حقا إنك أسعد الناس

Cover Image for حقا إنك أسعد الناس
نشر بتاريخ

حقا إنك أسعد الناس

هذه القصة هي فعلا من روائع قصص التوبة، إنها قصة شابة أعنف طيشا وعتوا من الموجة على بحرها في يوم ريح عاتية، حلوة المنظر لكنها مرة الطعم، صافية الوجه لكن لها غورا بعيدا من الدهاء والخبث، أفسدتها النعمة وأهانتها عزتها على أهله، اجتمعت حسنتان لتخرج منهما سيئة من السيئات بأسلوب من الأساليب، إلا وسعها أسلوب نشأتها من أبويها الطيبين.

تعلمت وهي تعرف أنها لا حاجة لها إلى العلم, فجعلت تلفظها المدارس واحدة بعد واحدة.

كانت لها صديقة واحدة اسمها عفيفة تحبها الحب الشديد، هي صديقة الطفولة، كلما تلاقيتا إلا تجالستا وتذاكرتا، كانت تحبها لبلاغة قولها وحسن تصرفها، تعظها كلما سمح الوقت بذلك، تحكي لها عن صديقاتها وعن مجالسها، تردد دائما أن على الإنسان إذا أراد أن يفلح في حياته فعليه بصحبة تدله على الله، والصحبة مفتاح، قالت المسكينة كنت أتساءل دائما عن هذه المفاهيم …

ذات يوم قالت لها عفيفة: أنا لي من يدلنا على الله، و يسير بي في طريق الخير والفلاح.

قالت لها المسكينة: ومن يكون هذا؟

فأجابتها وبكل صراحة ووضوح: إنه مرشدي عبد السلام ياسين يقطن بالرباط، أحضر مجالسه…

ضحكت منها وسخرت …

مرت الأيام، وذات صباح التقتا في منزل عفيفة، قالت: وجدتها حاملة كتاب العدل لمرشدها تقرأ جزءا من صفحته الثامنة والخمسين بعد المائتين يقول فيه:

‘زينة من الزينات هي المرأة، أعظمها وأسبقها. امتحان هي عسير لمن تجاوز حدود الله فيها فظلمها وهي الضعيفة، أونهبها وهي الجميلة، أو عبدها وهي بشر”

مر الزمن ومرت معه الأيام، فقدر الله أن التقتا. هذه المرة ليس في بيت عفيفة ولكن في بيت الله، حيث ستقام جنازة مرشدها رحمه الله.

قالت المسكينة: لم أصل قط, كانت صلاة الجنازة على عبد السلام ياسين هي أول لقاء لي مع ربي.

كان يوم توبة ورجوع الى الله. علمت عفيفة بالأمر فقالت لها:

عجيب أمر هذا الرجل، عجيب رحمه الله في مماته وفي حياته.

قامت عفيفة إلى المسكينة فعانقتها فرحة بما آل أمرها إليه. نظرت إليها بعمق وكأنها تريد أن تسبر أغوارها، رأت النور يجري على لونها ويترقرق في ديباجتها،كأنما وقع الصلح بين وجهها و بين الحياة. ثم قالت لها: نعم أخت الإسلام أنت، نعوذ بالله من خذلانه، فإنه ما خذلك إلا وضعك نفسك بإزاء الله تعارضينه أو تجاريه في قدرته فيكلك إلى هذه النفس، ومتى كنت عاجزة ساخطة، محصورة في نفسك، موكولة إلى قدرتك،كنت كالأسد الجائع في القفر.

كان عجبا من العجب أن تحرك الهواء في السماء، واضطربت الأشجار، واختلطت المشاعر بين الألم والفرح. قالت المسكينة: واها لك أيها الزمن! من الذي يفهمك وأنت مدة أقدار؟

حل اليوم التالي، ذهبت عفيفة تحمل نفسها بنفسها إلى المقبرة، وما إن وصلت حتى أخرجت الذاكرة أفراحها القديمة لتجعلها مادة جديدة لأحزانها، وانفتح لها الزمن الماضي فرأت رجعة الأمس وقالت: أعلم أنك في قبرك، ولكني لم أشعر قط أنك غائب، والحبيب الغائب لايتغير عليه الزمان ولا المكان في القلب الذي يحبه مهما تراخت به الأيام، وهذه بقية الروح إذا امتزجت بالحب في روح أخرى تترك فيها مالا يمحى لأنها هي خالدة لا تمحى.