توطئة
للتربية معان كثيرة ينطلق كل تعريف منها حسب الحقول والمعارف والنظريات التربوية، وهي في الأصل اللغوي مشتقة من ربا يربو بمعنى نما وزكا وهي بذلك عمل دؤوب يحرص على إحداث تغيير في نفس الإنسان ويزكيها. وهذا يتطلب وجود استراتيجية محكمة تتوخى هذا التغيير وتسعى إليه في ظل مجموعة من المتغيرات والنوازل يجب حتما أخذها بعين الاعتبار، ولن ندخل في تفصيل هذه التعريفات لضيق مجال البحث هنا وتركيزه، بل نشير إلى ما يتماشى مع هذا المقام، فالتربية عملية مركبة ومحكمة وهادفة تروم تهذيب النفس وصقلها وتوجيهها لما يحسن به أمر الإنسان، وبما يرتقي به بين الناس، فيغدو قادرا على التواصل والأخذ والعطاء، مسيطرا على نوازعه وغرائزه، ليتميز عن الحيوان في بهيميته ويتطلع إلى الملاك في رقيه ونورانتيه.
التربية في القرآن
لقد أولى القرآن وهو كتاب تربية وتهذيب واحتضان، العناية للتربية بما تحمله هذه الكلمة في كتاب الله من قيمة وسبق واعتبار، وقد وجه الله تعالى خطابه بلزوم التربية والحرص عليها فجاء زاخرا في كثير من السور والآيات بهذا المعنى، وتكرر النداء الموجه للرسل والمؤمنين يأمرهم بنهج السلوك القويم واتباع الصراط المستقيم، ولا يتحقق هذا المطلب دونما حرص على التربية. وقد أكدت لنا النصوص القرآنية على قيمة التربية في وجوب التخلي عن الأخلاق الذميمة من كذب وزور وخيانة وغيبة ونميمة وسخرية، مع ضرورة التحلي بالأخلاق الفاضلة من رفق ورحمة وكرم وسكينة واحترام للغير وإن كان مخالفا، وبذلك نكون شخصية متوازنة . أهم هذه المواصفات:
– الشخصية المومنة بالله واليوم الآخر. المخلصةُ لله عز وجل، العالية الروحانية.
– الشخصية الصالحة للاندماج في الجماعة، من حيثُ محبةُ الله ورسولِه المنتجةُ لمحبةِ المومنين، ومن حيثُ الإرادةُ والقدرةُ على التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، ومن حيثُ المشاركةُ في الأمر العام، وفي الشورى، والدعوة، والدولة.
– الشخصيةُ الصادقة الشجاعة في الحق التي يوثق بها.
– الشخصية الواعية بمسؤوليتها عن الانتصار للمستضعفين في الأرض، المستعدة لبَذل الجهد والمال من أجل إقامة العدل في الأرض.
– الشخصية العالمة بعلم الحق وعلم الكون، القادرةُ على الاجتهاد في الشريعة، وعلى توطين العُلوم الكونية في بلاد الإسلام وتطويرها واستثمارها.
– الشخصية المتحركة النشيطة الخفيفة إلى كل عملٍ يَرْضَى عنه الله عز وجل، الممسكةُ الثقيلةُ عن محارم الله.
– الشخصية المتميزة ظاهرا وباطنا، قلبا وقالبا، عاطفة وفكرا، مضمونا وأسلوبا، عن الشخصية الجاهلية، وعاداتها، وثقافتها، ومنهاجها.
– الشخصية الصامدة أمام كلِّ إعصار، المقتحمة لكل العقبات التي لا تعرف الملل، ولا يفُتُّ في عزمها الكلل.
– الشخصية المنتجة، المقتصدة، القادرة على إدارة أموال الأمة وخيراتها، وعلى التعامل مع تيارات المصالح العالميَّة تعاملا يضمن استقلال الأمة في غِذائها، وكِسائها، ورَخائها، وسِلاحها.
تابع تتمة المقال على موقع مومنات نت