تأملات قرآنية.. “وَقُلِ اعْمَلُواْ”

Cover Image for تأملات قرآنية.. “وَقُلِ اعْمَلُواْ”
نشر بتاريخ

بسم الله ذي الجلال والإكرام والفضل والإنعام، والصلاة والسلام على خير الأنام سيدنا محمد نبي الرحمة والسلام، صلاة تطل بنورها على قلوبنا فتضيء منها مواضع الغفلة والظلام وتدخلنا على حضرة ربنا السلام.

اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام.

قال الله تعالى في محكم تنزيله: وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ (التوبة، من الآية 105).

“وَقُلِ ٱعْمَلُواْ”.. هو نداء أن اعملوا، نداء علوي مشرق يحيي الهمم.

العمل أن تغمس خطواتك في زيت العطاء. أن تضع بصمتك وتدلي بدلوك في صناعة الرجال.

 العمل أن تضيف ساعدك إلى سواعد الصدق والثبات لتنسج على منوال السابقين وتلحق بعباده الصالحين.

العمل أن تبدأ بتجديد النية وتجديد العزم.

العمل أن تفوح منك رائحة الاستمرار حتى تلقى الله وهو عنك راض وشعارك: “لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ”.  همة تناطح السحاب، وعبودية ترفع قدرك عند خالق الكون.

العمل أن تطوف في قلوب إخوانك تبث فيهم أنوار الرسالة المحمدية.

العمل أن تجعل من كل قلب قرآنا متنقلا، وذكرا متنقلا، وحبا متنقلا، ووحدة إسعاف روحية متنقلة.

العمل أن تكون في خدمة كتاب الله بما أوتيت من قوة.

العمل أن تضع الله نصب عينيك، وأن تستحث الخطى للوصول إليه، وليحمد الله من اصطفاه ربه ليكون خادما لكتاب الله،  فـ”خَيرُكُم من تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ”.

“فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ”..

“فَسَيَرَى ٱللَّهُ”..

سيرى الإخلاص والنية الخالصة والقلب الصادق.

سيرى ذلتك.

 سيرى دعواتك.

سيرى كم سجدت باكيا ورجوت.

سيرى دموعا بالليل سالت ترجو أن توفق الخطوات.

سيرى حركاتك وسكناتك.

سيرى الله مخبوءات نفسك كيف خرجت إلى الوجود.

سيرى صبرا، وتضحية بالجهد والمال والراحة..

سيرى الله لجوءا واضطرارا.

سيرى تقلب وجهك، ومعه تقلب قلبك، وأنت تختار وجهة تستقر عليها بعد استنفاد الجهد.

سيرى عيونا تترقب النصر والفرج القريب.

سيرى الله قلبا كل تاريخه أنه يحبه، وأنه يرجو النظر إلى وجهه الكريم.

“وَرَسُولُهُۥ”..

وماذا يرى الحبيب سوى الحب متدفقا بنور جماله.

ماذا يرى الحبيب سوى رايات تحملها الهمم العالية.

يرى أمته تكثر وتتسع وتنتظر موعدا قريبا لتعلن الفرح بنصر عظيم.

يرى عثرات قلوبنا يقيلها حبه فيتشفع إلى حضرة الله ذي الجلال والإكرام وقد تكرم بالقبول.

يرى أحبابه وإخوانه يتبادلون المشعل من جيل لجيل. فيتصل سند الحب ويتصل سند الجهاد ويتصل سند الدعوة إلى الله.

يرى قلوبا تتوحد في تشفعها به وتجعله الباب الأعظم الذي يدخلنا على ربنا عز وجل.

يرى نور القرآن يتكاثر في الأمة ويلقي بأسراره على الباحثين عن الحقيقة، المضمخين بأنوار الرباط، المرابطين في محراب الوصل.

يرى إخوانه الذين اشتاق إليهم.

“وَٱلْمُؤْمِنُون”..

يرون همما كالنحل، يرون فتوة واقتحاما، يرون صحبة، وقلوبا تخيطها المحبة وتصفها عقدا فريدا تزدهي به أعناق السائرين بصدق، المحترقين بحب.

يرون علما وعملا وبذلا واقتصادا.

يرون سمتا حسنا، وجهادا بكلمة، وقدما ثابتة، وموقفا لم تزحزحه إغراءات الغواية، وجبالا كالأوتاد.

يرون استعدادا لامتصاص الفتور، فيحولونه إرادة من فولاذ.

يرون شتاتا وفرقة، فيحولونه انجماعا على الله واجتماعا عليه.

يرون رهافة خلق وجفوة لسان، فيحولونه أدبا وتواضعا وخفض جناح ولين.

يرون نفورا، فيحولونه إقبالا منقطع النظير.

يرون أنانية واستعلاء، فيحولونه إيثارا وخدمة ورجاء من الله أن يمحو كل الفوارق حتى نصير كالبنيان المرصوص.

وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ هي برهان الانتماء إلى أمة القرآن.