انطلقت فعاليات الذكرى الأربعون التي تحييها جماعة العدل والإحسان، وذلك بمناسبة مرور أربعين سنة على تأسيسها وخروجها إلى ساحات الفعل الميداني التربوي والدعوي والحركي.. وشاء الله الكريم المنّان أن يتوافق تأسيس الجماعة آنذاك، أي قبل أربعة عقود، مع عدة أحداث ومحطات هامة من أبرزها:
· دخول الأمة الإسلامية القرن الخامس عشر الهجري الذي جاء بعد قرنين من الزمان عانى خلالهما المسلمون من ويلات الاستعمار والاستغلال الغربي الذي خلف تركة ثقيلة في أرض وواقع وعقول المسلمين، لعل من أخطرها التقسيم والتشرذم السياسي والاجتماعي والثقافي بين مناطق وأقطار العالم الإسلامي. إضافة إلى أن قوى الاحتلال الأجنبي لم تخرج إلا وقد نصّبت في بلاد المسلمين أنظمة ذيلية تابعة لها، تؤمن وتحمي مصالح أسيادها وتضمن استمرار النزيف والخضوع في شعوبها.
· فشل الكثير من التجارب القومية والاشتراكية ببلاد المسلمين، وهو ما أكد استحالة استنبات إيديولوجيات وأنماط للتفكير والممارسة السياسية مستوردة من الشرق أو الغرب وفرضها على أرض الواقع ببلاد المسلمين، من دون الانطلاق من المقومات الأساسية للشعوب على طول العالم الإسلامي.
· تصاعد موجات المد الإسلامي عبر العالم، ليس فقط في منشأه ومهده بلاد العالم الإسلامي، وإنما كذلك في الغرب حيث تزايدت وتيرة اعتناق الدين الإسلامي في بلدان أوربا وأمريكا، وشملت المثقفين من شعوبها والسياسيين وعامة الجمهور، الشيء الذي ساهم في ترسيخ حقيقة عالمية الرسالة المميزة لدعوة الإسلام.
· خروج الكثير من أعضاء وقادة العمل الإسلامي من سجون الأنظمة المتسلطة ببلدان العالم الإسلامي، وظهور بعض الانفراج في المحن التي طالت عقودا من الزمن سواء ببلاد المشرق أو المغرب، أو أقاصي العالم الإسلامي. ومن رحم تلك المعاناة تمخضت أفكار ونضجت تصورات واكتملت رؤى للبناء والعمل. وما ذلك إلا لأن مدرسة سيدنا يوسف (صحبة السجن) تعمل بقوله تعالى يا صاحبي السجن أ أرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار. ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
· بروز الإسلام كعامل محرك للشعوب في الميدان وليس كمخدر كما كان ينظر إليه من قبل، بحيث أعطت تجربة الثورة الإيرانية سنة 1979م وحالة الجهاد الأفغاني في نفس الفترة، مؤشّرات قوية على إمكانية وقوف المسلمين بقدراتهم الذاتية وفي مقدمتها “المخزون النفسي للشعوب” في وجه أعتى القوى في العالم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي.
إن السياق والظرفية التاريخية التي أعلن فيها عن تأسيس الجماعة، حتّمت على قيادتها سلوك مسار مغاير لسابقاتها، يستفيد من دروس الماضي والحاضر ويستشرف المستقبل الواعد لهذا الدين والأفق المنظور لأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الموعودة بالنصر والتمكين، لذلك طرحت الجماعة تصورا جديدا للعمل الإسلامي ينبني على عدة قواعد :
– اتخاذ التربية الإيمانية منطلقا ووسيلة ومقصدا للعمل الإسلامي، وذلك نظرا لأهميتها وضرورتها في البناء والسير الفردي والجماعي لكل عناصر التنظيم.
– الوضوح في العمل والوسائل والأهداف، لذلك تم إصدار مجلة الجماعة الناطقة باسم الوليد الجديد والحاملة لمواقفه ورؤاه التربوية والتنظيمية والحركية، مع القطع مع كل أشكال العمل السري أو العنيف، وحتى ذلك التصور القائم على الارتباط التنظيمي بين الحركات الإسلامية في مختلف بلاد المسلمين.
– المسؤولية بما هي مخاطبة للباطل على رؤوس الأشهاد وتحمل تبعات ذلك. وبما هي قابلية القيادة واستعدادها للبذل والتضحية قبل القاعدة، وهو الذي شكل نموذجا مميزا في التنظيمات الدعوية والسياسية. والمسؤولية بما هي توزين للشرط الذاتي وإحاطة بالظروف الموضوعية، والعمل على مقدار ما تتيحه القدرات الذاتية والفرص الميدانية، مع عدم إغفال أن العامل الذاتي حاسم.