بين القوامة والحافظية عند الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله

Cover Image for بين القوامة والحافظية عند الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله
نشر بتاريخ

مقدمة

يعتبر المفهوم في علم المصطلحات، الركيزة الأساس في بناء تلك العلوم والنظريات بضبطها وتحويطها من كل زيغ ولبس ومتشابه قد يصيب بنيتها، لأجل ذلك نقف بكل صرامة علمية صوب الحديث عن مفهومي القوامة والحافظية، هذان المفهومان القرآنيان، اللذان اعترتهما طيلة سنين العض والجبر عديد تلبيسات وتأويلات خاطئة زاغت بهما عن معناهما الرباني المنهاجي النبوي، كما سنحاول إزالة العديد من الترسبات العالقة والتراكمات الثقيلة حول المفهومين بما جاد الله به من فهم به سبحانه عز وجل، في مفارقة تنظر بعين نظرية المنهاج النبوي ورحمتها وحكمتها بمقارنتها من خلال التراث التفسيري للمفهومين. والأمر ليس بالهين؛ فهو يحتاج من العلم والتبصر والاجتهاد ما يكفي لإماطة الأذى عنه وإحيائه وبعثه من جديد.

إن الأمر يحتاج مجتهدا إماما عارفا بالله يجمع الله به شتات الأمة في كل ميدان، والمفهوم والمصطلح هو منطلق كل ميدان. وهذا ما قام به الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى في نظرية المنهاج النبوي، حيث اعتنى عناية بليغة بالمفاهيم التي جعل منبعها الأساس (المعين القرآني والسنة النبوية الغراء)، فأخرجها من ضيق الفهم إلى رحابة المعنى؛ بين الرحمة القلبية والحكمة العقلية إلى مقتضيات الفقه الواقعي لقضايا الأمة المعاصرة، واعتبرها الجوهر الذي تنبني عليه نظرية المنهاج النبوي، فبسط دلالاتها وتعبيراتها وتأويلاتها ووظائفها. ومن بين هذه المفاهيم نجد مفهومي القوامة والحافظية باعتبارهما المحدد الأساس لوظيفة المرأة والرجل في بناء الأسرة المؤمنة عماد دولة القرآني المنشودة والعمراني الأخوي..

فما مفهوم القوامة؟ وما مقتضياتها وتجلياتها في الأسرة والمجتمع المسلم؟ ما الحافظية؟ وما مقتضياتها الأسرية والمجتمعية؟ وما المعنى الأساسي الذي يعتمد عليه الإمام في نظرية المنهاج النبوي؟

مفهوم القوامة

من المسلم به ابتداء أن كلاًّ من الرجل والمرأة خلق الله، وأنه سبحانه لا يريد ظلما بالعباد. فلماذا ميز الرجل بمهمة القوامة في قوله تعالى الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ (النساء: 24)؟ وكيف ينسجم هذا التفضيل والرجحان مع العدالة والحق؟

في اللغة جاء في لسان العرب “رجل قائم من رجال قوم وقيم وقيام.. قد يجيء القيام بمعنى المحافظة والإصلاح” 1.

سلك المفسرون مسلكين مختلفين في تحديد مهمة القوامة، وذلك لاختلافهم في تفسير الأفضلية في قوله تعالى: “بما فضل الله بعضهم على بعض”، فجاءت آراؤهم كالآتي:

الاتجاه الأول: القوامة سلطة وسيادة مطلقة

يرى الإمام ابن كثير أن ”الرجل قيم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت. بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ أي: لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة؛ ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم… وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ أي من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه، وله الفضل عليها والإفضال” 2. القوامة عنده سيادة الرجل على المرأة لأنه أفضل منها بميزان الشرع.

ويعلل الإمام ابن العربي أفضلية الرجل بقوله: ”المعنى هو أمين عليها يتولى أمرها، ويصلحها في حالها؛ قاله ابن عباس: وعليها له الطاعة… قوله تعالى ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ﴾ المعنى: إني جعلت القوامة على المرأة للرجل لأجل تفضيلي له عليها، وذلك لثلاثة أشياء، الأول: كمال العقل والتمييز. الثاني: كمال الدين والطاعة في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على العموم، وغير ذلك. الثالث: بذله المال من الصداق والنفقة، وقد نص الله عليها هاهنا” 3.

ونجد الرأي نفسه للإمام الزمخشري مع مزيد من البيان والتفصيل فيقول: ”يقومون عليهن آمرين ناهين، كما يقوم الولاة على الرعايا. وسموا قوّما لذلك. والضمير في بَعْضَهُمْ للرجال والنساء جميعاً، يعني إنما كانوا مسيطرين عليهن بسبب تفضيل اللَّه بعضهم وهم الرجال، على بعض وهم النساء… وقد ذكروا في فضل الرجال: العقل والحزم والعزم والقوّة والكتابة في الغالب، والفروسية والرمي، وأنّ منهم الأنبياء والعلماء، وفيهم الإمامة الكبرى والصغرى، والجهاد، والأذان، والخطبة، والاعتكاف، والشهادة في الحدود، والقصاص، وزيادة السهم، والتعصيب في الميراث، والحمالة، والقسامة، والولاية في النكاح والطلاق والرجعة، وعدد الأزواج، وإليهم الانتساب، وهم أصحاب اللحى والعمائم، وَبِما أَنْفَقُوا، وبسبب ما أخرجوا في نكاحهنّ من أموالهم في المهور والنفقات” 4.

بيان هذا الرأي:

للرجل سلطة وسيادة مطلقة على المرأة لأنه يفضلها بكمال العقل والدين، وبأعمال اختص بها دون المرأة، إضافة إلى النفقة. لو كان في المرأة نقص في العقل والدين مما يخرم مروءتها ويسلبها الإرادة لما استوت مع الرجل في الأفعال والجزاء كما قال تعالى: وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (النساء: 124).

أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فمسؤولية مشتركة بين الرجال والنساء لقوله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُولَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (التوبة: 71).

وأما ما رفعه الشرع عن المرأة من أحكام خص بها الرجل كالأفضلية في الميراث والإمامة الكبرى والأذان… فقد علله بمقاصد سامية، ولا يحكم على المرأة من خلاله بالدونية..

الاتجاه الثاني: القوامة رعاية ومسؤولية

يقول الإمام الطاهر بن عاشور: “وقيام الرجال على النساء هو قيام الحفظ والدفاع، وقيام الاكتساب والإنتاج المالي، ولذلك قال: بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم أي: بتفضيل الله بعضهم على بعض وبإنفاقهم من أموالهم… فالتفضيل هو المزايا الجبلية التي تقتضي حاجة المرأة إلى الرجل في الذب عنها وحراستها لبقاء ذاتها… فهذا التفضيل ظهرت آثاره على مر العصور والأجيال، فصار حقا مكتسبا للرجال، وهذه حجة برهانية على كون الرجال قوامين على النساء، فإن حاجة النساء إلى الرجال من هذه الناحية مستمرة وإن كانت تقوى وتضعف” 5.

وفي نفس السياق نجد الإمام القرطبي ينفي القوامة على الرجل إذا أخل بالنفقة فيقول مستنبطا من قوله تعالى: وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ أنه “متى عجز عن نفقتها لم يكن قواما عليها، وإذا لم يكن قواما عليها كان لها فسخ العقد، لزوال المقصود الذي شرع لأجله النكاح” 6.

القوامة إذن مسؤولية حماية المرأة وصيانتها وجلب المصالح لها كيفما كانت نسبتها إلى الرجل وقرابتها منه، وهذا هو مسلك الإمام عبد السلام ياسين في بيان وظيفة القوامة.

إذا كان القرآن الكريم حمال أوجه، فالسنة القولية والفعلية هي الضابط والتفسير والنموذج التطبيقي، منها استمد الإمام عبد السلام ياسين ملامح القوامة قائلا: “نتأمل مسؤولية القوامة في دائرة الوصية النبوية النهائية في خطبة الوداع (الله الله في النساء) مرتفعين بتلك المسؤولية من معنى تكفل الرجل بقوته وعضليته وماله ورئاسته إلى معاني طاعة الله وطاعة رسوله ورعاية وصيته” 7. فهو يرى أن القوامة هي مسؤولية القيادة الرفيقة والرعاية الحكيمة التي يفصلها قوله صلى الله عليه وسلم: ”ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. فالإمام الأعظم الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته. والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته” 8.

هي أول الأمر مسؤولية رفيقة في مجال الكسب والمدافعة والسعي على العيال تقتضي كما يقول الإمام “إعادة حق المرأة المغصوب كما حده شرع الله وحمايتها من العدوان.. يجب أن تحرر المرأة من العجز والتبعية الاقتصادية فيعطاها حق النفقة زوجا وأما، ويعطاها حق المتاع مطلقة، وأجرة كريمة عاملة، وأن تهيأ لها ظروف الاستقرار في بيتها، لأن عليها يتوقف استقرار المجتمع والدولة” 9.

ثانيهما هي رعاية حكيمة تقرأ في فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يقول الإمام: “الرجل في بيته نجد نموذجه في رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان في خدمة أهله إذا دخل البيت، وكن ينازعنه ويراجعنه فيحلم ولا يغضب، ويتلطف ويداري” 10.

اعتمادا على ما سبق يمكن القول إن القوامة مسؤولية ورعاية أوكلها الله تعالى للرجل، لما أودع فيه صفات فطرية كقوة العضل ورباطة الجأش وقدرة الكسب، وبالتالي فهي ليست ترجيحا لكفة الرجل وإنما تثقيل لميزانه بمثاقيل المسؤولية ليقود السفينة بحنكة ودراية ومداراة.

مفهوم الحافظية

من بين أعظم تكاليف الله تعالى للنساء هو تكليفها بمهمة الحافظية، على منوال تكليفه سبحانه عز وجل الرجال بواجب القوامة جنبا إلى جنب في آية واحدة غير منفصلة، فقال عز من قائل: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّـهُ (النساء: 24).

يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: ”أول ما يتبين من وظيفة المرأة في الآية الكريمة أنها حافظة للغيب، كلمتان توحي الأولى بمفهومها أن هناك ما يضيع إن لم تحفظه المرأة، كما توحي الثانية بأن هناك غيبا وحضورا” 11. فما المراد بالحافظية؟

في اللغة يقول ابن فارس: “الحاء والفاء والظاء أصل واحد يدل على مراعاة الشيء. يقال حفظت الشيء حِفظا.. والتحفظ: قلة الغفلة. والْحفاظ: الْمحافظة على الأمور” 12. وعند الأصفهاني “الحفظ يقال تارة لهيئة النفس التي بها يثبت ما يؤدي إليه الفهم، وتارة لضبط الشيء في النفس، ويضادّه النسيان، وتارة لاستعمال تلك القوة، فيقال: حَفِظْتُ كذا حِفْظاً، ثم يستعمل في كلّ تفقّد وتعهّد ورعاية” 13. فالحافظية تدل على معاني الحضور والتعهد والرعاية.

في كتاب الله تعالى وقف المفسرون عند نص الآية ودلالتها المباشرة، وفسروا الحافظية على أنها الطاعة وألا تأتي المرأة بما يكره الزوج في غيبته، يقول الإمام الطبري: “حافظات لأنفسهن عند غيبة أزواجهن عنهن، في فروجهن وأموالهم، وللواجب عليهن من حق الله في ذلك” 14. ويرى الإمام القرطبي أن “مقصوده الأمر بطاعة الزوج والقيام بحقه في ماله وفي نفسها في حال غيبة الزوج” 15. بيد أن الإمام ابن عطية توسع في مهمة الحفظ فاعتبر الغيب ” كل ما غاب عن علم زوجها مما استرعته، وذلك يعم حال غيب الزوج وحال حضوره، وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها”، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية” 16. فالمرأة تصون حقوق الزوج حاضرا كان أم غائبا.

لكن أتقتصر حافظيتها على حقوق الزوج وعرضه؟ والنساء بفطرتهن يحفظن استمرار الجنس البشري بما هن محضن للأجنة وحضن التربية ومدبرات لضرورات معاش الأسرة. أتقف وتنتهي مسؤوليتها عند هذا الحد؟

بالرجوع إلى قوله تعالى بِمَا حَفِظَ اللَّـهُ نجد الإمام ابن عاشور يعطي للحفظ معنى شموليا فيقول: “الباء في بما حفظ الله للملابسة، أي حفظا ملابسا لما حفظ الله.. وحفظ الله هو أمره بالحفظ، فالمراد الحفظ التكليفي، ومعنى الملابسة أنهن يحفظن أزواجهن حفظا مطابقا لأمر الله تعالى، وأمر الله يرجع إلى ما فيه حق للأزواج وحدهم أو مع حق الله، فشمل ما يكرهه الزوج إذا لم يكن فيه حرج على المرأة، ويخرج عن ذلك ما أذن الله للنساء فيه.. وكما أذن لهن النبيء أن يخرجن إلى المساجد ودعوة المسلمين” 17. فهي حافظية شاملة لا تقتصر على حق الزوج والاهتمام بتدبير شؤون البيت.

هذا الفهم الشمولي هو الذي يقصده الإمام عبد السلام ياسين متحدثا عن الحافظية ومجالاتها، يعلق على قوله تعالى حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّـهُ فيقول: “ما حفظ الله. ما هنا سواء اعتبرناها موصولية أو مصدرية تؤدينا إلى قراءة: بما حفظ الله، أي بحفظ الله، بالذي حفظ الله. أي أن حافظية المرأة هي تحمل ما كلفها به الشرع، وما حفظه الله من آياته العاصمة للشرع. حافظيتها إذا لا تقصر على حفظ حقوق الزوج بل تشمل كل حقوق الله المكلفة بها الزوج. حافظية الصالحات القانتات في المجتمع المسلم لا تقتصر على شغل بيوتهن وإرضاء أزواجهن، بل تنطلق أولا من إرضاء الله عز وجل وترجع إليه” 18. فهي إذن مهمّة تبتدئ من البيت بإتقان المرأة لدورها الوظيفي وهو حفظ النسل وتعهد العقول والجسوم وصون حقوق الزوج، وتمتد إلى خارج البيت حيث تدخل المرأة في الولاية العامة مع الرجل، ولها فيها المسؤولية العظمى تأكيدا على مكانتها في واجب السهر على دين الله وحمل العبء ودعم البناء، قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر (التوبة: 71).

هكذا قرأ الإمام عبد السلام ياسين الحافظية بمفتاح الفهم النبوي، مستحضرا مقاصد التشريع وكلياته، ومستنبطا ملامحها وتفاصيلها من الحديث النبوي: “خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها” 19 الذي ذكره الإمام ابن عطية آنفا، غير متوقف عند نص الحديث ودلالته الحرفية كما فعل معظم المفسرين والفقهاء والمحدثين، بل اتخذه مفتاحا لفهم شامل ينسجم مع المفهوم القرآني للحافظية حين قال: “ضروريات خمس قرأنا منها ثلاثا. قرأنا حافظية المرأة على النسب وعلى نفسها، وهما متلازمتان. ثم حافظيتها على مال زوجها. بقيت ضرورتان.. حفظ الدين وحفظ العقل، هل ينحفظ شيء من أمانات النساء إن لم يكن إيمانهن باعثا، وعقلهن مدبرا” 20 وخلص من كل ما مضى إلى اعتبار الحافظية وظيفة “شاملة ومسؤولية لا تنحبس في جدران بيت الزوجية، وفي هموم المعاش اليومي. الدين وهو رأس المقاصد وغاية الغايات يرضع من ثدي الأمهات الصالحات القانتات الحافظات” 21.

وبالجملة فإن الحافظية التي فرضها الله تعالى على المرأة في آخر الآية هي أخت القوامة التي فرضها على الرجل في أولها، وظيفة تجعل المرأة راعية ومسؤولة وحافظة للفطرة وحاضرة أقوى حضور في بيتها ومجتمعها كما كانت الصحابيات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليست عضوا منكمشا عاجزا وكمًّا مُهْمَلاً ينتظر أن يفعل به.

خاتمة

وختاما لهذا العرض المبسط بين أيديكم حول وظيفتي القوامة والحافظية نخلص إلى:

– إن تكامل وظائف المرأة والرجل وانسجام مسؤولياتهما “القوامة والحافظية” مطلب شرعي يجب تحقيقه لنتخلص من الصراعات ودعاوى الندية الجوفاء التي تتغنى بها المغربات حبيسات الثقافة المادية العقلانية.

– ضرورة نبذ التقليد ومساءلة فقه منحسر منحبس أهمل المرأة وألجمها وأثقل كاهلها بموروث يعرقلها عن ممارسة حافظيتها كاملة، وشجع الرجل على التسلط وغمط الحق والتعسف في استعمال سلطة القوامة.

– أهمية تجديد التراث التفسيري والعناية بكتب التفسير عن طريق تقويم جهود المفسرين في خدمة النص القرآني؛ بمراجعة بعض ما تضمنته من أقوال شاذة لا تستقيم، وتخليصه من مقحمات الزوائد التي لا أصل لها، ورفع لثام القداسة عن أقوال المتقدمين.

ورحم الله تعالى إمامنا المجدد برحمته الواسعة وأجزل له العطاء، وباقي أئمة العلم وتقبلهم في الصالحين.

لائحة المراجع

– أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير، تفسير القرآن العظيم، حققه محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى، 1419.

– أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، حققه صفوان عدنان الي، دار القلم دمشق، ط الأولى، 1412ه.

– أبو القاسم محمود بن عمرو الزمخشري، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، دار الكتاب العربي، بيروت، ط3 ،1407ه.

– أبو داوود سليمان بن داوود بن الجارود الطياليسي البصري، مسند أبي داوود، تحقيق محمد بن عبد المحسن التركي، دار هجر مصر، ط 1، 1419/1999.

– أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر الأنصاري القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، حققه أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، ط 2، 1964.

– أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، الجامع المسند الصحيح.

– أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، معجم مقاييس اللغة، حققه عبد السلام محمد هارون دار الفكر 1399/1979.

– عبد الحق محمد بن عطية الأندلسي، المحرر الوجيز، طبعة وزارة الأوقاف القطرية، ط 2، 1428/2007.

– عبد السلام ياسين، إمامة الأمة، دار لبنان، بيروت، ط 1، 1430/ 2009.

– عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، ط 1، 1996.

– محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، دار سحنون، تونس، 1997.

– محمد بن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، حققه محمود شاكر، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط2، بدون تاريخ.

– محمد بن عبد الله بن العربي الإشبيلي المالكي، أحكام القران القاضي، راجعه محمد عبد القادر عطا دار الكتب العلمية بيروت، ط 3، 2003.

– محمد بن مكرم بن علي أبو الفضل جمال الدين ابن منظور الأنصاري الإفريقي، لسان العرب، دار صادر، بيروت، 2003.


[1] محمد بن مكرم بن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط 3، 1414ه، 12/224.
[2] إسماعيل بن عمر بن كثير، تفسير القرآن العظيم، حققه محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1419 ه، 2/256.
[3] محمد بن عبد الله بن العربي، أحكام القرآن، راجعه محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 3، 1424/2003، 1/530 -531.
[4] محمود بن عمرو الزمخشري، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، دار الكتاب العربي، بيروت، ط 3، 1407ه، 1/505.
[5] محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، دار سحنون، تونس، 1997م، 5/38-39.
[6] محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، حققه أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، ط 2، 1384/1964، 5/168.
[7] عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، مرجع سابق، 2/197.
[8] محمد بن إسماعيل البخاري، الجامع المسند الصحيح، كتاب الأحكام باب قول الله تعالى: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، رقم الحديث 6719.
[9] عبد السلام ياسين، إمامة الأمة، مرجع سابق، ص 117.
[10] عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، مرجع سابق، 1/57.
[11] المرجع نفسه، 2/88.
[12] أحمد بن فارس بن زكرياء، معجم مقاييس اللغة، كتاب الحاء مادة حفظ، حققه عبد السلام محمد هارون دار الفكر 1399ه/1979، 2 /87.
[13] الحسين الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، حققه صفوان عدنان الي، دار القلم، دمشق، ط 1، 1412هـ، ص244..
[14] محمد بن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، حققه محمود شاكر، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط 2، بدون تاريخ، 8/29.
[15] محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق، 5/168.
[16] عبد الحق محمد بن عطية الأندلسي، المحرر الوجيز، طبعة وزارة الأوقاف القطرية، ط 2، 1428/2007، 2/54.
[17] محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، مرجع سابق، 5/41.
[18] عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، مرجع سابق، 2/90.
[19] سليمان بن الأشعث، سنن أبي داوود، ما أسند أبو هريرة، ما روي عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة، رقم الحديث 2444.
[20] عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، مرجع سابق، 2/91.
[21] المرجع نفسه، 2/91-92.