د. البكاري: الدور المركزي للقوى المجتمعية في المرحلة الراهنة هو “تفكيك السلطوية”

Cover Image for د. البكاري: الدور المركزي للقوى المجتمعية في المرحلة الراهنة هو “تفكيك السلطوية”
نشر بتاريخ

لخص الفاعل الحقوقي والسياسي الدكتور خالد البكاري الدور المركزي للقوى المجتمعية في المرحلة الراهنة في عبارة “تفكيك السلطوية” بديلا في رأيه، أو تجريبا لخيار آخر، بعد فشل خيار الانتقالات الديمقراطية، وخيار الإصلاح من الداخل، وخيار الثورة التي ظلت دوما مؤجلة.

البكاري الذي كان يتحدث في الندوة الحوارية المباشرة التي نظمتها جماعة العدل والإحسان يوم السبت 18 فبراير 2023 في سياق تخليدها للذكرى الأربعين لتأسيسها والتي اختارت لها موضوع “القوى المجتمعية وتنمية الوعي السياسي: الأدوار والفرص والتحديات”، ركز في مداخلته على أدوار القوى المجتمعية في بناء الوعي السياسي بالمغرب والتحديات التي تعترضها في ذلك. وأطر هذه الندوة إلى جانب كل من الدكتور مصطفى الريق عضو الأمانة العامة للدائة السياسية للجماعة، والدكتور المعطي منجب الأستاذ الجامعي والمؤرخ، والدكتور نور الدين لشهب الصحافي والباحث في التواصل السياسي.

في بداية مداخلته تجنب أستاذ التعليم العالي الخوض في الاختلافات المفهومية والإصلاحية لمعنى القوى المجتمعية تبعاً للحقل المرجعي المعياري، علم الاجتماع، العلوم السياسية إلى آخره، ولكنه نحى منحى إجرائيا في التعريف، وذلك بربط معنى القوى الاجتماعية بالتنظيمات التي لها، أو يفترض أنها لها، قدرة على التأثير في الاختيارات المجتمعية، سواء اختيارات الأفراد أو اختيارات الجماعات، بهدف قيادتها، حسب الذين يتبنون الرؤية الطليعية، أو مصاحبتها حسب الذين يتبنون الرؤية الإصلاحية، بهدف إحداث تغيير في البنية السياسية لغاية جعلها أكثر تعبيرا عن تطلعات المجتمع واحتياجاته.

وأضاف بأن القوى المجتمعية يفترض أن تمتلك مشروعا مجتمعيا، يتراوح بين أن يكون مشروعاً نقيضاً لذلك الذي تمتلك السلطة القائمة، في الحالة المغربية مشاريع اليسار الجديد السبعيني ومشروع جماعة العدل والإحسان، أو أنه يتقاطع مع مشروع السلطة في إحداثيات معينة ويتوازى معها في أخرى، كما كان حال مشاريع الحركة الوطنية، خصوصا في شقها التقدمي، أو قد تكون حاملة للمشروع نفسه الذي تدعي السلطة الدفاع عنه أو الترويج له، ويكون الإختلاف في الأجرأة لا في المنطلقات، ومثل لذلك من وجهة نظره الشخصية بنموذج حركة الإصلاح والتوحيد. مؤكداً بأنه لا يمكن الحديث عن تطابقات ماهوية، كما لا يمكن الحديث عن قطائع جذرية، فهناك دائما التقاءات قد تسمح في أي لحظة باجتراح طرق لتسويات نبيلة ممكنة، حيث تعتبر من وجهة نظره “رسالة إلى من يهمه الأمر للمرحوم الأستاذ عبد السلام ياسين مقترحا لهذه التسويات الممكنة أكثر منها إعلان البراء بالمفهوم السلفي، أو المزايدة”.

وأوضح المناضل الحقوقي بأنه يجب الانتباه إلى أن القوى المجتمعية لا تتباين من حيث المرجعيات الكبرى المؤطرة، أو ما نسميه بالإيديولوجيا، حيث مسكن السرديات الكبرى، هاته السرديات التي أصبحت في السنوات الأخيرة يقتصر مجال فعلها على الذوات التنظيمية الداخلية، وضعفت في القنوات الموجهة للخارج. وتابع بالقول بأنها لا تتباين على حسب المرجعيات الكبرى فقط، ولا على حسب المواقف السياسية التي بدورها تشوشت، بحيث لم يعد الفصل بين الثوري والإصلاحي واضحا، وأصبح السائد أكثر هو نوع من البارغماتية، التي بدورها تتراوح بين برغماتية تبريرية للمصالحة مع السائد، مع السلطوي وحتى مع الانتظارية، وبين برغماتية مبدئية لكنها تائهة بين التوجس من المغامرة، وبين الخوف من الوقوع في الانتظارية القاتلة وهي تتأمل يوما بعد آخر تراجع امتداداتها داخل المجتمع، أو التضييق على هذه الامتدادات. 

فالتباين -حسب البكاري- يطال كذلك آليات الفعل والتحرك، ثمة قوى مجتمعية تكاد قد حسمت نهائيا في ألا طريق للتحرك إلا السبل القانونية كما تسيجها السلطة، وبالتالي تحولت مع الزمن إلى مجرد أدوات لتأثيث مسرح العرائس الذي تمسك السلطة بخيوطه، أو في أحسن الأحوال إلى مجرد منصة شكايات من الفساد والاستبداد، دون القدرة على المواجهة خارج الإمكانات النادرة لحقل الشرعية المراقب. على أن حال القوى الأخرى التي ما زالت ترى أن الشارع أو الحقل المنفلت من الشرعية المراقبة مازال يمكن الرهان عليه لإحداث التغيير، لم تستطع الإجابة على أزمتين، ذاتية وموضوعية قادمة من سنوات سابقة طويلة، فمن جهة تعاني من حصار سلطوي، من منع وتضييق على مجمل تحركاتها ومبادرتها، اليوم نجتمع في منزل هذا فقط دليل على هذه المضايقات، ومن جهة هناك انحسار في حضورها داخل الأطر الاجتماعية ذات المصلحة في التغيير، تراجع في الحضور بالجامعات، تراجع بالحضور في أماكن العمل حيث يوجد العمال، تراجع في فضاءات التأطير المدني. ويجب أن نعترف، يقول، أن الدولة استطاعت أن توجد لها مواطئ قدم حتى داخل الأوساط التي كانت تاريخيا قريبة من المعارضة، نموذج الجامعة بأستاذتها، نموذج حقل المحاماة، نموذج حقل الصحافة، والتي كانت حقولا تكاد تكون سابقا للمعارضة.

وفي الأدوار قال الدكتور البكاري بأنه يمكن تحديد الدور المركزي للقوى المجتمعية في هذه المرحلة في عبارة “تفكيك السلطوية” بديلا في رأيه، أو تجريبا لخيار ثالث بعد فشل خيار الانتقالات الديمقراطية، وفشل خيار الإصلاح من الداخل، وفشل خيار الثورة التي ظلت دوما مؤجلة. 

وحين طرح البكاري سؤال “انحسار دور الدين في مجال السياسة؟” أجاب بأنه يعتقد أن الأمور لا يجب تبسيطها بافتراض أجوبة حدية، ذلك أن الدين يشكل جوهر تمثل الجماهير لهويتهم، بغض النظر عن ممارسة الجماهير، وللأسف فإن جزءا كبيرا من المعارضة التقدمية أخرجت نفسها من الصراع حول ملكية وسائل الإنتاج الديني، وتركته محصورا بين السلطوية وبين الحركات الاسلامية. هل الحل هو تحييد الدين من الصراع؟ تلك دعوة لا يسمعها أحد، ودعوة تحتاج إلى سلطة لتنفيذها، أعتقد أن الدين بما يمتلكه من جانب رمزي وبما يحمله من عناصر فاعلة في بناء الوجدان الشعبي، قد يكون أحد مجالات تفكيك السلطوية، من مدخل مجابهة التأويلات الاستبدادية والأسطورية للدين، وتشييد تأويلات ديمقراطية وثورية في أفق تفكيك احتكار القول الديني لصالح فئة ما، وإعادة تملك الجماهير للدين.

وختم أستاذ التعليم العالي مداخلته بالتأكيد على أن الأمم والشعوب الحية هي التي تسعى للكرامة من موقع الندية، ونقصد الندية الديكولونيالية، وليس إدعائها عبر الارتحال من تبعية إلى أخرى أسوء، كما هو نموذج المراهنة على الصهيونية، بمعنى أننا بحاجة إلى مشروع تحرر وطني ثقافي اجتماعي اقتصادي نابع من حوار وطني لا يقصي أحداً، لا يضع اشتراطات قبلية ملغومة ومعرقلة.