صدر القانون رقم 70.03، بمثابة مدونة الأسرة، واعتبره الجميع نقلة نوعية وحقوقية لوضعية المرأة والأسرة المغربية عامة، بدءا من تغيير تسميته من قانون الأحوال الشخصية، إلى مدونة الأسرة، الشيء الذي يؤكد أن هذه المدونة ليست قانونا للمرأة وحدها، بل مدونة للأسرة، أبا وأما وأطفالا.
حاولت هذه المدونة الانفتاح على مختلف المرجعيات والمذاهب الفقهية، وكذلك على مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب والتزم ببنودها، استجابة لنداءات العديد من الحركات النسائية وفعاليات المجتمع المدني التي ما فتئت تنادي بحقوق المرأة.
وهكذا تضمنت مدونة الأسرة العديد من المقتضيات الجديدة في نصوصها، وبعد دخولها حيز التنفيذ في 4 فبراير 2004 ظهرت العديد من الإشكالات في تطبيق هذه المقتضيات على المستوى الواقعي. نقتصر في هذه الورقة على البعض منها فقط، ونخص بالذكر هنا، مقتضيات المواد: المادة 16 المتعلقة بثبوت الزوجية، والمادة 45 المتعلقة بالتعدد، ثم المادة 94 وما يليها والمتعلقة بالتطليق للشقاق.
المادة 16: الغطاء الشرعي
تنص المادة 16 من مدونة الأسرة على أنه تعتبر وثيقة عقد الزواج الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج.)إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته، تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة.)تأخذ المحكمة بعين الاعتبار وهي تنظر في دعوى الزوجية وجود أطفال أو حمل ناتج عن العلاقة الزوجية، وما إذا رفعت الدعوى في حياة الزوجين.)يعمل بسماع دعوى الزوجية في فترة انتقالية لا تتعدى خمس سنوات، ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ).
فهذه المادة وضعت لحالات محددة من الزيجات، والتي تعذر فيها الإشهاد على توثيق عقد الزواج، مع توافر جميع أركانه من إيجاب وقبول، وصيغة، وكذلك شروطه من أهلية، وصداق، وولي عند الاقتضاء وإشهاد وانتفاء للموانع الشرعية، إلا أن الأمر انقلب إلى وسيلة لإعطاء الشرعية للكثير من الحالات الناتجة عن علاقات غير شرعية والتي يترتب عنها في غالب الأحيان حمل، أو للتحايل على المقتضيات المتعلقة بالتعدد.
فالمادة 16 من المدونة وضعت من أجل توثيق الزيجات التي كانت سابقة لدخولها حيز التنفيذ، وحددت فترة انتقالية لا تتعدى خمس سنوات من أجل التقدم بدعوى ثبوت الزوجية، إلا أننا نجد بأنه في العديد من المناطق المغربية ما زال الكثير من الناس يبرمون عقد الزواج بالفاتحة والوليمة دون اللجوء إلى توثيقه، فضلا عن عدم التقدم بدعوى ثبوت الزوجية داخل الأجل المحدد، بل وحتى بعد تمديد هذا الأجل مرتين لمدة 10 سنوات، انتهت في تاريخ 4 فبراير 2014، وجد المشرع المغربي نفسه في مأزق كبير، فإما أن يتم تمديد الأجل المحدد للتوثيق، وإما أن تعتبر الزيجات المبرمة دون توثيق خارج نطاق عقد الزواج؟
في الوقت الذي نجد فيه، العديد من الملفات تعرض على القضاء من أجل القول بثبوت الزوجية، في علاقات تم قيامها بعد دخول المادة 16 حيز التنفيذ، بل إن هذه المادة أصبحت متنفسا لكل من يرغب في التعدد، فعوض أن يلجأ إلى التقدم بمسطرة التعدد، يقوم بإقامة علاقة غير شرعية أو بالزواج بالفاتحة وبعد حدوث حمل يتقدم بدعوى ثبوت الزوجية، وللأسف فالمحكمة تستجيب لهذه الطلبات مراعاة لوضعية الأبناء الناتجين عن هذه العلاقة، وبالتالي أصبحت المادة 16 وسيلة للتحايل من أجل تقنين علاقات غير شرعية وغير قانونية.
المادة 45: مخالفة القواعد الأصولية في التقاضي
تنص المادة 45 من مدونة الأسرة على أنه:
إذا ثبت للمحكمة من خلال المناقشات تعذر استمرار العلاقة الزوجية، وأصرت الزوجة المراد التزوج عليها على المطالبة بالتطليق، حددت المحكمة مبلغا لاستيفاء كافة حقوق الزوجة وأولادهما الملزم الزوج بالإنفاق عليهم.)يجب على الزوج إيداع المبلغ المحدد داخل أجل لا يتعدى سبعة أيام.)تصدر المحكمة بمجرد الإيداع حكما بالتطليق ويكون هذا الحكم غير قابل لأي طعن في جزئه القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية.)يعتبر عدم إيداع المبلغ المذكور داخل الأجل المحدد تراجعا عن طلب الإذن بالتعدد.)فإذا تمسك الزوج بطلب الإذن بالتعدد، ولم توافق الزوجة المراد التزوج عليها، ولم تطلب التطليق طبقت المحكمة تلقائيا مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المواد 94 إلى 97 بعده).
فهذه المادة تضمنت مقتضى خطيرا يتمثل في تطبيق مسطرة الشقاق تلقائيا في حالة عدم موافقة الزوجة الأولى على الإذن لزوجها بالتعدد، هذا المقتضى الذي يخالف روح قواعد المسطرة المدنية التي تقول بأن المحكمة لا تبت إلا بناء على طلب، والحال أن الزوجة هنا لم تتقدم بطلب التطليق للشقاق، وهذا ما حدث بالنسبة للعديد من النساء اللواتي وجدن أنفسهن مطلقات بمجرد قولهن بعدم موافقتهن على الإذن بالتعدد.
فضلا عن مخالفته أيضا لمقتضيات المادة 3 من قانون المسطرة المدنية التي تلزم المحكمة بالتقيد بحدود طلبات الأطراف، هذا فيما يتعلق بالحقوق المدنية، فما بالك بقانون ينظم العلاقات الأسرية.
وعليه فالقانون هنا عاقب الزوجة المراد التزوج عليها مرتين، مرة بالتعدد ومرة بتطليقها للشقاق.
الأمر الذي يستدعي ضرورة تدخل المشرع من أجل حذف هذا المقتضى وربطه بضرورة اشتراط تقديم طلب التطليق من قبل الزوجة الأولى.
عوض التوجه الذي نهجه القضاء في التعامل مع هذا الفصل كحل ترقيعي، أعمل نقيض القاعدة الفقهية القائلة بـإعمال النصوص خير من إهمالها)، حيث أصبحت القاعدة هي إهمال النصوص خير من إعمالها).
المادة 94 وما يليها: صورية الصلح
أما فيما يتعلق بمقتضيات المواد 94 وما يليها، والمتعلقة بالتطليق للشقاق، أولى المشرع المغربي أهمية خاصة لهذه المسطرة خاصة عند تنصيصه على مسطرة الصلح، وما يقوم به الحكمان، أو مجلس العائلة من جهد لإنهاء النزاع.
إلا أننا في الواقع العملي، نلاحظ أن مسطرة الصلح هذه وخلافا لما تم التنصيص عليه، أصبحت وسيلة للقضاء من أجل التملص من المسؤولية المنوطة به في هذا المجال، إذ يكتفي القاضي المعروض عليه النزاع بالتحقق من هوية الأطراف ومطالبتهما بإحضار أحد أفراد عائلتيهما وفي غالب الأحيان ما يكون هذا الطرف هو سبب الخلاف بين الزوجين، وبمجرد حضورهما في الجلسة الثانية، يكتفي القاضي بسؤالهما عن وجود صلح من عدمه، ثم يحيل النازلة إلى جلسة علنية، ومنها إلى جلسة الحكم للنطق بالحكم بالتطليق.
فأمام كثرة الملفات، وأمام عدم وجود قضاء متخصص من أجل القيام بهذه المسطرة، نجد التطليق للشقاق أصبح وسيلة سريعة لتفكيك الأسرة عوض الحفاظ عليها كما كان منتظرا من هذه المدونة، خاصة أمام المقتضى الخطير للمادة 128 منها والذي يجعل المقررات القضائية الصادرة بالتطليق غير قابلة لأي طعن في جزئها القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية.
وخلاصة القول، فالأمر لم يكن يستدعي انتظار عشر سنوات على صدور مدونة الأسرة من أجل الوقوف على العديد من الإشكالات المستعصية التي تطرح على مستوى تنزيل مقتضياتها، الأمر الذي أصبح يفرض ضرورة تدخل المشرع من أجل تقييد بعض المواد، كحصر الاستفادة من مقتضيات المادة 16 على الزيجات المبرمة قبل دخول المدونة حيز التنفيذ، أو إلغاء بعض المقتضيات كحذف الفقرة الأخيرة من المادة 45، واشتراط طلب الزوجة المراد التزوج عليها للتطليق، من أجل تطبيق مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المواد 94 إلى 97 بعده، وأخيرا التدخل من أجل تفعيل دور بعض المؤسسات التي يبقى لها دورها المهم والأساسي في الحفاظ على الأسرة “كمجلس العائلة”، وذلك باقتصاره على ذوي الاختصاص في إجراء الصلح، ناهيك عن تكوين قضاء شرعي متخصص في مجال الأسرة والطفل.