انتخابات المغرب وخيارات تجديد السلطوية

Cover Image for انتخابات المغرب وخيارات تجديد السلطوية
نشر بتاريخ

بقلم: سمير زردة

إن تحرير تفكيرنا من سلطة الواقع السياسي الذي أنتجه الاستبداد، وإنتاج خطاب سياسي مزايل لخطابه، لا يتقاطع معه، بله أن يخدمه في أي مستوى من مستويات التحليل أو بناء الموقف السياسي، مع الرهان على أن يؤدي الخطاب الذي ننتجه وظيفته التواصلية وتأثيره في تفكيك بنية الاستبداد وصناعة واقع الحرية، عملية دقيقة أثبت التاريخ والواقع تعقيدها. ويزداد الأمر تعقيدا حينما يتعلق بتفاصيل وجزئيات الفعل السياسي اليومي، ومدى خدمتها لكليات المشروع التغييري.

ومن التفاصيل التي تفرض نفسها، وتستوجب التنبيه على خطورتها وعبثيتها في هذه المرحلة، تلكم المحطة الموسمية التي ظل المخزن يراهن عليها لتزييف الوعي، وذر الرماد في العيون، وتكريس وهم الانتقال الديمقراطي، ضمانا لاستمرار الجوهر الاستبدادي والسلطوي للنظام المخزني؛ إنها محطة الانتخابات، لا يعنينا في هذه المسرحية المبتذلة بعد أن كشفت فصولها وبار ممثلوها ومخرجها، ولقيت من الشعب ما تستحق من الهجر والمقاطعة والازدراء، لا يعنينا والحال هاته الخوض في تفاصيلها ونقد مدخلاتها ومخرجاتها، ولا رهانات المواطنين عليها بعد أن يئسوا منها وهجروها.

إنما يعنينا في مقاربة موضوع الانتخابات هنا مساءلة رهانات المخزن عليها، باعتبارها خيارا استراتيجيا مكن الاستبداد طيلة عقود من تجديد هياكله التي تسري فيها روح السلطوية، وإطالة عمره، ومنحه القدرة على المناورة والتكيف مع الأزمات، نسائل اليوم هذا الخيار بعد أن فقد وهجه وجاذبيته، والأرقام الرسمية محرجة مخجلة، إن كان للمخزن وجه يخجل، نسائله بعد أن فقد قدرته على الاستمرار في ممارسة تزييف الوعي وتسويق الوهم وقلب الحقائق، هل ما يزال هذا الخيار -بصورته المشوهة ووظيفته المعكوسة التي يريدها المخزن- سالكا؟ أم أن القوم ماضون في مسلسل العبث وإهدار الزمن السياسي على أجيال هذا الوطن؟

إلى متى يمكن للمخزن أن يستمر في الرهان على العبث أمام الوعي الشعبي المتصاعد بضرورة القطع مع هذه الأساليب البالية؟

هل من خيارات أخرى أمام المخزن غير مواجهة الحقيقة الصارخة ومقتضاها أن أساليبه العتيقة وسياسته غير الرشيدة لم تعد تنطلي على عموم الشعب، وأنه لا خيار أمامه إلا العودة إلى رشده أو ممارسة الهواية المفضلة للأنظمة المستبدة المتمثلة في القفز الحر نحو المجهول؟

إن مراكمة الفشل والإصرار عليه لا يعني شيئا غير السقوط عاجلا أم آجلا، وإن مسار التاريخ إذا انعطف إيذانا باستئناف دورة جديدة -وأنى لذوي البصائر المطموسة والهمم المنكوسة من المستبدين وشركائهم رؤية ذلك- لا ينفع معه إلا تصحيح المسار المنحرف. أما الحرص على معاكسة الواقع وإدامة الباطل واختيار سياسة الهروب إلى الأمام، بالارتماء في أحضان المفسدين المستكبرين في الأرض، وربط مصير الدولة بمصيرهم، والاستقواء بهم على الشعوب المستضعفة المتعطشة للحرية، ليس إلا تعبيرا عن سوء الخاتمة التي تنتظر كل مستكبر متجبر في الأرض. ولا أرى في خطوة التطبيع العلني التي خطاها النظام المخزني إلا طلاقا لا رجعة فيه مع أي شكل من أشكال الشرعية التي كان يتحايل عليها بالانتخابات، وهذا ما يفسر في نظرنا عدم اكتراثه -كما كان الأمر في الانتخابات السابقة- بنسب المشاركة في انتخابات ما بعد التطبيع.

لا نرى في هذا الخيار إلا فصالا عن هوية الشعب وتاريخه وإرادته، بل هو لعب بالوجه المكشوف للسلطوية وانتقال من استبداد زاوج بين القبضة الحريرية والحديدية إلى استبداد خشن بقفاز حديدي، يضيق صدره بأي صوت حر يغرد خارج سربه، حتى لو كان صوت صحفي لا يملك إلا قلما وفكرة. وما المحاكمات الصورية للصحفيين والمدونين في الآونة الأخيرة إلا دليل قاطع على هذا التحول الخطير.

يخبرنا القرآن الكريم والتجربة التاريخية أن منهج الاستبداد والطغيان واحد، لم يتغير إلا في شكله ووسائله وقوته. وبإزائه يعرض القرآن كيفية مواجهة هذا المنهج بدءا بالوعي بخططه وكشف أساليبه، مرورا بالإعداد والاستعداد لمجابهته وهدم بنيانه، وانتهاء بعرض النموذج البديل عنه. فكيف لمن كان القرآن الكريم مصدر معرفته ووعيه، وجرد نفسه من طمع الدنيا وزينتها، أن تنطلي عليه حيل الاستبداد وألاعيبه المكشوفة!!!