دأبت لجنة القرآن الكريم القطرية للمومنات على تنظيم مهرجانها السنوي للقرآن الكريم فكانت محطته لهذه السنة يوم السبت و الأحد 16 – 17 شتنبر 2017 الموافق ل 24- 25 ذي الحجة تحت شعار: من كان أساس بنائه القلبي و الفكري كتاب الله عز و جل خليق أن ينعكس فضل القرآن و نوره على حياته
ابتدأت فعاليات المهرجان يوم السبت على الساعة السادسة مساء بتلاوة عطرة لبعض الآيات من كتاب الله تعالى ثم كانت كلمة افتتاحية حول أهمية حفظ كتاب الله في حياة المومنة ووجوب تجديد النية و إخلاصها لله تعالى، ثم كانت المنافسة بين المتباريات تضمنت ثلاث فئات:
– فئة ستون حزب
– فئة ثلاثون حزب
– فئة التجويد
أشرف على المسابقة لجنة تحكيم من أكفأ الحافظات المجازات في كتاب الله تعالى حيث كان من بينهن من لها إجازة في أربع قراءات مما جعل التباري مهم جدا بالوقوف على أخطاء المتنافسات حيث استفاد الحضور الكريم من هذه الملاحظات التي ثمنت المهرجان ككل.
استأنفت فعاليات المهرجان يوم الأحد على الساعة 9 صباحا حيث كان حفل التتويج بالبرنامج التالي:
افتتاح بآيات بينات ثم كانت كلمة منسقة اللجنة التي حثت فيها الحضور الكريم على حفظ القرآن لتبليغه و الدعوة إليه و ليس من أجل الحفظ فقط لأن المؤمن يحب لنفسه ما يحب لأخيه، ثم بعد ذلك كانت قراءة في الشعار وضحت من خلالها كيف ينبغي أن تعاد للقرآن حرمته علما و عملا و أخلاقا.
ثم كان حفل تتويج الفائزات من كل فئة قدمت فيه هدايا رمزية اعترافا بالجهود المبذولة من طرفهن و تحفيزا للحاضرات ليحدون حدوهن.
تميز مهرجان هذه السنة بتتويج عدد من المجازات اللواتي أحرزن الإجازة في قراءة ورش و عدد من المجيزات اللواتي كانت دفعتهن الأولى في إعطاء الإجازة ، هذه الثلة من المومنات ضربت المثل و كن قدوة في التضحية و ضبط الوقت للوصول إلى ما وصلن إليه رغم مسئوليتهن الأسرية و المهنية.
كلمة اللجنة في المهرجان القرآني
الحمد لله الذي تتم بذكره الصالحات، و تزيد بحمده و شكره النعم، و بحسن التوكل عليه التوفيق و السداد، و الصلاة و السلام على من كان للهدى نبراسا، و للحق عنوانا، من أوتي معجزة القرآن فكانت للكون ضياءا و حصنا و شفاء، من تمسك به فقد أفلح، و من حاد عنه فقد خسر و خاب.
بعطر القرآن تنشرح الصدور، و تحت ظلاله نتفيأ و نستريح، و بنوره نهتدي، و بحفظه نكون من أهل الله و خاصته، و بالعمل به نكون من المحسنين المحبوبين المقربين، ونسأل الله أن يجمع لنا هذا الخير كله في مهرجاننا القرآني هذا في نسخته الخامسة بإذن الله.
نلتقي كل سنة لنحتفل بثلة من المؤمنات منّ الله عليهن بحفظ كتاب الله أو بجزء منه فنقضي وقتا طيبا مباركا في سماع و تلاوة آيات مباركات تشع أنوارها و تحل بركتها بالمكان و الزمان فيستشعر الحضور عظمته و ربانيته و روحانيته و لا يسعه إلا أن يكون كذلك، فالكلام كلام الله الذي تنزه عن العيب و اللغو و النقصان، و النور نور الله الذي أضاءت له ظلمات السموات و الأرض، و هو بفيضه و كرمه يمن علينا ببعض منه لنبصر بعض الحق و هو سبحانه الحق المطلق، و نفهم عنه و عن رسوله صلى الله عليه و سلم.
فجميل أن نوفّق لقراءة القرآن فيكون لنا منه ورد يومي، و مقام إحساني رفيع أن نتدبره و نحفظه، و لكن أجمل منه و أرفع مقاما منه أن نبلّغه النّاس، و نحبّب الخلق فيه حتى يكون ديدنهم في الحياة، فخادم القوم سيدهم و هل هناك خدمة أفضل من إسماعهم كلام الله و حثهم على ملازمته و حفظه، و أحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله، و الخلق عيال الله، رجالهم و نساؤهم، شبابهم و شيبهم، مؤمنهم و كافرهم، فهل هناك منفعة تقدم لهؤلاء أفضل من تبليغهم كلام الله معنى و عملا، عبادة و تقربا، مبتدءا و خبرا، لا و الله ليس هناك خدمة و لا منفعة تقدم أفضل من هذه، فسعر الخدمة مرتبط بنوعيتها و الجهد المبذول فيها و متطلباتها لذلك نجد أن هذه الخدمة لا جزاء لها إلا الرفعة و المقام العالي في دار الخلود، و قد ورد عن سلفنا الصالح الكثير من المبشرات في هذا الباب لمن قضى حياته في العلم و التعليم و قراءة القرآن و لكنه لم يبلغ ما بلغه من المقامات العلى إلا بآيات بيّنات لسورة الفاتحة حفَّظهن شيخا كبيرا.
وأختم أيها الحضور الكريم بتساؤلي معكن ما السبيل إلى أن نجعل حفظنا و تدبرنا للقرآن الكريم عملا متعديا و ليس لازما، لا يلزمنا نحن فقط و لكن خيره متعديا إلى كل أزواجنا و أبنائنا و أحبتنا و جيراننا و ذوي قرابتنا، و من المعلوم في ديننا الحنيف و شريعتنا الغراء أن العمل المتعدي أفضل من العمل اللازم و كلا وعد الله الحسنى، لكنه سبحانه فضل المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما، فاللهم اجعلنا منهم و معهم بفضلك و جودك و كرمك.
قراءة في شعار المهرجان القرآني
يقول المرشد رحمه الله: من كان أساس بنائه القلبي والفكري كتاب الله عز وجل خليق أن ينعكس فضل القرآن ونوره على حياته[1] جاءت هذه المقولة للحبيب المرشد في فقرة “تعليم القرآن” التبيين فيها أنه يجب أن تعاد للقرآن حرمته ومكانته بحيث يكون عمدة التعليم والتربية وقوامهما كما أشار إلى أن إبعاد القرآن عن المدارس والمعاهد وتقليص حصصه وعدم اعتبار حفظه وفهمه وتجويده في الامتحانات لمحاربة لواحدة من شعائر الإسلام العظمى..” وهذه دعوة الإمام المرشد في جميع كتبه ففي تنوير المومنات يقول: في المجتمع المسلم يكون القرآن محور تربية الأطفال، ومرجع علم اليافعين، وجنة إيمان المسلمات والمسلمين..[2] ويقول أيضا : كان القرآن عند سليمي الفطرة سَلفنا الصالح هو العلم،هو مرجعُ المتعلم، ومدوَّنةُ القاضِي، ودليلُ المجتهد، ووثيقةُ المؤرخ، ودستور الحاكم،وقانونُ الأخلاق…[3] كما أنه رحمه الله ذم من قلص مهمة القرآن ولم يجعل منه دستور حياته كلها فقال نرى الناس في زماننا فَرَضوا على القرآن الإقامة الجبرية في المساجد ومعرض التجويد ومباريات الترنيمِ. ما أقاموه في الشأن الخاص و العام، اتخذوه مهجورا في التسجيلات و التسميعات لتشنّف ألحان ألفاظها الآذان…[4] ثم وضح رحمة الله عليه المنهج الذي يجب أن نتبعه حتى نفوز بالقرآن ونوره: إذا قرأ المؤمن كتابَ الله عز وجل بالتعظيم اللازم، والتعرُّضِ للرحمة بالإقبال على الله عز وجل تقربا إليه بتلاوة كتابه وتدارُسِه، غَنِمَ مزيدا من الإيمان، ومزيدا من النور. روى أبو داود رحمه الله بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تبارك وتعالى، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده فالفوز بنور القرآن وتوفيقه شروط أربعة:
-1 الاجتماع، وهو صحبة المؤمنين والكينونة معهم.
-2 في بيت من بيوت الله، حُرمة المكان ليتم الاحتفال والاهتبال والتعظيم.
-3 التلاوة، وهو التعبد المحض بترديد كلام الله تعالى.
-4 التدارسُ، وهو إشراك العقل في العملية لننتقل من التعبد بالحرف المقدس إلى تنفيذ الأمر على جَسر التعليم والتعلم والتواصي بالحق والصبر.
ولنا في سلفنا الصالح الأسوة الحسنة فهذا التابعي الجليل أبو العالية كان مولى من الموالي بحبه للقرآن وعكوفه على حفظه وإتقان تلاوته وملأ ليله ونهاره بفهمه رفعه الله ،بعد إسلامه، من مولى لا حول له ولا قوة إلا خدمة أسياده إلى عالم جليل يقربه ابن عباس ويفرح بلقائه ويجلسه على سريره فلما رأى استغراب جلسائه من صنيعه قال: إنَّ العلم يزيدُ الشريف شرفاً، ويرفع قدر أهله بين الناس، ويجلس المماليك على الأسرة. وقال عنه أبو بكر بن أبي داود: ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبي العالية وسعيد بن جبير
فاللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همنا وغمنا وتقبل الله من الجميع وجعل هذا العمل في ميزان حسنات كل من كان سببا فيه و خدمة له و بذلا لإنجاحه.
[1]- إمامة المة ص 165.
[2] – التنوير 1/363.
[3] – أمامة الأمة ص 160.