ساقت الأستاذة السعدية بايرات، في الحلقة الأخيرة من برنامجها “خطوة نحو الكمال”، المثال الخامس للنساء الكاملات؛ سيدتنا عائشة أم المؤمنين. وبسطت من سيرتها رضي الله عنها ما اعتبرتها خصائص أهلتها لهذا الكمال. فقالت:
“كانت أمنا عائشة من أحب الناس إلى رسول الله ﷺ، كانت فطنة سريعة الحفظ، لا يدانيها أحد من الصحابة في حفظ الوقائع التاريخية والجزئيات المتعلقة بها بالترتيب المتسلسل كما حفظته رضي الله عنها. وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم أمر زواجه بها في منامه مرتين قبل أن يتزوجها، روى البخاري عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أُرِيتُكِ قَبْلَ أنْ أتَزَوَّجَكِ مَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُ المَلَكَ يَحْمِلُكِ في سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ، فَقُلتُ له: اكْشِفْ، فَكَشَفَ فإذا هي أنْتِ، فَقُلتُ: إنْ يَكُنْ هذا مِن عِندِ اللَّهِ يُمْضِهِ”.
ومن أهداف هذا الزواج المبكر توطيد الصلة وتوثيقها بين الخلافة والنبوة، خاصة أن أمنا عائشة رضي الله عنها كانت تتمتع منذ صغرها بالذكاء المتوقد وجودة القريحة وقوة التفكير العالية والبديهة الواعية وبراعة في الاستنتاج والاستنباط. كما كانت كثيرة السؤال لرسول الله ﷺ حتى تحيط بكل خفي، وكمثال على ذلك؛ كانت قد سمعت النبي ﷺ قال: “من نوقش الحساب عُذِّب”، فقالت له إن الله تعالى يقول في سورة الانشقاق: فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا فَقَالَ لها ﷺ: “إنَّما ذَلِكِ العَرْضُ، ولَكِنْ: مَن نُوقِشَ الحِسَابَ هَلَك” (رواه البخاري).
فكما أنه لم تكن لديها ساعات محددة لتحصيل العلم لأن معلم الشريعة كان بنفسه موجودا في البيت تنال شرف صحبته ليل نهار، وحلقات العلم والدعوة تقام في المسجد النبوي يوميا وحجرتها ملاصقة للمسجد فكانت تستفيد من كل دروس النبي ﷺ، وحين يشكل عليها أمر لا تسمعه جيدا تستفسر عنه النبي ﷺ عندما يأتي للبيت، كما خصص النبي ﷺ يوما في الأسبوع لتعليم النساء ووعظهن، فكانت تعي من سنن النبي ﷺ في مختلف القضايا والعلوم والمعارف في اليوم والليلة.
كانت أمنا عائشة رضي الله عنها تقية نقية، من أفضل النساء ومن أكبر العلماء، بل كانت شيخة العلماء وأكابر الصحابة حتى قال سيدنا أبو موسى الأشعري: “ما أشكل علينا حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما” (رواه الترمذي). فلقد بلغ ما روته من الأحاديث عن رسول الله ﷺ (2210) حديثا، وبلغ من كثرة اطلاعها وسعة إلمامها الكبير أن قال عنها سيدنا عروة بن الزبير: “ما رأيت أحدا أعلم بالحلال والحرام والعلم والشعر والطب من عائشة أم المؤمنين” (رواه الحاكم).
كما أنها رضي الله عنها جمعت مجموعة من العلوم تفرقت عند غيرها، فلقد جمعت بين علم القرآن وعلم الحديث والفقه والقياس وأصول الاجتهاد وعلوم التوحيد وأسرار الشريعة، إضافة إلى علم الطب والتاريخ والخطابة والشعر.
كان لها دور كبير في الإفتاء والإرشاد، وكانت رضي الله عنها تربي تلامذتها مثل الأم، وتتكفل بهم وتنفق عليهم من مالها الخاص، وكانت تربي عددا من اليتامى والمساكين غير تلامذتها، وما كانت تبخل على أحد منهم بشيء من العلم.
كانت أمنا عائشة رضي الله عنها تنكر على كل من يتكلم بشيء ينال من كرامة المرأة أو يحط بمنزلتها، فعندما ذكر لها ما يقطع الصلاة من الكلب والحمار والمرأة قالت: إن المرأة إذن دابة سوء، بئس ما عدلتمونا بالحمار والكلب، ولقد رأيتني وأنا معترضة بين يدي رسول الله اعتراض الجنازة وهو يصلي، وفي رواية: فإذا أراد أن يصلي غمز رجلي فضممتها إلي ثم يسجد.
كما أن لها استدراكات أخرى على الصحابة، منها عندما سمعت حديث أبي هريرة يرويه عن النبي ﷺ: “إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار”، أي التشاؤم، فطارت شقة منها في السماء وشقة منها في الأرض، وقالت: “والذي أنزل القرآن على أبي القاسم ما هكذا كان يقول، ولكن كان نبي الله – ﷺ – يقول: “إنما كان أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك”.
كما أن من الجوانب الفقهية التي اختلف فيها العلماء كانت امنا عائشة تختار الجانب الذي يكون أكثر سهولة ويسرا للنساء، لأنها كانت أدرى من الرجال بمثل هذه الحاجات، ثم تخبرهن على ما تختاره من الكتاب والسنة.
روى البخاري عن النبي ﷺ قال: “كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ: إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ”. رضي الله عنها وأرضاها وجزاها عن الإسلام خيرا”.
وخلصت بايرات في نهاية برنامجها إلى أن “الكاملات الخمس لهن قواسم مشتركة هي: طاعة الله تعالى وعبادته، وصناعة الرجال بحفظ الفطرة، واحتضان ونصرة دعوة الله بالجهاد في سبيل الله”. داعية من ترجو السير على خطاهن إلى تحقيق هذه الصفات لبلوغ مرتبة الكمال.