المجتمعية” هي أمل المغاربة، و“الوعي السياسي” هو همُّ كل الشرفاء والفضلاء في هذا البلد.
الدكتور الريق الذي كان يتحدث في الندوة الحوارية المباشرة التي نظمتها جماعة العدل والإحسان يوم السبت 18 فبراير 2023م في سياق تخليدها للذكرى الأربعين لتأسيسها والتي اختارت لها موضوع “القوى المجتمعية وتنمية الوعي السياسي: الأدوار والفرص والتحديات”، بسط في مداخلته دور جماعة العدل والإحسان في تنمية الوعي السياسي بالمغرب والفرص والتحديات التي تعترضها في ذلك.
وقد استجلى الفاعل النقابي هذا الدور من خلال ثلاث قضايا: أولها مركزية الإنسان في مشروع العدل والإحسان؛ واستدل الريق على ذلك عبر عدة ملامح تصورية وعملية منها على سبيل المثال أن أول ما خطه الإمام من الكتب كان من أجل تغيير الإنسان، ويقصد كتاب “الإسلام بين الدعوة والدولة” الذي يتضمن عنوانا فرعيا هو “المنهاج النبوي لتغيير الإنسان”، كما ذكَّر المتحدث بحديث الإمام ياسين رحمه الله في ندوة رفع الحصار عندما سُئل عن برنامجه بعد رفع الحصار، قال: “التربية أولا، التربية ثانيا والتربية ثالثا وأخيرا..” والإمام، يشرح الريق، إنما يقصد “الاهتمام بالإنسان”.
وثاني هذه القضايا يواصل أستاذ التعليم العالي هو “العدل”، الذي يعدّ أحد الأركان الأساسية لمشروع جماعة العدل والإحسان على عكس كثير من المشاريع الأخرى. وقد حاول المتحدث استجلاء هذا الحضور الكبير لقضية العدل سواء في مكتوبات الإمام رحمه الله (مثال ما جاء في رسالة “الإسلام والطوفان”)، أو الأدبيات الصادرة عن الجماعة (مثل “رسالة من أجل الخلاص” الصادرة عن الدائرة السياسية للعدل والإحسان)، وكذا، يضيف المتحدث، الانخراط العملي للجماعة في مطالب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ومنابذة الظلم والجور.
أما القضية الثالثة من القضايا التي وضّح من خلالها القيادي في الجماعة دور العدل والإحسان في تنمية الوعي السياسي فهي “الحسم المبكر مع معاول الهدم” وهنا استحضر المتحدث “اللاءات الثلاثة” للجماعة ( لا للسرية، لا للعنف، لا للتعامل مع جهات خارجية) في وقت، يوضح الريق، كانت فيه السرية موضة، والعنف يغلب على الحركات التغييرية.
وبعد هذا البسط لهذه القضايا المحورية، انتقل الدكتور الريق إلى دور آخر لا يقل عن ما سبق هو حرص الجماعة على “تأهيل الصف الداخلي للجماعة والإسهام (مع باقي الفاعلين، ولا تدعي ذلك وحدها يستدرك عضو الأمانة العامة) من خلال مشروعها التجديدي في تنمية هذا الوعي”، من خلال خصوصيات ركز منها على طبيعة القراءة التي أنجزتها الجماعة للتاريخ السياسي الإسلامي؛ إذ اعتبر الريق أن الجماعة “تؤكد أن هناك أصلا أصيلا ومرجعا أساسيا في نظرتنا للتاريخ وهو الوحي الكاشف للانحراف الذي وقع مبكرا في تاريخ الأمة، ثم الصدمة الأخرى هي صدمة الاستعمار حيث وقع جزء من النخبة في تقليد الغالب، ثم نظرة الجماعة للفقه، إذ انتبهت إلى تحول دقيق للفقه بعد الانكسار التاريخي من الاهتمام بالقضايا الكبرى للأمة إلى التركيز على قضايا الفرد (الانحباس الفقهي)”.
وأضاف إليها الريق خصوصية أخرى تتعلق بمقاصد الشريعة حيث دعت الجماعة من خلال مشروع الإمام، إلى الانتقال من صيغة الحفظ الواردة في أدبيات العلماء إلى صيغة المطالبة أي مطالب الشريعة عوض مقاصد الشريعة. وكذا “نظرة الإمام رحمه الله والجماعة للمرأة تأكيدا على دورها في التغيير ومحوريتها في الأسرة، وإقرارا بخصوصيتها وبتكاملها مع أخيها الرجل، حيث اعتبرها الإمام ياسين رحمه الله مستضعفة المستضعفين”.
ومن هذه الخصوصيات المميزة للخطاب والسلوك السياسي للعدل والإحسان، حسب الدكتور الريق دائما، تقدير الجماعة للتدافع السياسي، فنجد بأن الجماعة، بحسبه، “دعت إلى الخروج من ثنائية: الخروج العنيف على الحكام أو الانبطاح والاستسلام. وبالمقابل دعت إلى قوة في غير عنف، ورفق في غير ضعف”. وربط المتحدث بين هذه الخصوصية وأخرى تابعة هي نظرة الجماعة إلى الفاعلين السياسيين حيث يغلب، يؤكد الريق، على مكتوبات وحوارات وإصدارات الجماعة الدعوة والتركيز على الحوار (حوار الإمام مع النخبة المغربة، حوار مع صديق أمازيغي، حوار مع الفضلاء الديمقراطيين،…)، والأهم يواصل الريق هو نقل الجماعة لهذه المقاربة في التعاطي مع الفضلاء من النظرية إلى الواقع مما يعلمه الجميع اليوم.
وقد أرجع الدكتور مصطفى الريق هذا الدور المحوري للجماعة في تنمية الوعي السياسي إلى وجود فرص متاحة ذكر منها:
– وجود تصور منهاجي مكتوب يسهم بتقليص الاختلافات ويعصم من سوء التأويل، ويؤكد على أن الأصل هو مد اليد للفضلاء الذين يشتغلون لمستقبل البلد والأمة، وعدم الانجرار للنقاشات المفتعلة.
– وجود هامش من التواصل بين القوى المجتمعية.
– انفضاح جزء كبير من الشرعيات المزيفة التي كان يتدثر بها النظام سواء الدينية والتاريخية والسياسية…
وختم الريق مداخلته بالإشارة إلى جملة من التحديات التي لا تزال تعوق هذا الدور منها:
– تمييع المشهد السياسي: بالاختراق المخزني لمجموعة من القوى، وتفتيت وتفريخ كيانات وأحزاب وغيرها، ثم حصار وقمع وتشويه القوى الممانعة، إضافة إلى سياسة الإلهاء التي ينهجها النظام السياسي للوصول للوعي المقلوب عبر نقاشات مفتعلة (النموذج التنموي، الهدر المدرسي…).
– محدودية التواصل والحوار والتنسيق بين القوى المجتمعية: حيث يطغى عليها في نظره الطابع المناسباتي، وحضور بعض الحسابات الضيقة والاشتراطات، وغلبة التشخيص على الاقتراح…
– وجود منتظم دولي داعم للاستبداد.
وللإشارة فقد شارك الدكتور الريق تأطيرَ هذه الندوة الحوارية التي أدارها أشغالها الأستاذ أحمد الشراردي، وبثتها مباشرة بوابة العدل والإحسان وقناة الشاهد على صفحاتها الاجتماعية، كل من: الدكتور المعطي منجب: أستاذ جامعي ومؤرخ وناشط حقوقي وسياسي، والدكتور خالد البكاري: أستاذ التعليم العالي ومناضل سياسي وحقوقي، والدكتور نور الدين لشهب: صحافي وباحث في التواصل السياسي..