في التقرير الصادر عن قبل أيام عن “المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان” كان لافتا وقوفه المستفيض عند الأدوات التي تستخدمها الســلطات المغربيــة لفرض القيود والمزيد من القيود على حرية الصحافة والتعبير؛ إذ “لــم تتــوان عــن اســتخدام كل الأدوات الهادفــة إلــى تقويــض حريــة الــرأي والتعبيــر فـي البـلاد”.
وأشار التقرير الذي تتبع فيه المرصد “ملاحقة السلطات المغربية للنشطاء والحقوقيين والصحفيين” في أزيد من 44 صفحة صدر في الشهر يوليوز الجاري، إلى أن السلطات فرضـت خـلال السـنوات الماضيـة قيـودا مـن خـلال “انتهـاج أسـاليب تهـدف إلـى التضييـق علـى أصحـاب الـرأي المعـارض والناقـد مـن نشـطاء وصحفييـن وحقوقييـن”.
ومن هذه الأساليب كما ذكرتها الوثيقة؛ مراقبـة ومتابعـة جميـع وسـائل النشـر المعارضـة سـواء التقليديـة أو الإلكترونيـة، فضلا عن متابعـة الصحفييـن والناشـطين والمدونيـن بمقتضيـات القانـون الجنائـي عـوض قانـون الصحافة والنشـر، وكذا إدانـة الصحفيين والنشـطاء بتهـم ملفقـة، والتضييـق المالـي علـى المؤسسـات الإعلاميـة المسـتقلة، مع اسـتمرار التشـهير بالمؤسسـات الصحفيـة المعارضـة والناشـطين.
واعتبر المرصد في تقريره أن “القضـاء كان مـن أبـرز الأدوات التـي تسـتخدمها السـلطات المغربيـة فـي قمـع أصحـاب الـرأي المعارض”، حيــث ظهــر ذلــك مــن خــال الملاحقــات القضائيــة المتكــررة للناشــطين المعارضيــن اســتناداً لتهــم معدة مسبقا، وانتهاء بالحكـم عليهـم بالسـجن لأشـهر وسـنوات، فضـلا عـن فـرض الغرامـة فـي بعـض الأحـكام الصـادرة.
تطبيق القانون الجنائي عوض قانون الصحافة والنشر
المرصد الأورومتوسطي الذي يعنى بالدفاع عن الحريات في دول البحر الأبيض المتوسط وأوربا، انتقد محاكمة الســلطات المغربيـة للمتهميـن في جرائـم التعبيـر السـلمي بأحكام تتضمـن عقوبـات بالسـجن اسـتناداً للقانــون الجنائــي عوضــاً عــن الاســتناد للقانــون واجــب التطبيــق فــي هــذه الحــالات، وهــو قانــون الصحافــة والنشــر رقــم 13.88، الذي لا يتضمـن أحكامــاً بالســجن كعقوبــات علــى التعبيــر الســلمي.
وأوضحت الوثيقة أن “تطبيـق القانـون الجنائـي عوضـاً عـن قانـون الصحافـة والنشـر كان يمهـد لـه سـابقاً حينمـا قـام البرلمـان المغربـي قبـل خمسـة أيـام مـن الموافقـة علـى القانـون رقـم 13.88 بإدخـال تعديـات علـى القانـون الجنائـي تتضمـن عقوبـات بالسـجن أو الغرامـة أوكليهمـا لـكل مـن يرتكـب جرائـم تتعلـق بالتعبيـر عـن الــرأي فــي موضوعــات حساســة فــي الحيــاة السياســية والعامــة فــي المغــرب؛ مثــل انتقــاد النظــام الملكـي، أو شـخص الملـك وأسـرته، أو الوحـدة الترابيـة للمغـرب”.
واعتبر أن الأحـكام الجديـدة فضلا عـن الأحــكام القائمــة أصــلا فــي القانــون الجنائــي والتــي تعاقــب بالســجن علــى أفعــال التعبيــر المقترنــة بإهانــة مؤسســات الدولــة أو تحقيــر القــرارات القضائيــة، “تمثــل تقويضــاً واضحــاً لتعزيــز حريــة التعبيــر الــذي جــاء بــه القانــون الجديــد (قانــون 13.88)”.
وأبرز التقرير أن الســلطات المغربيــة مــا تــزال تطبــق القانــون الجنائــي فــي القضايــا المتعلقــة بجرائــم التعبيــر الســلمي دون اعتبــار لقانــون الصحافــة والنشــر رقــم 13.88، مردفا أن الصحفيـين والنشـطاء يسجنون ويحاكمـون بموجـب القانـون الجنائـي إذا مـا ارتكبـوا أفعـالا تتعلـق بحريـة الـرأي والتعبيــر وتّشــكل جرمــاً بموجــب الســلطات المغربيــة.
رقــــابة غـــير قانونيـــة
لــم تقتصــر الانتهــاكات والمضايقــات التــي يتعــرض لهــا الصحفيــون والنشــطاء فــي المغــرب علــى الاعتقــال والســجن والمحاكمــة الجائــرة والتشــهير -كما جاء في تقرير المرصد- “بــل امتــدت لتشــمل الرقابــة غيــر القانونيــة مــن التجسـس وانتهـاك الخصوصيـة”.
وقد ذكر التقرير حالات في سنة 2020 تمت مراقبتها ببرنامـج للتجسـس يدعـى “Pegasus” تابـع لشـركة NSO الإســرائيلية، حينما أصــدر ثمانيــة نشــطاء مغاربــة بيانــا أفــادوا فيــه بتعــرض هواتفهــم للاختــراق بهــدف التجســس عبــر اســتخدام البرنامج المذكور، وقد أحال المرصد على تقريــر سابق صــادر عــن منظمــة العفــو الدوليــة، أكدت فيه أن البرنامــج ذاته “تــم اســتخدامه خــلال السـنوات الماضيـة وتحديـداً منـذ عـام 2017 ضـد الصحفييـن والنشـطاء وأصحـاب الـرأي فـي المغـرب”.
ويرى المرصد الأورومتوسـطي في هذا التقرير أن “الحيثيات السـابقة توضح أن عمليات مجموعة NSO للتجسـس علـى الصحفييـن والنشـطاء تمـت بطريقتيـن”.
إمـا مـن خـال المراقبـة عبـر الجهـاز المحمـول بالقرب مـن الأهـداف، وإمـا بالدخـول إلـى الشـبكات المشـغلة لهـذه الهواتـف.
وشدد المرصد على أن ذلك “هـو مـا لا يمكـن القيـام بــه دون معرفــة الجهــات الحكوميــة”، مــا يؤكــد وفق التقرير “الاســتنتاجات حــول مســؤولية تلــك الجهــات عــن هـذه الرقابـة غيـر القانونيـة التـي تسـتهدف أصحـاب الـرأي داخـل البـلاد”.
التشهير بالمعارضة (صحافة التشهير)
أبرز التقرير في مظهر آخر من مظاهر القيود على الحريات الصحفية وحرية الرأي والتعبير، أن “تزييــف الحقائــق وفبركــة الأحــداث الخاصــة بالمعارضيــن، وتشــويه ســمعتهم عبــر اختــلاق أحــداث ومواقــف لا علاقــة لهــا بالواقــع”، أهم ما ترتكز عليه “صحافة التشهير” التي بدأت تتفشــى بشــكل ملحــوظ خــال عــام 2019.
ومـن خـلال عمليـات الرصـد والمتابعـة التـي نفذهـا الفريـق الميدانـي للمرصـد الأورومتوسـطي؛ فـإن “مــا يزيــد عن 30 موقعــاً إلكترونيــاً وجريــدة شــاركت فــي حمــلات قــذف وتشــهير بحــق مجموعــة مــن الصحفييـن والناشـطين المعارضيـن”.
واسسترسل التقرير موضحا أن هـذه المواقـع والجرائـد قد اسـتهدفت علـى نحـو منظـم ومسـتمر مجموعـة مـن المعارضيـن؛ مثـل معتقلي ّ حــراك الريــف، وشــخصيات بعينهــا، كهاجــر الريســوني والصحفــي توفيــق بوعشــرين والصحفـي والناشـط الحقوقـي عمـر راضـي وآخريـن مثـل فـؤاد عبـد المومنـي، والمعطـي منجـب، وعبـد اللـه حمـودي، وأحمـد الزفزافـي، ومحمـد الزهـاري، وأحمـد بـن شمسـي وغيرهـم.
كما اسـتهدفت الحمـلات أيضًا -وفق ما ذكره التقرير- مؤسسـات حقوقية وسياسية معارضـة؛ مثـل جمعيـة الحرية الآن، والجمعيـة المغربية لحقوق الإنسـان، وجماعة العدل والإحسـان، وحزب النهـج الديمقراطي…
وشدد التقرير على أن هـذه الحمـلات تأتي مـن “وسـائل إعلاميـة تسـيطر عليهـا وتوجههـا السـلطات الحكوميـة مـن أجـل تحقيق أهــداف تتمثــل فــي تكميــم أفــواه الصحفييــن وأصحــاب الــرأي المعارضيــن، بــدءاً مــن التشــهير بهــم، ومــرواً بتلفيــق التهــم الكاذبــة، وانتهــاء باعتقالهــم وعرضهــم أمــام محاكمــات جائــرة لا تراعــي أســس وحقـوق الدفـاع المكفولـة قانونـاً”.