تحل اليوم الذكرى السنوية لحرية الإعلام، لتكون شاهدة على سوء أحوال الدار، سنة عجفاء تنضاف إلى السنوات العجاف التي سبقتها، بل يزداد الوضع سوادا، ولا بشرى تلوح في الأفق، بعدما ساد الاستبداد وانتشر الفساد.
إن الجهاز الإعلامي بالمغرب، يتعرض لحملات قمعية مباشرة وغير مباشرة من الآلة المخزنية المسيطرة، حتى لا يتسنى له ممارسة دوره كسلطة رابعة رادعة، تزعزع أركان الظلم وتفضح مكامن الفساد بمختلف تجلياته.
هذه السنة شهدت التفافا “قانونيا” على حرية الممارسة الإعلامية، من خلال إصدار مدونة النشر والصحافة، لم تنل غير سخط المهنيين؛ كما صدرت تقارير دولية تؤكد تكريس نفس المنطق القمعي لحرية الفعل الإعلامي، هذا إلى جانب انتفاضة الإعلام العمومي ضد المتحكمين في خيوطه، ومسيريه بعقلية عسكرية قديمة.
ألغام قانون الصحافة والنشر
احتاج قانون الصحافة والنشر الذي دخل حيز التنفيذ خلال شهر غشت الماضي، لما يزيد عن سنتين، ليخرج بصيغة نهائية، لا تختلف كثيرا عن سابقه، تغير في الشكل، وثبات على المضمون، قانون أشرك المهنيين، وجمع مختلف الصحفيين، ليضفي صورة ديموقراطية على واجهته، حتى يتسنى لصناعه طهيه على نار هادئة، بعيدا عن متاعب العاملين بمهنة المتاعب، لقاءات متكررة وكواليس صاحبت هذا “المشروع”. انتقادات وملاحظات المهنيين للمواد والفصول لم تنته، لكن كان للداخلية القرار الأخير، في نسخة نهائية، صيغت بطريقة ملغومة، تظهر ما لا تبطن، تاركة التقدير لقضاء غير موثوق في استقلاليته ليتخذ قرارات التعليمات.
كما يمكن لأي مطلع على صيغة القانون، الوقوف عند هفوات خطيرة، ومزالق قد تورط الصحافيين في أبسط ممارسات المهنة.
تقارير الخارج تفضح سوءات الداخل
أصدرت منظمتان دوليتيان عتيدتان، خلال الأسبوعين الماضيين، تقريريهما السنويين، بوأت فيهما المغرب المراتب المتأخرة، على مستوى الممارسة الإعلامية الحرة وتوفير مناخ إعلامي يلائم العاملين به؛ فالتقرير الأول أصدرته “مراسلون بلا حدون”، وصنفت فيه المغرب في الرتبة 133 عالميا، وعزت ذلك إلى تضييق الخناق على العمل الصحفي بكثرة الخطوط الحمراء، واصفة ذلك بالممارسة العدائية لوسائل الإعلام الحرة.
أما التقرير الثاني فكان لمنظمة “فريدوم هاوس” والتي ذيلت هي الأخرى المغرب أسفل سافلين، بعدما احتل الرتبة 143، مشيرة إلى عدم توفر حرية الصحافة، معتمدة على معايير دقيقة، ونظام تنقيطي تحدد من خلاله الوضع العام لهذا القطاع.
هذا دون الحديث عن تقارير محلية تصدر على طول السنة، تنبه وتحذر، وتدق ناقوس الخطر، لكن دون جدوى.
احتكار واستبداد الإعلام العمومي
أرّخ الأسبوع الماضي ليوم مشهود، خرج فيه موظفو وموظفات القطب الإعلامي العمومي، في انتفاضة ضد ما آلت إليه الأوضاع، وبلوغها حدا استحال معه الصمت.
فبعدما بلغ السيل الزبى، خرج رجال ونساء الإذاعة والتلفزيون العموميين، للصدح بصوت واحد مطالبين بتحرير القطاع من التقييد الذي يخنقه، ومن العقلية العسكرية التي تحكمه، وطرد الرؤوس الكبيرة التي تعرقل مسيرته.
كما طالب المتظاهرون بإعلام عمومي يمثل المغاربة، ويفتح المجال أمام مختلف الفاعلين والتيارات للتعبير عن رأيها، بعدما كانت الفئة المعارضة تشتكي ظلم إقصائها من حقها في الظهور على منابر الإعلام العمومي كحق تكفله المواثيق الدولية قبل المحلية.
وهي بداية ناجحة، وخطوة مشجعة تدعو مختلف الفاعلين الشرفاء إلى توحيد الجهود، وتكثيف العمل من أجل تحرير هذا القطاع وباقي القطاعات، وحمايتها من أيدي الاستبداد وعبث الفاسدين.