هو عنوان آخر ينضاف إلى عناوين الوضع الحقوقي الحزين في هذا البلد: الحكم على المدون ياسر عبادي بستة أشهر سجنا موقوفة التنفيد، وأداء غرامة مالية قدرها 500 درهم، في محاكمة ماراطونية امتدت إلى حوالي 13 جلسة.
محاكمة بهذا الحجم، في استهداف لمجرّد مدوّن يعبّر عن رأيه، هي محاكمة تعكس عمق الأزمة المغربية، التي لا زالت تضيف إلى سجلّها الحزين، المزيد من ضحايا التعبير عن الرأي، أو محاولة ممارسة الصحافة الحرة المتملّصة من دوائر التسبيح بحمد “العام زين”.
وتعجّب إن شئتَ، من متابعة شاب يعبّر عن رأيه في القرن الواحد والعشرين بنصوص من القانون الجنائي عوض قانون الصحافة والنشر، تعجّب إن شئتَ من حكمٍ كهذا، رغم تأكيد هيئة الدفاع على غياب وسائل الإثبات، وانعدام الركن المادي والمعنوي للفعل الجرمي المنسوب لياسر عبادي.
لا زال مهندسو إدارة هذا البلد، يصرون على نفس الاتجاه المنحَدِر، مع الحرص الغريب على مضاعفة السرعة، في ظل ضعف الكوابح اللازمة، وغياب أي علامة تشير إلى وجود تحسُّب يقظ لخطورة المنعطفات والمطبّات التي تواجه كل سير بتلك المواصفات، وهي المخاطر التي تشغل بال كل ساسة العالم الحقيقيين، ويفكر فيها عقلاء الأنظمة السياسية الراشدة، ويعدّوا لها أجواءً صافية، وثقةً وطنيةً سارية، ومؤسساتٍ تمارس أدوارَها فعليّا، واستشرافا طموحا يحفظ كرامة الشعوب ويحقق حريتها ويحرس أحلامها..
لا زال المهندسون، يرفضون الإنصات، ويستعلون عن مجرد الاعتراف بأنهم في حاجة إلى شيء اسمه المعارضة، تنبِّههم إلى أنهم بشر يخطئون، وتشير عليهم ببعض ما يصلح شأن البلاد والعباد، فما بالك إن كانت هذه المعارضة، ترفض الانجرار إلى لعبة المجاملة والسطحية وشهادة الزور، أو السقوط في البلادة العمياء أو الدوغمائية الصمّاء، التي تسهّل عملية تحييدها وشيطنتها.
نعم، لا زالت ماكينة هذا البلد تُرَاكِمُ مقوّمات الحزن والأسى، وتنتج فائضا هائلا من اليأس والإحباط، وتعمل على تدوير حُطام سنوات الرصاص بنكهة جديدة، متسلّحة بوسائل ضبط متطورة، وأجهزة أكثر شحذا لمجسّاتها وأكثر فعالية في تعميم الفراغ، والتسويق الكبير للفشل الفاضح على أنّه الفتح المبين.
هي صورة قاتمة، مريرة، تماما مثل صورة الطفل المغربي الباكي وهو يحاول الهروب من “مغرب الاستثناء” ولو بركوب مجرّد قنينة زيت فارغة في بحر هائج رآه أرحم من أنياب البؤس واليأس.
ما زلنا ننحدر يا صديقي، وتتضاعف سرعتنا، نسأل الله السلامة.
كل التضامن مع الشاب الرائع، والمدون الجميل ياسر عبادي..
أطلقوا سراح حرية الرأي والتعبير.
المغرب المُنْحَدِر
نشر بتاريخ
نشر بتاريخ