بوح القلم.. كأنك تراه

Cover Image for بوح القلم.. كأنك تراه
نشر بتاريخ

خلق الله الإنسان ليعبده في الأرض؛ عبودية ترفع مقامه بقدر ما يخفضه ذاك السجود الذي تسقط فيه مراتبه ومناصبه ويقيمه عبدا يعفر الجبين في تراب حقيقته، فيكابد أنواع البلاء ليتخلص من شرك الهوى وغواية النفس؛ الحجاب الأعظم الذي إن فتقه شهد توحيد الله في كل مناحي الحياة وصدق فيه قوله تعالى “أَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ”.

الدنيا.. والعبور إلى الآخرة

كلنا يعيش في هذه الدنيا في زاوية من زوايا الوجود، يبحث عن مخرج لروحه السجينة بين مشاهد الحياة؛ أما المستضعف المقهور بلقمة العيش؛ فصراعه من أجل البقاء والعيش بكرامة تزين حياته، والدفاع عن أحقيته في الوجود إنسانا مكتمل الحقوق… في صرخة مظلوميته يجد نفسه متعبدا في محراب العدل، ليتحقق له نصيبه ونصيب إخوته في الإنسانية من العيش الكريم… وعلى بعد من أمتار الروح.. تكتوي قلوب من الشوق إلى الله عز وجل لا تستلذ إلا المكث في حضرة القرب… أما في مجالس العلم تنتصب غيرة العلماء على تراث الأمة؛ عقول تعي وتفكر وتستلهم وتستنبط، “رحم الله عبدا عمل عملا فأتقنه”.

الإتقان أحد ثلاثة معان للإحسان.

الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

كأنك تراه

كأنك ترى حِلمه وكرمه، كأنك ترى منته وفضله، كأنك ترى إحسانه ووهبه، كأنك ترى ستره وعفوه، كأنك ترى قهره وجبره، كأنك ترى قبضه وبسطه، كأنك ترى ربوبيته وملكه. ترى السميع البصير، ترى العليم القدير، ترى الرحمن الرحيم، ترى الوهاب الكريم، ترى الفتاح العليم، ترى الشكور الغفور، ترى الصبور الرشيد، ترى مالك الملك ذا الجلال والإكرام.. ترى الله من هو على كل شيء قدير.

كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك؛ يرى ضعفك وحاجتك، يرى ذلتك بين يديه وفاقتك، يرى انكسارك وغربتك، يرى ندمك وتوبتك، يرى حزنك ودمعتك، يرى بعدك ووحشتك، يرى صدقك وهمتك، يرى ذكرك ومناجاتك، يرى دعاءك وحسن ظنك.. يرى عبوديتك بين يديه وأدبك.

ليصبح الحديث مع الله أحلى وبوح الروح أعذب وأنت في حضرته، تشهد منته عليك وعظيم فضله على روحك وهي تنازع قفص الدنيا تود اللحاق بالرفيق الأعلى، لتخلد في جنة معرفته لا ترجو إلا النظر إلى وجهه الكريم.