ذ. الحريف: الدولة التي ننشدها هي دولة ديمقراطية أرقى بكثير من الدولة المخزنية

Cover Image for ذ. الحريف: الدولة التي ننشدها هي دولة ديمقراطية أرقى بكثير من الدولة المخزنية
نشر بتاريخ

افتتح الأستاذ عبد الرحمن خيزران مسير الجلسة الأولى للندوة، حول محور “سؤال الدولة والحكم” والذي أقر أن إشكالاتهما لا تنتهي ولا مفر من الخوض فيها، بطرح أسئلة كبرى مؤطرة لهذا النقاش: ما هي طبيعة المشروع القائم اليوم في المغرب؟ هل تملك القوى المعارضة مشروعا مجتمعيا؟ هل هو مشروع واحد، أم مشاريع متعددة؟ وإذا فما العمل؟ ما تصور ومقترحات هذه القوى للقضايا السياسية الكبرى؟ كيف يمكن الانتقال إلى الواقع الذي تعتقده، إلى البديل الذي تعد به؟

وقد شارك في هذه الجلسة كلا من الأساتذة: عبد الله الحريف وأمان جرعود وأبو بكر الجامعي.

وإجابة على هذه الأسئلة قال عبد الله الحريف، عضو الكتابة الوطنية لحزب النهج الديمقراطي، بأن قضية المشروع المجتمعي قضية مهمة جدا، واختار أن يركز في مداخلته “بالأساس على منظورنا للحكم والدولة كنهج ديموقراطي، وأيضا بشكل مختصر: كيف نتصور البديل في ملامحه العامة؟”.

وذكّر أنه منذ ظهور المجتمعات الطبقية، والطبقة أو الطبقات السائدة تمارس الحكم على الطبقات المسودة بواسطة أجهزة الدولة، التي تخدم بالأساس مصالح الطبقة أو الطبقات السائدة، وتحافظ على حد أدنى من التماسك المجتمعي.

وبخصوص المغرب أوضح أن هناك حكم الكتلة الطبقية السائدة، المشكّلة من البرجوازية التابعة للامبريالية؛ البرجوازية الاحتكارية المرتبطة بالشركات متعددة الاستيطان وملاكي الأراضي الكبار، و”الديموقراطية” تخص فقط مكونات هذه الكتلة الطبقية، في حين تعامل الطبقات الشعبية باستغلال واستبداد، وخاصة الطبقة العاملة، وعموم الكادحين.

ونبه إلى أن هذه “الديمقراطية” التي تعتمدها الطبقة السائدة حاليا إنما هي في حقيقة الحال “ديكتاتورية ناعمة، تتحول بسرعة إلى تغول بوليسي، وقد تكشف عن وجهها البشع أكثر، كما وقع في ما سمي بسنوات الرصاص في مواجهة الانتفاضات الشعبية، وفي مواجهة انتفاضات الريف في 1958 و1959، خاصة إذا ما احتد الصراع الطبقي، وزاد عجز النظام عن الاستجابة لأبسط المتطلبات الشعبية”.

“وترتكز الكتلة الطبقية السائدة لتبرير سلطتها إلى الدين والوطنية والشرعية “الشعبية” أو الشرعية “الديمقراطية” من خلال الانتخابات، أو من خلال ادعاء خدمة الصالح العام”، يقول الحريف ويضيف: “وتركز سيطرتها من خلال ممثلها السياسي الأساسي وهو النظام المخزني، وعلى رأسه المؤسسة الملكية؛ الذي يحتكر السلطات الأساسية: الجيش ووزارات الداخلية والشؤون الدينية وأجهزة القمع والقطاعات الاقتصادية الاستراتيجية”، مؤكدا أن “الأحزاب الإدارية الممخزنة ليست سوى امتداد للنظام المخزني، تساعد على تنفيذ التوجهات والاختيارات الثقافية والسياسية والاقتصادية للمخزن، وتضفي قناعا ديمقراطيا مزيفا على النظام باسم التعددية السياسية المفترى عليها”.

وبإلقاء لمحة على التاريخ، يبين الحريف أن “النظام المخزني كان في صراع دائم مع القبائل، ولم يكن يتحكم سوى في بلاد المخزن التي تتمدد أو تتقلص حسب موازين القوى بينه وبين القبائل. بينما كان ما يسميه المخزن “بلاد السيبة”؛ ويعني بها المناطق التي كانت تعيش فيها القبائل المتمردة على المخزن، والرافضة للضرائب غير الشرعية. هذه القبائل بالخصوص سطرت ملاحم بطولية ضد الاستعمار والمخزن، وعلى رأسها ملحمة الريف بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي وغيره، ولم يتمكن المخزن والتغلغل الرأسمالي التجاري ثم الاستعماري من القضاء على مقاومة القبائل واحتوائها إلا في الثلاثينيات من القرن الماضي”.

ويخلص إلى أن “المغرب لم يكن دولة مركزية، والاستعمار الفرنسي هو الذي بنى الدولة على النموذج الفرنسي المركزي. وحافظ إضافة للدولة العصرية التي كان يتحكم فيها، على المخزن القديم كخادم أمين له. وارتكزت الدولة والسلطة في المغرب على تحالف بين الاستعمار والملكية إلى حدود 1952، وشبه الإقطاع المشكل من القياد الكبار وشيوخ القبائل وبعض شيوخ الزوايا والبورجوازية الكومبرادورية”.

وانتقل الحريق للحديث عن تصور حركته البديل لهذه الدولة ولهذا المخزن، قائلا: “لتحديد طبيعة وشكل الحكم والدولة المنشودان في بلادنا لابد من تحديد المرحلة التي يمر بها نضال شعبنا، وهي مرحلة التحرر الوطني من الهيمنة الامبريالية والكتلة الطبقية السائدة وممثلها السياسي المخزن، وبناء نظام ديمقراطي يجسد سلطة الطبقات الشعبية، وذلك على أنقاض “الديموقراطية” المخزنية، الديموقراطية التي – كما ذكرت – تجسد ديكتاتورية الكتلة الطبقية السائدة. وهذه المرحلة تتطلب بناء جبهة الطبقات الشعبية”.

ويرى الحريف أن إنجاز هذه المهمة يستوجب “قيادة الطبقة العاملة وباقي الكادحين والكادحات لهذه الجبهة، وهو ما يبينه تاريخ الاستقلالات، فقيادة البورجوازية الوطنية أو البرجوازية الصغرى لحركة التحرر الوطني أدت إلى استقلال شكلي، ولم تستطع القضاء على الإقطاع والكومبرادور وعلى التبعية للإمبريالية، والقيام بالثورة الزراعية، بل استرجعت هاتين الطبقتين رغم عمالتهما للاستعمار مواقعهما كطبقات سائدة، بينما في الدول التي قادت فيها الطبقة العاملة المتحالفة مع الفلاحين حركات التحرر الوطني، كالصين وفيتنام، فقد استطاعت القضاء على الإقطاع وإنجاز الثورات الزراعية وتحقيق نموها المستقل لمصلحة الغالبية العظمى من الشعب”.

وكشف القيادي في حزب النهج الديمقراطي  أن “الدولة التي ننشدها هي دولة ديمقراطية أرقى بكثير من الدولة المخزنية، بل حتى الديموقراطية البرجوازية، لأنها تخدم مصالح الطبقات الشعبية وعلى رأسها الطبقة العاملة وعموم الكادحين، باعتبارهم الغالبية العظمى من الشعب المغربي، وتمارس سلطتها على البرجوازية التبعية وملاك الأراضي الكبار. دولة متحررة من الهيمنة الامبريالية”، وبالتالي فالحل في رأيه هو “دولة فيدرالية، وكذلك نحن مع دولة علمانية، ولكن ليست علمانية برجوازية، بل علمانية تؤمن بحق التدين وتضمن حق التدين وحرية العقيدة، وليس العلمانية الفرنسية أو غيرها”.