حديث المعدة…والشهر صيام

Cover Image for حديث المعدة…والشهر صيام
نشر بتاريخ

حديث المعدة…والشهر صيام

أنا المركونة وسط البدن مثل واسطة عقد فريد تمده بالطاقة والزاد والجهد. أعمل جاهدة بأمر خالقي سبحانه وحسن تدبيره حتى يستفيد الخلق من الرزق … فقد عرفتموني لا محالة.

إني لفرحة جذلى بقدوم هذا الشهر الكريم، شهر الطهارة والرحمة الذي يحل على العباد ليتقربوا فيه من مولاهم الحق، وليطهروا فيه أجسامهم ويريحوا بطونهم من كثرة الأكلات وضغط الوجبات، فهو جنة وطهارة ووقاية من الأمراض والأسقام.

كم أستشعر من الراحة النهار طوله.

آي! ما هذا الذي يقذف في جوفي على حين غرة وبقوة مستعرة؟ إنه وقت الإفطار لا محالة، ولعلها رطبات وماء عملا بسنة النبي، وكلامه السني، صلى الله عليه وسلم.

آي! آي! يا للهول! ما أثقل ما يرمى وما أكثره! وكأنه صواريخ راجمة، أو قاذفات دامغة، إنه السيل المتدفق، والرمي المتفوق، إنه إدام وعصير وخبز وفطير و”بيتزا” بلحم مفروم ورقائق بصل وشحم معتق مركون، كل يرجم جوفي رجما ويهدم بنائي هدما، وينزل متواليا مسرعا مخافة نفاذ الوقت أو الذخيرة، عصير تلو العصير، وحساء وفطير، وحلويات و”بغرير”، وحليب وتمور، ولحم مهور، وموز وبطيخ وبيض مطبوخ، ونقانق خروف وكبد نوق.

آي! آي! آي! ما أسرع قوة القذف وما أعلى وتيرة الردف!… توقفَ، نعم إنه توقف. لعله اكتفى، أو ذهب لأداء صلاة، أو تعبد ومناجاة. لا، لا، لا.. لا أحسبه كذلك، فإنه يترنح ترنح السكير، والصلاة سكينة وذكر. حتما إنه أمام التلفاز فإني أسمع زوبعة وضجيجا، وضحكا ممجوجا. إنها الفرجة السقيمة، والضحكة اللئيمة التي لا تثلج أخي الصدر ولا تبهج جاري القلب.

آي! ما هذه القاذفات التي تسقط تباعا، إنه جوز وبندق، ولوز وفستق، مع شاي “منعنع” وحليب “مُوَلّع”، وقهوة بقرفة، وحلوى بقشدة و”حرشة” بزبدة. إنها لوازم الفرجة، وعنده من متممات البهجة، مع سيول المياه التي تعكر صفو عملي، وتلصق الطعام على جداري، وتعيقني عن أداء واجبي وإتمام وظيفتي.

كيف أفرز عصارتي لتطحن كل هذه الأكوام وهي ملبدة كخمير، مكومة كرَوْث بعير، مُتلفة كزريبة حمير، أو خم دجاج وطير.

أكل على أكل وشراب تلو الشراب، وشهر أخشى أن يستمر فيه هذا الزمهرير، فأجدني في نهايته منهكة متعبة، أو منخورة مقروحة، أو بخرطوم بداخلي يشخص الأمراض والأسقام، ويمنع الأكل على التمام. فارحمني أيها الإنسان، فإن الصوم جنة لبيتي، وتنقية له من الداء الذي أنا موطنه، ومجلبة للدواء الذي الحمية معدنه، فـ “المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء”.