يقول الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (الزمر: 53).
التوبة مفتاح باب الفلاح ورحمة من الله لجميع خلقه، يقول عز من قائل: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (النور: 31).
ليس العجب أن يذنب ابن آدم، فالأصل في الإنسان الخطأ والنسيان، والمعصومون من الخطأ هم الأنبياء والمرسلون، إنما العجب أن يتمادى في الذنوب، وأن يستمر في المعصية، أن ينسى ربه وينسى التوبة إليه ويقع في الغفلة عن الله وعن التوبة، بالإضافة للتسويف والتماطل، فحري بالمؤمن أن يحارب هذين المرضين العضالين.
التوبة كلمة تحمل معان عظيمة، إنها عودة غانمة لبارئنا وخالقنا، وتجارة رابحة لا تعرف الخسران، وروضة غناء لا يذبل زهرها.
التوبة غسل القلب بماء الدموع وحرقة الندم، فهي لوعة في النفس وانكسار في الخاطر، إنها مبدأ طريق السالكين ورأس مال الفائزين ومفتاح استقامة المائلين، كيف لا والله يفرح بتوبة عباده المذنبين، يقول عز من قائل: إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين (البقرة: 222).
عن أنس بن مالك عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قال: “لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِن أَحَدِكُمْ كانَ علَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فلاةٍ، فَانْفَلَتَتْ منه وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فأيِسَ منها، فأتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، قدْ أَيِسَ مِن رَاحِلَتِهِ، فَبيْنَا هو كَذلكَ إِذَا هو بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فأخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قالَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ” (1).
يقول الإمام القرطبي: “التوبة هي الندم بالقلب، وترك المعصية في الحال، والعزم على ألا يعود إلى مثلها، وأن يكون ذلك حياءً من الله”.
ويقول الإمام ابن القيم: “التوبة هي الرجوع إلى الله بالتزام فعل ما يحب وترك ما يكره، فهي رجوع من مكروه إلى محبوب”.
وللتوبة ثلاثة أركان:
1- الندم على ما فرط العبد في جنب الله
والندم انفعال القلب بالأسى والحزن والحسرة بسبب ما وقع من ذنب مع انسكاب الدمع، عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الندم توبة” (2)، و هو توبة القلب.
2- الإقلاع بالفعل عن الذنب
ويكون بترك المعصية فورا ومن دون تسويف أو إبطاء، وهو توبة الجوارح، قال صلى الله عليه وسلم: “إن الله عز وجل ليقبل توبة العبد ما لم يغرغر” (3).
3- العزم على عدم العودة للذنب
ويكون بالنية الصادقة على ترك المعصية للأبد، يقول عز وجل: يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار (التحريم: 8).
وإن كان الذنب مع عبد من عباد الله تعالى؛ بالإذاية في المال أو العرض أو غيرها، نضيف للأركان الثلاثة الركن الرابع، وهو رد المظالم إلى أهلها.
وحري بنا – نحن المسلمين – أن نتوب إلى الله توبة جماعية، توبة يومية، تمكننا من تكسير الحواجز التي تحول بيننا وبين الوصول للهدف والغاية؛ حب الله تعالى والتنعم برضاه، ولنا في رسول الله أسوة حسنة، فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: “واللَّهِ إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأَتُوبُ إلَيْهِ في اليَومِ أكْثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّةً” (4).
فالله نسأل أن يجعلنا من التوابين الأوابين، وأن يدخلنا برحمته في عباده الصالحين، وأن يبلغنا شهر رمضان وهو عنا راض. والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين والحمد لله رب العالمين.
1- صحيح مسلم.
2- أخرجه أحمد، وابن ماجة، وصححه الألباني في صحيح الجامع 6802.
3- رواه الترمذي.
4- صحيح البخاري.