التقرير السياسي السنوي المنبثق عن المجلس القطري للدائرة السياسية في دورته 21

Cover Image for التقرير السياسي السنوي المنبثق عن المجلس القطري للدائرة السياسية في دورته 21
نشر بتاريخ

هذا نص التقرير:

                                                        بسم الله الرحمن الرحيم
                                 وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

                                                            التقرير السياسي

شهدت الفترة الممتدة من تاريخ انعقاد المجلس القطري للدائرة السياسية في السنة الماضية إلى تاريخ انعقاد هذا المجلس تسارع مجموعة من الأحداث انعكست لا محالة على طبيعة وحجم التحولات السياسية والاقتصادية والأمنية… سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي أو على المستوى المحلي. يبسط هذا التقرير رصدا وقراءة لأهم تلك الأحداث مشيرا بتركيز شديد إلى تفاعل الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان مع بعض القضايا الوطنية والدولية، مع العلم أن التفصيل في التفاعل قد تم في تقرير منفصل، ألا وهو التقرير التنظيمي.

سياق دولي وإقليمي محتقن 
عرف العالم تقلبات متسارعة كان من أهمها نتائج الانتخابات في عدد من بلدان العالم؛ أبرزها أمريكا وفرنسا وألمانيا التي تميزت بطابع مشترك تمثل في تنامي تيارات يمينية متطرفة مهددة لقيم العيش المشترك خصوصا ضد المسلمين.
أما على صعيد المنطقة العربية والإسلامية فالبؤر الساخنة فيها تزداد اشتعالا واتساعا يوما بعد يوم، حيث تستمر آلة الحرب العمياء في حصد أرواح آلاف الضحايا، وتدفع آخرين نحو خيار الهجرة واللجوء. لقد أصبح جزء كبير من المنطقة مرتعا خصبا لتنامي نعرات القومية والقبلية والمذهبية، وبات تصدع البنيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية لدول المنطقة ينذر بانفجارات لا تعرف عواقبها، ويدفع في اتجاه تغيرات جيو-استراتيجية داخل المنطقة خاصة مع تعارض المصالح وتعدد المتدخلين. ولعل أبرز تلخيص لهذا الواقع المنفجر ما يجري من تطهير عرقي ضد المسلمين في بورما أمام صمت دولي مخجل، والحروبِ الدائرةِ رحاها في كل من العراق واليمن وليبيا وسوريا، هذه الأخيرة التي تعرف حربا بالوكالة يؤدي الشعب السوري ثمنها غاليا، وما يصاحب كل ذلك من مخططات تستهدف رسم خارطة ديمغرافية واجتماعية جديدة في عدد من المناطق، واستمرار حكم العسكر الانقلابي في مصر، والتوتر المستمر بين قطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة ثانية.
أحداث كبرى ألقت بظلالها على القضية الفلسطينية وجعلتها تتراجع في سلم الأولويات مما انعكس على حجم الضغط الذي تمارسه الشعوب لجعل القضية حاضرة في الكيان الجمعي للأمة، هذا ما شجع الكيان الصهيوني الغاصب على الاستمرار في سياساته الاستيطانية وممارساته العنصرية وتطاوله على الأقصى الشريف، دون أن ننسى سعيه الحثيث للتضييق على المقاومة من أجل إخضاعها ثم الإجهاز عليها في مرحلة لاحقة. وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ.
تحديات كبرى تفرض على كل الأطراف الفلسطينية إعلاء مصلحة الشعب الفلسطيني المجاهد الصامد الصابر، وتحقيق ما تهفو إليه قلوب الأمة من وحدة الصف الفلسطيني في وجه العدو الصهيوني.
لكن وفي مقابل استمرار أنظمة الاستكبار العالمي في تغولها والتوسع في تنفيذ مخططات تقسيم المنطقة العربية والإسلامية وإغراقها في الحروب الداخلية وربط مصيرها بالقوى الخارجية وعصابات العنف وتجارة السلاح، تواصل قوى المقاومة والأصوات المدافعة عن الحق والسلم والعدل انحيازها للقضايا العادلة في أفق صناعة تكتلات تسمح بإحداث توازن استراتيجي عالمي. إنها جدوة أمل يلهب وهجها يقيننا في التمكين للحق وأهله ودحر الفساد والمفسدين، رغم كل عوامل التيئيس والإحباط المنتشرة هنا وهناك. 
وانسجاما مع الاهتمام الدائم لجماعة العدل والإحسان مع قضايا الأمة الإسلامية والعربية فقد تفاعلت مع مختلف الملفات البارزة خصوصا الاحتجاج على المذابح ضد المسلمين الروهينجا، ومتابعة تطورات القضية الفلسطينية المتعلقة بالأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية بالتزامن مع ذكرى الأسير الفلسطيني، وملف التهويد المستمر للمسجد الأقصى المبارك، وملف الحصار الظالم على قطاع غزة ودعم الشعب الفلسطيني في انتفاضته ضد قيام الكيان الصهيوني بإغلاق المسجد الأقصى المبارك، وذلك بتنظيم العشرات من الوقفات والفعاليات التضامنية.

هذه السياقات الدولية والإقليمية، لابد من استحضارها ونحن نرصد واقعنا المغربي الذي عاش بدوره على مدار الأشهر الفارطة أحداثا كبرى شملت مختلف المجالات.

1. على المستوى السياسي: تهاوي شعارات الواجهة
تؤكد الأحداث التي عاشها المغرب خلال هذه السنة بما لا يدع مجالا للشك أن تحقيق دينامية سياسية تقطع مع واقع العبث والإفلاس حلم مؤجل، وأن ما أعلن رسميا من خطوات وإجراءات مع هبوب رياح الربيع العربي سنة 2011 لم تكن إلا شعارات سرعان ما تهاوت أمام فساد البنية السياسية وتعقدها، وأن ما قدم من وعود لم يكن سوى مسكنات ساهمت في تهدئة الشارع المحتقن وكسب رهان الوقت من أجل استعادة “زمام المبادرة” والالتفاف على إرادة الشعوب.
فالملك لا يزال مركز السلط، بل سلطة فوق السلط. والعمل الحكومي غارق في العجز والمحدودية ولا يتجاوز في أحسن الأحوال مهمات تصريف الأعمال وتبييض اختيارات المخزن. أما المشهد الحزبي في عمومه فعنوانه العريض هو الخضوع للإرادة المخزنية وارتهان القرار الحزبي لها؛ حيث لم يفلح في استعادة ثقة المواطن المغربي الذي عبر عن عدم الرضا بخيار المقاطعة الواسعة للعملية الانتخابية برمتها. 
مشهد سياسي مفلس أسقط كل الأقنعة ليكتشف من كان يحتاج لدليل أن شعارات التغيير ما هي إلا أداة من أدوات إعادة إنتاج الفساد والاستبداد.

  •  الملك: سلطة مطلقة فوق السلط
    إن من أخص خصوصيات النسق السياسي المغربي مركزية الملك داخله؛ باعتباره سلطة لها صلاحيات مطلقة يسود فيها الملك ويحكم دون أن يوازي ذلك أي نوع من المساءلة أو المحاسبة.
    فالملكية في المغرب تحكم قبضتها على أدوات الفعل سواء في بعده السياسي أو الاقتصادي أو الديني أو الأمني أو الخارجي…
    وقد حافظ الملك خلال هذه السنة على احتكاره للفعل السياسي وتحكمه فيه سواء في بعده الداخلي أو الخارجي من خلال مجموعة من الوسائل. ونكتفي في هذا التقرير بالتركيز على الخطب الأخيرة للملك التي أصبحت تستعمِل خطابا منتقدا سواء للإدارة العمومية أو الطبقة السياسية، وكأن الملك معارض وليس المسؤول الأول عن السياسيات العمومية.
    إن الخطب الملكية الأخيرة في مجملها إقرار بالفشل، فشل ما سمي بالإصلاحات الدستورية، وفشل المؤسسة الحزبية والإدارة العمومية والمبادرات التنموية، والمقاربات الاجتماعية. 
    هذه الخطب عابت على السياسيين اختباءهم وراء القصر لتبرير عجزهم، لكنها تجاهلت أن الملكية بدورها تختبئ وراء السياسيين لتبرير تقصيرها والتهرب من تحمل مسؤولياتها التي من المفترض أن يقرها القانون والدستور، على علاتهما، باعتبار الملك رئيسا للدولة، فأين هو ربط المسؤولية بالمحاسبة؟؟؟ وصدق من قال: رمتني بدائها وانسلت.
    إن انتقاد المؤسسة الحزبية والطبقة السياسية والاكتفاء بفضح عورها أصبح أمرا معروفا لدى الجميع؛ فما ينتظره المغاربة هو كشف المتسبب في ذلك، وفضح الاشتراطات التي تسيج الممارسة الحزبية والسقف الذي يرسم لها ولغيرها، وكشف أدوات التفتيت والاحتواء التي تستهدفها…. ناهيك عن آلية استنبات شخصيات ومؤسسات لا علاقة لها بالعمل السياسي إلا من باب الاسترزاق أو شق الصفوف أو…واللائحة تطول. 
    إقرار رسمي بفشل ما سمي بالنموذج التنموي المغربي الذي بذرت فيه الأموال الطائلة يتم تغطيته بترسيم الملك في خطاب العرش “للمقاربة الأمنية” وتبييض الاختيار القمعي للأجهزة الأمنية في مواجهة الاحتجاجات الشعبية على تداعيات فشل السياسات العمومية، في تجاهل تام للممارسات العدوانية التي مارستها القوات العمومية ضد مواطنين سلميين عزل، مما يؤكد أن الممارسات القمعية لم تعد فلتة بل أصبحت خيارا ونهجا. 
    إن التجاء المخزن في الآونة الأخيرة لمثل هذا الأسلوب يعد محاولة للتماهي مع المواطن المغربي والتخندق معه في خط عدم الرضا وتقديم الحكومة والأحزاب والبرلمان وحدهم كأكباش فداء في تبعات الفشل الذريع لسياسات المسؤول الحقيقي. والموضوعية تقتضي الإقرار بنصيب مهم من المسؤولية للحكومة والبرلمان وبعض الأحزاب لكن أيضا بتثبيت المسؤولية الكبرى للملك باعتباره الممارس الأهم للسلط التشريعية والتنفيذية والأمنية والقضائية.
    إن تحقيق مصالحة حقيقية مع كل مناحي الحياة العامة لا يقوم على تقديم “القرابين” التي تطيل عمر الفساد والاستبداد وتدفع عنه كل خطر يهدده، بل يقوم أساسا على الشجاعة في تحمل المسؤولية والقطع مع منطق التدبير المنفرد الذي يزداد استفحالا وتجدرا يوما بعد يوم.
  • تدبير “الحقل الديني”: احتكار وسوء استغلال
    لا يدخر المخزن وسعا في تكريس التدبير الاستبدادي من خلال الاستغلال البشع للدستور على علاته وللقوانين على محدوديتها، ولعل من أبرز آليات هذا التدبير استغلاله للشرعية الدينية من أجل تصفية حساباته والاستقواء على خصومه وتبرير قراراته. 
    ولقد شهدت الفترة التي يغطيها هذا التقرير استمرار النظام في احتكار الشأن الديني والانفراد بتدبيره مستغلا صفة “إمارة المؤمنين” وصفة “إسلامية الدولة” التي يستحضرها في مناسبات ويغيبها في أخرى. حيث استمر توظيف المساجد لتمرير الدعاية الرسمية لسياسات السلطة في تعارض صارخ مع مبدأ “حياد المساجد” الذي صُوِر في لحظة من اللحظات على أنه إنجاز تاريخي للنظام. ولعل تخصيص خطبة الجمعة في ماي 2017 بالحسيمة لتعبئة المصلين ضد حراك الريف يعيد للأذهان توظيف المساجد لحمل المواطنين على التصويت بـ”نعم” في الاستفتاء على الدستور سنة 2011. وما زال التدبير الأمني للحقل الديني حاضرا بقوة من خلال منع الناس من الاعتكاف داخل المساجد أيام شهر رمضان الفضيل، إضافة إلى إهمال الحجاج المغاربة وتردي الخدمات المقدمة لهم في مقابل الكلفة الباهظة المفروضة عليهم مقابل أداء شعيرة الحج…
    سياسة تأميمية لم تفلح في تحقيق التأطير الديني المطلوب الذي يقي المغاربة من دعوات التطرف؛ والتي أصبحت تستهوي عددا مهما من شبابنا، ولعل ما يتم الإعلان عنه بين الفينة والأخرى من تفكيك خلايا هنا وهناك مؤشر مهم في الباب، ناهيك عن عدد الملتحقين بصفوف التنظيمات المتطرفة في عدد من الدول.
    كما أن شعار “الأمن الروحي” الذي يتشدق به المشرفون على هذا الحقل يتهاوى أمام تنامي عدد المغاربة طلاب الفتاوى من الخارج، الذين لم يجدوا في المجلس الرسمي المنوط به هذا الاختصاص بغيتهم. 
    يزيد من تهاوي هذه الشعارات ما تعانيه أغلب المساجد والقيمين عليها من إهمال ومعاناة، وكذا نهج سياسة التضييق على بعض الخطباء، بل توقيف عدد منهم.
    اختلالات عميقة يزيد من خطورتها سلبية “المؤسسة الدينية” تجاه الكثير من مظاهر الاستهداف الممنهج لقيم المغاربة وأخلاقياتهم.
  • حكومة محكومة
    بعد ما يقارب الستة أشهر من الانسداد/البلوكاج الحكومي الذي تابع المغاربة فصوله، والذي انتهى بتوليف حكومة هجينة برئيس جديد بعد إعفاء سلفه. حكومة لا يجمعها قاسم مشترك لا من جهة التقارب الإيديولوجي ولا الانسجام السياسي، مما يجعلها عاجزة ابتداء عن أي إنجاز في مستوى إبداع حلول ناجعة للأزمة المستفحلة.
    وإذا أضفنا لهذا هشاشة الشرعية الشعبية ومحدودية الصلاحيات المختلفة، نجدها حتما حكومة لا ترقى لمستوى الملفات الحارقة التي تنتظر قرارات حاسمة وتدبيرا منسجما وحكيما.
    إن المسار الذي عرفه تشكيل الحكومة يعتبر ضوءا كاشفا لعبثية العملية الانتخابية برمتها. وهي قناعة لطالما عبرنا عنها بكل وضوح ومسؤولية مؤكدين أن الانتخابات كما يريدها النظام السياسي المغربي تبقى عاجزة عن فرض الإرادة الشعبية، والمشاركة فيها لا تعدو أن تكون شرعنة للفساد والاستبداد وتزكية لمؤسسات صورية سقفها لا يتجاوز تزيين الواجهة، لهذا كان جواب الكثير من المغاربة هو المقاطعة الواعية التي تمددت دائرتها لتستوعب ما يقارب 80 في المائة من الناخبين في الانتخابات التشريعية ولتتسع أكثر في كل الانتخابات الجزئية اللاحقة.
    إن هذا المسار يعكس طبيعة النظام المخزني القائم أساسا على الانفراد بالسلطة، والاستئثار بصلاحيات التسيير الفعلي لشؤون البلاد، ويؤكد ما سبق أن أعلناه في العديد من وثائقنا بكون أزمة المغرب ليست أزمة حكومة بقدر ما هي أزمة حكم. خلاصة لا يمكن اعتبارها بأي حال من الأحوال تبرئة للحكومة من مسؤولياتها وهي التي اختارت أن تكون واجهة لتبييض سياسات المخزن ورضيت خذلان الفئات المصوتة _على قلتها_ لتؤكد بما لا يدع مجالا للشك فقدان العملية الانتخابية لأي معنى وجدوى، ولتكرس ظاهرة العزوف والمقاطعة التي باتت خيارا شعبيا.

2. السياسة الخارجية: جمود في الأولويات وضعف في الأداء
ما زالت الدبلوماسية المغربية تعاني من مرضها التاريخي العضال وهو التدبير بالإرادة المنفردة، الأمر الذي يؤدي إلى تراكم الفشل في معالجة العديد من الملفات والقضايا الخارجية المعقدة والمتشابكة، والتي تتطلب لحلها الاعتماد على مقاربة تؤمن حقيقة بالإشراك الفعلي للمؤسسات والهيئات الممثلة للشعب؛ وإشراك الهيئات والشخصيات ذات الخبرة الدولية العالية والرصيد الدبلوماسي المعترف به.
وهذا بالضبط ما ينعدم في إدارة الشؤون الخارجية؛ حيث يسود منطق الولاء والقرابة عوض الكفاءة. فالسلك الدبلوماسي لا يقبل منه أكثر من مباركة خطوات الجهات المتحكمة في هذا المجال، وهذا دليل آخر على الاستبداد الذي يعرفه تدبير الشأن العام في المغرب ونتيجة طبيعية للاستفراد بالقرار السياسي.

  • ملف الصحراء: كلفة غالية لتدبير منفرد
    ما زال ملف الصحراء يمثل، وأكثر من أي وقت مضى، عبئا ثقيلا على الصعيدين السياسي والاقتصادي وكذا الاجتماعي. فالتداعيات المتشعبة لهذه القضية وامتداداتها الخطيرة تكبل إرادة البلد، وتعيق تطور علاقاته السياسية والاقتصادية مع العديد من الدول؛ خاصة مع من يصطف إلى جانب الطرف الآخر.
    إن حالة الجمود التي يعرفها هذا الملف بلغت حدتها أمام التوترات التي تشهدها المنطقة بين الفينة والأخرى، مثل ما وقع هذه السنة في منطقة الكركارات وما خلفه ذلك من توتر العلاقات مع الجارة موريتانيا، فضلا عن الخلاف القديم والمزمن مع الجزائر.
    وضع ينعكس، لا محالة، على الحالة الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة، ويمنع سريان العلاقات الأخوية بين شعوبها. ومما لاريب فيه أن الأنظمة السياسية تتحمل المسؤولية الأساس عن تأزيم الأوضاع داخل المنطقة. فالمدة الطويلة التي استمر فيها هذا الملف متأججا تبرز، بما لا يدع مجالا للشك، غياب الرغبة الرسمية في إيجاد حل جذري له، وتجعله مفتوحا على كل الاحتمالات وعلى مزيد من الاستنزاف للمغرب وجيرانه.
  • العودة إلى إفريقيا: بين الأهداف المعلنة والخفية
    إذا كانت سنة 2016 هي البداية الرسمية لمحاولة المغرب تجاوز سياسة الكرسي الفارغ في المنتظم الإفريقي؛ فإن سنة 2017 شهدت تركيزا كبيرا من النظام على محور إفريقيا من خلال الزيارات الملكية المتكررة لعدد من دول إفريقيا، والتي حظيت بتغطية إعلامية واسعة كان طابعها العام البهرجة والتصفيق عوض تحمل المسؤولية أمام الشعب والاعتراف بخطأ الانسحاب والمقاطعة وكلفته الغالية لسنوات طوال. كما أن الدعاية الواسعة للعودة تموه على خطإ آخر أفدح من سابقه من خلال توقيع العديد من الاتفاقيات ذات الطابع الاقتصادي استفادت منها بالخصوص الشركات والمجموعات الاقتصادية المحسوبة على الهولدينغ الملكي. فضلا على أن هذه الزيارات يتم في بعض الأحيان احتكار تدبيرها من قبل المربع الملكي بعيدا عن الحكومة والبرلمان وهيئات المجتمع، ولا تخضع إجراءاتها السياسية والمالية لأي رقابة.
    إن تبني الدبلوماسية الاقتصادية خيارا لعودة المغرب “لعمقه الافريقي ” في ظل وضع داخلي محتقن سياسيا واقتصاديا واجتماعيا يشكك في حقيقة أهدافه، كما أن محدودية هذا الانفتاح واقتصاره عموما على الدول الحليفة للمغرب يطرح سؤال أثره السياسي.
  • تنامي مفضوح لظاهرة التطبيع مع الكيان الصهيوني
    حافظ المغرب الرسمي تاريخيا على علاقاته المتينة مع الكيان الصهيوني، التي تباينت في درجاتها بين العلنية والسرية بحسب الوضع الإقليمي، وإن ظلت دائما مرفوضة على المستوى الشعبي، لكن الملفت للنظر هو هذا التصاعد غير المسبوق للتطبيع مع هذا الكيان الغاصب في السنوات الأخيرة، في ظل حكومة تعلن شعاردعم القضية الفلسطينية،لكنها في الواقع ظلت عاجزة تماما عن تحقيق هذا الهدف ولو في حده الأدنى. ويكفي دليلا على ذلك تقصيرها في دعم مشروع قانون تجريم التطبيع الذي تقدم به فريق الحزب الأغلبي. 
    وقد شهدت سنة 2017 العديد من المظاهر التطبيعية سواء على المستوى الرسمي للدولة أو المؤسسات العمومية والخاصة أو الأفراد والشركات في مجالات متنوعة؛ منها الثقافية والرياضية والتجارية وحتى البرلمانية.
    أمام هذا التنامي المفضوح لظاهرة التطبيع مع الكيان الصهيوني كان إصرار المجتمع المدني على فضح هذه الممارسات وشجبها إيمانا منه بمكانة ومركزية القضية الفلسطينية في الوجدان الشعبي للمغاربة. وفي هذا السياق تفاعلت جماعة العدل والإحسان مع ملف مناهضة التطبيع حيث نظمت وشاركت في العديد من الفعاليات المنددة بهذا الخيار المستفز لمشاعر المغاربة.

3. الوضع الحقوقي: ردة حقوقية وانتعاش للسلطوية
لقد رسمت كل التقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية صورة قاتمة عن الوضع الحقوقي بالمغرب سنة 2017، مستندة في ذلك إلى جملة من الخروقات والانتهاكات التي مست مجال الحريات والحقوق الأساسية. 
ولم تخف هذه الهيئات قلقها الشديد على ما آل إليه الوضع الحقوقي، والذي يعكس جليا زيف كل الشعارات الملوحة بالتطور الحاصل في مجال حقوق الإنسان. فالقضايا الحقوقية العالقة والمستعجلة لم يسجل فيها أي تقدم يذكر، أما القضايا المستجدة فلا حصر لها، واللائحة مفتوحة في غياب إرادة حقيقية للقطع مع هذه الممارسات.

  • الاعتقال السياسي: صفحة لم تطو 
    عاد ملف الاعتقال السياسي ليتصدر بقوة الواجهة الحقوقية بالمغرب، فإضافة إلى الملفات العالقة منذ سنوات: ملف عمر محب والسلفيون وما تبقى من معتقلي ملف بلعيرج، أضيف لهم معتقلو حراك الريف الذين فاق عددهم 390 معتقلا، و20 معتقلا من قيبلة أولاد الشيخ بإقليم قلعة السراغنة من بينهم أربع نساء، واعتقال 4 طلبة بالجديدة، والصحافي حميد المهداوي، وعضو جماعة العدل والإحسان بآزرو هشام بلعلام…. وآخرون، كل ذلك في أقل من خمسة أشهر. 
    هذا مع ما يرافق عملية الاعتقال من خروقات تبدأ بمداهمات البيوت وترويع أهلها، تليها ساعات طوال من التحقيق في مخافر الشرطة، وما يشوب ذلك من تعرض المعتقلين للتعذيب والمعاملة اللاإنسانية لانتزاع اعترافاتهم وإرغامهم على توقيع محاضر مزورة لم يطلعوا عليها، لتنتهي فصول هذه المسرحية باستصدار أحكام قاسية وجائرة في محاكمات تنتفي فيها أدنى معايير المحاكمة العادلة. 
    إن هذا المنعطف الخطير الذي يعرفه ملف الاعتقال السياسي يؤكد من جهة استمرار الدولة في تبنيها للمقاربة القمعيةأسلوبا للتعاطي مع مطالب الشعب الاجتماعية بدل أن تقدم مشروعا تنمويا شاملا ينهض بحال البلاد والعباد. ويؤكد من جهة أخرى إصرارها على توظيف القضاء وسيلة للانتقام من كل الأصوات المعارضة.
    وقد عرفت كل هذه الملفات استنكارا وشجبا من العديد من الفعاليات المجتمعية والسياسية التي أسست تنسيقيات للدعم والمساندة، كما قام ثلة من فضلاء المحامين من مختلف الهيئات للدفاع عن المعتقلين.
  • حرية التعبير والصحافة: القانون في خدمة قمع حرية التعبير
    استمرت السلطات في فرض المزيد من القيود على الحق في حرية التعبير والرأي، انعكس ذلك على المشهد الإعلامي العمومي الذي أنهكته سنوات من الاحتكار والتحكم؛ حيث عرف في الآونة الأخيرة تراجعا خطيرا في مجال تطوير المحتوى وبروز الاستقطاب والبعد عن الواقع والقضايا والهموم الحقيقية للمواطن، وكذا في حرمان المعارضين من حقهم في التعبير عن آرائهم وإبداء مواقفهم وانتقاداتهم السلمية للسياسات الرسمية. وامتد هذا التحكم إلى المنابر الإعلامية الخاصة من خلال التقليل من الاعتمادات الصحفية والتحكم في سوق الإشهار.
    ولفرض تحكمها وشرعنته وتقنينه أبقت الدولة العقوبات السالبة للحرية بتهريبها من قانون الصحافة والنشر إلى القانون الجنائي الذي يتضمن عقوبة السجن. وتجسد هذا المنحى بشن المخزن حملة اعتقالات واسعة على الصحفيين بسبب انتقادهم السلمي للسلطات، مثل محاكمة نقيب الصحافيين عبد الله البقالي واعتقال صحافيين آخرين، واعتقال عدد من المدونين في المواقع الاجتماعية. كما كثف المخزن في “مدونة الصحافة والنشر” من اشتراطات وتقييدات النشر؛ مما أفرغ مبدأ الحرية من حقيقته.
  • حرية التجمع وتكوين الجمعيات: عرقلة في التأسيس وتضييق في الممارسة
    مازالت السلطات تمعن في عرقلة الاعتراف القانوني بعدة جمعيات ومنظمات مدنية، وتتفنن في أساليب التضييق على أنشطة المعترف بها. وقد نالت المنظمات الحقوقية نصيبها الوافر من هذه القيود؛ ونخص بالذكر هنا فروع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والعصبة المغربية لحقوق الإنسان والهيئة المغربية لحقوق الإنسان وجمعية الحرية الآن والتنسيقية المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان وغيرها، وكذا التضييق على الجمعيات الثقافية والمراكز البحثية، ونذكر هنا بالخصوص الضغوط التي تعرض لها مركز بن رشد والتهديدات والاعتداءات والمحاكمات التي طالت وما تزال المشرفين عليه وفي مقدمتهم الأستاذ المعطي منجب.
    أما عن تعليمات منع أعضاء العدل والإحسان من تأسيس الجمعيات والانخراط فيها فتبقى سارية المفعول إلى أجل غير مسمى.
    إن هذه الممارسات المناقضة للقانون والدستور ومواثيق حقوق الإنسان تسيء إساءة كبيرة لسمعة المغرب، وتفضح عزم الدولة على إزاحة كل من يعارضها وينتقد سياساتها العمومية بشكل سلمي وقانوني من المشهد الجمعوي والمجتمعي، وإلا كيف نفسر حرمان المواطنين والمواطنات غير المقيدين في اللوائح الانتخابية من ممارسة حق تقديم العرائض، بل كيف نفهم جعل التقييد في اللوائح الانتخابية ضمن الشروط الضرورية لقبولها، علما أن غالبية هذه الفئة غير راضية على السياسات العمومية، وترفض المشاركة الانتخابية لأنها لا تعبر عن طموحاتها وحاجاتها، فكيف ستفعل الدولة مبادئ “الديموقراطية التشاركية” وهي تحرم غالبية مواطنيها من ممارسة هذا الحق.
  • الحق في التظاهر السلمي: عنف السلطة وسلمية الاحتجاج
    أمام تنامي الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها يوميا أغلب مناطق المغرب سواء في المدن أو في القرى، والتي ينتظم فيها المواطنون بكل مسؤولية مطالبين بأساليب سلمية بحقهم في أساسيات العيش الكريم، نجد أن السلطات تقابل فعلهم الحضاري هذا بأساليبها القمعية.
    لقد وثقت كثير من وسائل الإعلام ذلك بمناسبة تغطيتها لمجموعة من المسيرات والوقفات، ونددت به العديد من المنظمات الحقوقية، هذا في الوقت الذي وقف فيه الجميع منبهرا أمام السلمية التي أضحت عنوانا بارزا لكل الأشكال الاحتجاجية.
    ويمكن رصد مجموعة من الوقفات والمسيرات التي تعرضت للمنع باستعمال العنف المفرط؛ نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر وقفات الأساتذة المرسبين، واعتصامات سكان قبيلة أولاد الشيخ، ومسيرة 20 يوليوز 2017، والوقفات الاحتجاجية الداعمة لحراك الريف في كل من طنجة وتطوان والرباط، وغيرها من التظاهرات منددة بالحكرة….. ولم تتوقف الدولة في شططها عند هذا الحد، بل تجاوزته في سلوك ممجوج أصبح يعتمد على عصابات “البلطجية” لنسف هذه المظاهرات، والاعتداء على المتظاهرين السلميين.
    وقد أدى هذا الاستعمال المفرط للعنف اتجاه المتظاهرين في كثير من الأحيان إلى سقوط ضحايا كانت إصابات بعضهم خطيرة وصلت حد الوفاة، كما هو حال الشهيد عماد العتابي رحمه الله، الذي توفي متأثرا بجروحه بعد إصابته من قبل قوات القمع على مستوى الرأس في مسيرة 20 يوليوز بالحسيمة.
  • قضايا الجماعة: انتقام مفتوح
    اختارت جماعة العدل والإحسان منذ تأسيسها الاصطفاف إلى جانب قضايا وهموم الشعب ودعمها لمطالبه المشروعة في الكرامة والحرية والعدالة. وقد كان لهذا الاختيارِ ثمنٌ باهض؛ فهناك العديد من الملفات الحقوقية التي مارس من خلالها المخزن أبشع صور الظلم والجور على الجماعة؛ نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: السجن الظالم لعمر محب، وتشميع البيوت، وملاحقة المحكوم عليهم بغرامة الاجتماع على القرآن الكريم، وطمس ملف الشهيد كمال عماري بعيدا عن كشف الحقيقة وترتيب الجزاء على مقترفي الجريمة وجبر الضرر، ضدا على ما أقره تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان وتقارير المنظمات الدولية والوطنية من مسؤولية الدولة في الجريمة، ومواصلة أشكال التضييق المتنوعة في حق أعضاء الجماعة ورموزها…
    وقد كان من آخر فصول هذه السياسة الانتقامية ترسيب بعض الناجحين من الأساتذة المتدربين، وإعفاء العشرات من الأطر الأكفاء الأوفياء لمسؤولياتهم من مهامهم والتعسف في إلحاقهم ومنع الحركة الانتقالية عن بعضهم.
    وهنا تجدر الإشادة بالتفاعل الإيجابي والقوي للنقابات وهيئات المجتمع المدني، التي أبانت عن انخراط جاد ومسؤول من خلال التضامن الواسع مع ضحايا هذه الملفات.

4. على المستوى الاقتصادي: في الحاجة إلى “معجزة”
لم تفلح كل محاولات الطمأنة التي تطلقها الحكومة في التغطية على واقع الأزمة الاقتصادية التي يعيشها المغرب ويكتوي بلهيبها المواطن، ولم تفلح الشعارات المرفوعة في إخفاء المراتب المتدنية التي تنطق بها بعض التقارير الوطنية والدولية.
أزمة متعددة الأوجه تظهر من خلال تراجع النمو الاقتصادي وضعف دينامية التشغيل وتدني مستوى السيولة أمام تزايد الأسعار وارتفاع الضغط الضريبي وتفاقم المديونية والعجز التجاري. ملفات حارقة تم تدبيرها من خلال تدابير ترقيعية لا تناسب مستوى تجدر الأزمة وحدتها، وزاد من فضح عجزها دورة خريفية بيضاء أُهدِرت من عمر السنة السياسية، ليستمر اقتصاد الريع في نهب خيرات البلاد والعباد دون حسيب أو رقيب في تغييب تام لشروط الحكامة الاقتصادية. 
ورغم ما يتداول حسب معطيات الميزانية الاستشرافية لسنة 2017 من أن معدل نمو الناتج الداخلي الخام سيتحسن ليبلغ متم سنة الجارية 4,8% بفضل سنة فلاحية متوسطة بلغت حصيلتها أزيد من 90 مليون قنطار للحبوب الأساسية، وبعد سنة 2016 التي لم يتجاوز فيها المعدل المذكور 1,5%، فإن هذا “التحسن المزعوم” هو بمثابة الشجرة التي تخفي النواقص الهيكلية التي يشكو منها الاقتصاد المغربي.
فالمديونية العمومية الإجمالية بلغت مستويات مرتفعة وغير مسبوقة. حيث سجلت نهاية الفصل الأول من سنة 2017 أكثر من 845 مليار درهم، أي أكثر من 84% من الناتج الداخلي الإجمالي. مما يطرح السؤال حول مبررات الإصرار على اللجوء المفرط للدين مع ضعف نجاعة الاستثمارات الممولة بواسطته أو أوجه صرفه، وهذا ما أكده البنك الدولي في تقريره الأخير حول المغرب (المغرب في أفق سنة 2040) حين أرجع تفاقم الدين العمومي للإنفاق على استراتيجيات مكلفة وبعيدة المردودية. في مقابل هذا التزايد المفرط في معدلات المديونية يستمر الضغط الضريبي الذي تكتوي بلظاه جيوب الأسر المغربية دونما مراعاة لمحدودية الدخل وغلاء المعيشة.
معضلات اقتصادية من بين أخرى تظهر ترديا كبيرا في الوضع الاقتصادي، يقابله إصرار على المضي في استراتيجيات كبرى لاتخدم إلا واضعيها؛ حيث نجد الشركة الوطنية للاستثمار مثلا، والتي تبلغ أصولها تقريبا 100 مليار درهما، وهذا فقط ما ظهر من مساهمات الجبل العائم للهولدينغ الملكي الذي يواصل امتداده و سيطرته في قطاعات مثل الطاقات المتجددة والأبناك والتأمينات والمعادن وغيرها، علما أنها قطاعات استراتيجية ومدرة لأرباح خيالية. هذا على المستوى الداخلي أما خارجيا – في إفريقيا جنوب الصحراء_ فهناك مراكمة أرباح طائلة ناهزت ملياري درهم سنة 2016 لوحدها، في الوقت الذي يعيش فيه الاقتصاد الوطني اختناقا حادا وتزداد فيه متاعب المقاولات الصغرى والمتوسطة بسبب غياب تام لأدنى شروط المنافسة الاقتصادية النزيهة. ومما يزيد الطين بلة هو استمرار تهريب الأموال بطريقة غير شرعية، إذ حسب تقرير المؤسسة الأمريكية “النزاهة المالية الكلية” الصادر في أبريل 2017 بلغ مجموع الأموال المهربة ما بين 2003 و2013 ما يناهز 41 مليار درهم. دون الحديث عن الفضائح التي تطفو مرة بعد مرة عن صفقات مشبوهة؛ كتلك المرتبطةبقطاع الغاز الذي يتم التنقيب عنه شرق المغرب أو عن تهريب سبائك الذهب المغربي…
وضع اقتصادي كارثي يزيد من سوءاته بعض القرارات الاقتصادية الارتجالية في قضايا مصيرية من قبيل التعجل في قرار تعويم الدرهم ثم التراجع عن ذلك؛ في تجاهل كامل لعجز الاقتصاد المغربي عن ولوج سوق التنافسية العالمي.

5. على المستوى الاجتماعي: اعتراف رسمي بالفشل
وضع تقرير التنمية البشرية، للأمم المتحدة لسنة 2016، المغرب في المرتبة 123 من بين 188 دولة. وجاء المغرب في مراكز متخلفة بعد جارتيه الجزائر (83) وتونس (97)، وتقدمت عليه دول أنهكتها الحروب مثل ليبيا والعراق، بل لقد صنفه التقريرُ البلدَ الأكثر تخلفا في دول البحر الأبيض المتوسط.
والمثير للاستغراب أن المغرب رغم ترويجه لما يسميه بالاستقرار السياسي، واستدانته إلى مستويات كبيرة جدا (أكثر من ٪ 84 من ناتجه الإجمالي الداخلي) لم يتقدم خطوة واحدة في تحقيق التنمية لمواطنيه بل استمر في تسجيل مفارقات اجتماعية صارخة؛ فبينما يراهن على تشييد قطار سريع (TGV) ما يزال 650 ألف طفل بدون مقعد في المدرسة، بل غادر هذه المدرسة لأسباب اجتماعية 218 ألفا و141 تلميذ (أي 3٪ من المسجلين). إنه النموذج التنموي الذي ما كنا في حاجة لإقرار رسمي متأخر بفشله. فبذور فشله جزء من بنيته الاستبدادية وخلفيته الاحتكارية للسلطة والثروة معا. 
هذا الواقع المرير، جعل المغرب يعيش طيلة السنة التي خلت على صفيح ساخن من الاحتجاجات الاجتماعية، فلا يكاد يمر يوم دون أن تنظم وقفة هنا أو مسيرة هناك. احتجاجات توسعت مجاليا وقطاعيا فكادت تغطي جميع جهات الوطن، بوادي وحواضر، خصوصا تلك الموجودة في المغرب العميق حيث تصبح مظاهر الفقر والهشاشة والحكرة أكثر حدة، وآخرها الاحتجاجات الجارية في عدد من مناطق المغرب بسبب العطش، وهي مفارقة غريبة في بلد السدود وإنفاق الأموال الطائلة على المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب وتصدي 6 وزارات لشؤون الماء.
ولتجلية أكبر لهذا الواقع الاجتماعي، نسلط الضوء على بعض المجالات على سبيل المثال لا الحصر:

  • البطالة والفقر:
    يتغير عدد الفقراء بحسب منهجيات الاحتساب والجهة الصادر عنها، ففي الوقت الذي أظهرت المندوبية السامية للتخطيط في آخر تقاريرها في الموضوع أن نسبة الفقر انخفضت بالنصف ما بين 2004 و2014 ليستقر العدد الاجمالي للفقراء في أربع ملايين و200 ألف مغربي منهم نواة الفقر المشكلة من مليون و400 ألف يشكون في آن واحد من الفقر المتعدد الأبعاد (مشاكل الولوج للتعليم والصحة والبنية التحتية) والفقر النقدي (أقل من 10 دراهم للفرد في اليوم)، نقرأ في التقرير السنوي لسنة 2016 الصادر عن الوكالة الوطنية للتأمين الصحي أن عدد المسجلين في نظام المساعدة الطبية “راميد” متم نونبر 2016 تجاوز العشر ملايين بمعدل تغطية بلغ 88%. مؤسستان رسميتان والفارق كبير يتجاوز مرتين ونصف. وحتى إن سلمنا جدلا أن عدد الفقراء قد انخفض بالنصف فلماذا يقبع المغرب إذا، منذ سنوات، في المرتبة 123من أصل 188 دولة في مؤشر التنمية البشرية؟؟
    ومن مفارقات الإحصائيات المغربية أن 85,4% من الفقراء هم بالعالم القروي الذي يعرف معدل بطالة متدن- حسب الإحصاءات الرسمية- لا يتجاوز 4%، وعلى العكس بالوسط الحضري الذي لا تتجاوز فيه نسبة الفقراء 14,6 % من إجمالي هذه الفئة. وتبقى ظاهرة البطالة بالمغرب أكثر انتشارا في صفوف حاملي الشهادات والشباب (أكثر من 23,4%). مما يسائل سياسات الدولة واختياراتها الاقتصادية ومدى قدرتها على خلق دينامية تشغيلية تستوعب طوابير المعطلين من الشباب المغربي ناهيك عن بلورة منظومة تربوية وتعليمية ناجعة تستجيب من بين أهداف أخرى لمتطلبات سوق الشغل.
  • التعليم والثقافة:
    في تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي سنة 2017، احتل المغرب، حسب مؤشر التعليم، المركز 101 عالميا من بين 140 دولة. هذا الترتيب وأرقام أخرى (باستثناء تقدم طفيف جدا على سلم تقويم التعلمات(TIMSS، تؤكد استمرار أزمة منظومتنا التعليمية، بل إنها تعيش موتا سريريا لم ينفع معه إنعاش “الرؤية الاستراتيجية” التي دخل تنزيل مشاريعها موسمه الثاني، في غياب أو تغييب تام لرؤية حقيقية عميقة وشمولية بمداخلها السياسية والاجتماعية بدل المقاربة التقنوية أو المعالجة الأمنية الضيقة للمدرسة،باعتبارها مدرسة السلطة وليس المجتمع.
    ومن أبرز ما سجل السنة الماضية تشغيل عشرات الآلاف من الأساتذة بالتعاقد (11 ألف سنة 2016 ثم 24 ألف سنة 2017) اعتمادا على تكوين هزيل ومرتجل لا يناسب ما ينتظرهم من مهمة مصيرية؛ مما يضرب في الصميم مبدأ جودة التعليم التي يدعيها المسؤولون. كما نسجل تصاعد التوجه الفرونكفوني، وتنامي اختلالات تدبير شؤون القطاع، وهو الأمر الذي أبرزه المجلس الأعلى للحسابات في تقارير عدة. 
    من جهة ثانية، تميز الدخول المدرسي لهذا الموسم بهيمنة أجواء التذمر والاحتقان وسط عدد مهم من رجال ونساء التعليم نتيجة الحيف الذي طالهم بسبب سوء تدبير ملف الحركة الانتقالية، وتأخر المواعيد والإجراءات التي التزمت بها الوزارة، مقابل الحرص الزائد على تلميع الواجهات، وهدر الجهود والموارد في الترميم والترقيعات عوض التصدي للإشكالات الحقيقية والعميقة للمنظومة، وفي مقدمتها الارتقاء بالموارد البشرية، وتكافؤ الفرص وتحقيق العدالة المجالية، وحكامة المنظومة،وضمان جودة التعلمات، ووظيفية المناهج…
    أما على صعيد القيم، فتعيش منظومتنا التربوية انحدارا خطيرا في مؤشر القيم باعتراف رسمي للمجلس الأعلى في للتربية والتكوين والبحث العلمي، والذي أقر في تقريره الأخير لسنة 2017 بوجود اختلالات وإشكالات في الاشتغال على إرساء منظومة للقيم، حيث انعكس ذلك في “اتساع الهوة بين الخطاب حول القيم والحقوق والواجبات وبين الممارسة الفعلية لها”.
    انتكاسة قيمية تنفي وجود أي رغبة حقيقية وإرادة سياسية للدولة في جعل المدرسة بالفعل مزرعة للقيم النبيلة المنسجمة مع هوية المجتمع المغربي؛ خصوصا مع تبني سياسات وخيارات ثقافية وإعلامية وفنية قاصفة لمنظومة القيم الأصيلة للشعب. كما أنها محاولة مكشوفة لتبرير الخيار الأمني من أجل إحكام القبضة على أجيال من الشباب وإبعاد المدرسة، بمكر وإصرار، عن التفاعل مع محيطها، وعن الاضطلاع بدورها في بناء إنسان الحرية والكرامة.
    ولا تزال الدولة في المجال الثقافي والفني وفية لسياستها القائمة على تشجيع التمييع والتسطيح والانحلال وتفريخ المهرجانات والمنتديات الهابطة، التي تمول من أموال الشعب، في مقابل التضييق على الثقافة الجادة والفنون البانية، وتهميش كل الأصوات المغردة خارج اللحن المخزني. كما نسجل استمرار التحكم في الحقل الثقافي والفني وتسخيره لتزكية الخيارات الرسمية من خلال مقاربة مختلة لعملية الدعم وطبيعة تدبير الإعلام الثقافي.
  • الصحة: 
    في ماي 2017، أوضح تقرير منظمة الصحة العالمية أن المغرب يخصص 14,9 إطارا طبيا لكل مائة ألف مواطن مغربي محتلا بذلك المركز 16 عربيا، وهي نسبة ضئيلة إذا ما قورنت مثلا ب 218 طبيبا في النرويج أو حتى بـ90 طبيبا في ليبيا. وأبرز أن المغرب يخصص لقطاع الصحة حوالي 6٪ من ميزانيته العامة، وهي نسبة لا تصل حتى إلى النسبة المقررة من قبل منظمة الصحة العالمية أي 9٪. وانتقد صعوبة الولوجية للمستشفيات؛ حيث لا تتعدى نسبة العلاج في المستشفيات العمومية 5٪، ومن مظاهر انعدام العدالة المجالية، تمركز 38٪ من الأطباء في جهتي الرباط والبيضاء. هذا الوضع المتأزم هو ما عبر عنه رئيس المجلس الأعلى للحسابات في تصريح له يوم 4 يوليوز 2017 أمام البرلمان، حين قدم خلاصات بحث المجلس حول الفساد الذي يستشري في مجموعة من المؤسسات العمومية، منها المؤسسات الصحية، وأنذر بتفاقم وضعها. 
    إن هذا الاعتراف الرسمي، إضافة إلى سلسلة من التقارير والدراسات، تبين، بما لا يدع مجالا للشك، أن قطاع الصحة بالمغرب يعيش وضعية صعبة جدا بفعل تخبطه في العديد من المشاكل والاختلالات الناتجة عن سياسات التهميش وعن الفساد في تدبير موارده على قلتها، وكذا توتر الأجواء وانعدام الثقة بين مختلف الأطر الصحية والمدبرين للقطاع، ولا أدل على ذلك من تصاعد الاحتجاجات المنظمة من قبل كل الفئات العاملة بالقطاع، في ظل غياب أي إرادة سياسية حقيقة تجعل للقطاع مكانته الاستراتيجية، وترصد له كل الإمكانات البشرية والمادية والتقنية و القانونية وفق المعايير الحديثة.
  • الحوار الاجتماعي:
    اتسمت هذه السنة باستمرار الدولة في إعطاء الأولوية للتوازنات الماكرو اقتصادية على حساب التوازنات الاجتماعية؛ من خلال تجميد الأجور والرفع من الأسعار، والتخلص التدريجي من الخدمات الأساسية. كما عمدت إلى تقليص الغلاف المالي المرصود للوظيفة العمومية واعتماد التوظيف بموجب عقود، و”إصلاح” الصندوق المغربي للتقاعد. كل هذه الإجراءات انفردت الحكومة باتخاذها بعيدا عن آلية الحوار الاجتماعي المجمدة أصلا.
    ولم يستطع الجسم النقابي، رغم تنسيقه الخماسي، ثني الحكومة عن إنجاز مخططها التخريبي ووقف هجومها على مكتسبات وحقوق الشغيلة عموما. فشهدت الساحة النضالية تصاعد وتيرة تأسيس التنسيقيات والجبهات الموضوعاتية؛ كالتنسيقية الوطنية لإسقاط خطة التقاعد، والجبهة الوطنية للدفاع عن التعليم العمومي، وتنسيقية الأساتذة المتدربين الذين واصلوا نضالهم دعما لزملائهم المئة والخمسين المرسبين ظلما وعدوانا. إن نجاح هذه التنسيقيات في تحقيق تعبئة متصاعدة للقواعد، والضغط النضالي على الحكومة للاستجابة لمطالبها، يعتبر انعطافة لها ما بعدها في مسار الفعل النضالي المطلبي، لاسيما إذا أصرت الدولة على فرض مزيد من القيود على الحق في الإضراب.
    ومن العناوين البارزة أيضا هذه السنة تسجيل عشرات التحركات الاحتجاجية والتضامنية المحلية والوطنية مع ضحايا حملة الإعفاءات المخزنية الظالمة التي طالت أزيد من 150 موظفا موزعين على عدد من القطاعات الحكومية بسبب انتمائهم السياسي أو نشاطهم النقابي. هذه التحركات ساهم في تأطيرها عدد من الهيئات الحقوقية والنقابية وشخصيات المجتمع المدني، والتي تبلور عنها تشكيل لجنة وطنية داعمة، وكان من أبرز تلك المحطات مسيرة “لسنا في ضيعة أحد”. 
    وقد كان للقطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان مساهمة فاعلة في هذه التحركات، سواء من طرف الممارسين النقابيين الناشطين في الهيآت النقابية التي ينتمون إليها تعبئة وحضورا، أو من خلال مساهمة القطاع إلى جانب كثير من الهيئات المناضلة، مساهمة متميزة في إنجاح عدد من المحطات النضالية التي دعت إليها مختلف هذه التنسيقيات.

6. المرأة المغربية: “حكرة”بصيغة المؤنث
لقد عرفت سنة 2017 حضورا لافتا لمجموعة من القضايا النسائية التي عكست عمق الأزمة النسائية وتعدد أبعادها. فعلى المستوى السياسي، ورغم تزايد خطابات المناصفة والمطالبة بولوج المرأة إلى مراكز القرار، فإن نسبة المنتخبات لم تتجاوز 21% في الانتخابات التشريعية لسنة 2016، وعكس كل التكهنات عكس الإعلان عن اللائحة الوزارية حجم الشرخ الحاصل بين الشعارات والواقع، فطبيعة الحقائب المسندة للنساء، والتي تحمل طابعا اجتماعيا أو انتدابا لدى وزير أو كاتبة دولة، مؤشر على استمرار تهميش الكفاءات النسائية، ودليل يسائل كلا من الدولة وبعض الأحزاب السياسية عن مزايداتهما السياسوية بخصوص قضية المرأة.
ومن الناحية القانونية، وعلى الرغم من انتهاء ولاية كاملة للحكومة، لم يخرج بعد إلى الوجود قانون تجريم العنف ضد النساء، ولم يتم تفعيل القانون الخاص بالعمال المنزليين، على علات المشروعين. قصور قانوني يفضح جانبا من هموم النساء المغربيات.
أما على المستوى الاقتصادي، فإن أرقام البطالة في صفوف النساء مهولة، ومستويات الفقر بينهن جد مرتفعة. فضلا عن أن خروجها للعمل يضعها وجها لوجه أمام سيل من التعسفات، التي تلاحقها في غياب حماية تشريعية أو مجتمعية أو أخلاقية: عدم مساواة في الأجور، استغلال في ضيعات فلاحية أو شركات النسيج، تسريحات جماعية، إهانة أو تعنيف، تحرش جنسي… ولعل ما حدث، ويحدث باستمرار، في المعبر الحدودي “باب سبتة” من حوادث دهس وقتل للنساء، لمثال حي على ذلك.
وعلى المستوى الاجتماعي، مازالت الأمية تضرب بأطنابها في أوساط النساء المغربيات بنسبة تفوق 30٪ في الوسط الحضري و60 % في الوسط القروي من مجموع النساء. أما بخصوص الصحة الإنجابية فيستمر نزيف الوفيات المرتفعة للعديد من النساء أثناء الولادة، فما عاد مستغرباً أن تلد النساء في أروقة المستشفيات وفي مداخلها، بل وأحياناً في المراحيض. صور صادمة تلخص واقعا صادما.
ولا يفوتنا هنا أن نسجل تنامي العنف بكل أنواعه المادية والرمزية داخل الأسرة والمجتمع، و النسبة الرسمية للنساء المعنفات 62٪ تبين حجم الظاهرة وتأثيراتها السلبية على العلاقات الاجتماعية والأسرية. هذا العنف المتفشي ما هو إلا جزء بسيط من عنف ممنهج تمارسه الدولة عندما تحرم النساء من حقهن في التعليم والصحة، وحينما تتجاهل مطالبهن في قوانين عادلة، وحين تشرعن عبر إعلامها لصور نمطية مهينة للمرأة، بل عندما تصل الدولة إلى حد إيذائهن جسديا ونفسيا. وعوض فتح نقاشات جادة حول الأسباب الحقيقية لمآسي المرأة المغربية وسبل العمل المشترك للتصدي لها، يتم إشغال الرأي العام بنقاشات غير بريئة، مثل قضية الإرث التي لن تغير من واقع المرأة البئيس شيئا في ظل بنية سياسية استبدادية تغيب فيها الحرية، وتنعدم فيها المؤسسات الشعبية ذات السلطة والمصداقية في مقاربة القضايا الخلافية في المجتمع. وبالتالي يكون المستفيد الأول من إثارة مثل هذه القضايا هو الاستبداد الذي يعيد إنتاج نفسه وخدامه، مقابل إضعاف المجتمع وزرع الفرقة بين قواه الحية.
لكن، وعلى الرغم من هذه الأوضاع المتردية التي تعيشها النساء المغربيات، نسجل بافتخار حضورهن الوازن والفعال في الحراك الذي عاشه المغرب هذه السنة سواء تعلق الأمر بحراك الريف، أو بمختلف الاحتجاجات التي عرفتها باقي المناطق. وذلك ما كان سببا في تعرضهن لمختلف أنواع التعنيف النفسي والجسدي الذي وصل حد الاعتقال. ومن أمثلة ذلك اعتقال كل من سلمى الزياني (سيليا) ونساء قبيلة أولاد الشيخ وإجهاض الأستاذة المرسبة صفاء الزوين… هذا الحضور، يدل على ارتفاع منسوب الوعي لدى المرأة المغربية وتراجع حاجز الخوف، الذي خلفته سنوات القمع والتدجين المخزنيين. بل إن تزعمها وقيادتها للمسيرات الحاشدة يؤكد أنها أصبحت في مستوى المبادرة والسبق.
وقد كان للقطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان حضور قوي في كل المحطات النضالية الداعمة لهذا الحراك منذ البداية سواء في المسيرات أو الوقفات أو الدفاع عن المعتقلين ودعم عائلاتهم. كما عبر عن مواقفه وتفاعله مع مختلف الأحداث عبر عدة بيانات وتصريحات وحوارات. واستمر القطاع خلال هذه السنة بكل حيوية في تنظيم أنشطته الدائمة التي يهدف من خلالها إلى التخفيف من مخلفات الوضع المزري للمغربيات، من خلال تأهيل النساء، بمختلف فئاتهن، وتأطيرهن وتوعيهن. كما استمر في مد جسور الحوار والتعاون مع الفاعلات النسائيات عبر تنظيم الندوات أو المشاركة فيها، وأيضا من خلال الحوارات الصحفية والبرامج الإعلامية.

7. الشباب المغربي: أفق مجهول
رغم الدور الهام والحيوي لفئة الشباب داخل المجتمع، ورغم النسبة العالية التي يمثلونها في النسيج الديمغرافي المغربي (الشباب من 15 إلى 24 سنة يمثلون 6,03 مليون نسمة حسب الإحصاء العام لسنة 2014)، فإن الدولة تتعامل معهم بتوجس وتعتبرهم عبئا ثقيلا، بدل أن يكونوا مصدر قوة وثروة واستشراف للمستقبل. لذلك كانت المقاربة الأمنية القمعية دائما حاضرة في التعامل معهم، وكبح حريتهم، قصد بث الخوف وسطهم، ومحاولة إسكات كل صوت حر، وإقبار كل مبادرة ترمي إلى نشر الوعي الحقيقي. ولعل الترسيبات الانتقامية وقمع الاحتجاجات الشبابية واستمرار الاعتقالات السياسية يدخل في هذا النطاق. وما يخدم هذا التوجه هو وضع سياسات تعليمية وإعلامية ورياضية وثقافية وفنية تدجينية تهدف إلى إلهاء الشباب عن واقع الفساد و الاستبداد. 
أضف إلى ذلك ما يتسم به الواقع الاجتماعي من بؤس يكتوي بلظاه الشعب المغربي عامة؛ والشباب بصفة أخص. ففي إحصائيات رسمية أوردتها المندوبية السامية للتخطيط سنة 2016 تبلغ نسبة الأمية لدى الشباب 11٪ على الصعيد الوطني، وشابا من بين كل 4 شبان تتراوح أعمارهم ما بين 15 و 24 سنة (أي مليون و 685 ألف شاب) على الصعيد الوطني لايعملون ولا يدرسون ولايتابعون أي تكوين. هذا الإحصاء الأخير أكدته أيضا وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية حيث أعلنت أن نسبة بطالة الشباب تصل إلى 30,6٪. هذه النسبة الرسمية تصبح متجاوزة لو وسعنا تعريف البطالة وأخذنا بعين الاعتبار انتشار الأعمال الموسمية والمؤقتة سواء في البوادي أو الحواضر. 
نتيجة لهذا الوضع البئيس، تنتشر في أوساط شبابنا آفات مجتمعية كثيرة نذكر من بينها آفة المخدرات، حيث يعد المغرب من أكثر البلدان ترويجا واستهلاكا لها. ولعل كمية الكوكايين الخالص التي تم “ضبطها” دفعة واحدة شهر أكتوبر الماضي (بقيمة 2500 مليار درهم مغربي) والموجهة للاستهلاك داخل المغرب يجلي فكرة تقريبية عن حجم ما يروج داخليا من المخدرات، ويعد مؤشرا خطيرا عما يتعرض له أبناؤنا وبناتنا. إن الفئة الأكثر تعاطيا لهذه الآفة هم المراهقون مابين 16 و18 سنة. كيف لا والمخدرات بمختلف أصنافها منتشرة في محيط مؤسساتنا التعليمية وبين جدرانها. وهذا ينتج عنه بالضرورة انتشار العنف وارتفاع وتيرة الجرائم التي امتدت لتشمل الأصول، بل يصل الأمر حد قتل أو محاولة قتل النفس. فأرقام انتحار الشباب والقاصرين تدل على مدى اليأس الذي وصل إليه شبابنا نتيجة الظلم والحكرة. 
إن شبيبة العدل والإحسان، وعيا منها بكل الأثقال والمثبطات السابقة تستفرغ كل الجهد، احتضانا وتوعية وتأطيرا لعدد هام من الشباب المغربي، بما فيهم التلاميذ والطلبة، من أجل بث الأمل والقيم النبيلة واجتثاث جذور اليأس والإحباط والعنف. وقد اتخذت لخدمة هذا الهدف خلال هذه السنة عدة وسائل نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: تنظيم قافلة ملتقى الشبيبة التي جابت عددا من المدن والتقت بشبابها وشاباتها وتقاسمت معهم همومهم وانتظاراتهم، ثم حملة “أنا مرضي الوالدين” التي تهدف إلى ترسيخ قيمنا الأصيلة في العلاقات الأسرية. فضلا عن مشاركة القطاع الطلابي بفعالية في الحملة الوطنية المنددة بسياسات الدولة اتجاه الجامعة والشباب تحت شعار “الاستهتار بالشباب والجامعة، استهتار بمستقبل الوطن” وفي الملتقى الطلابي الخامس عشر الذين نظمهما الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. وقد حقق كل ذلك انخراطا وتجاوبا عكس تعطش الشباب المغربي لمن يحمل همه ويعبر عن أمله ويدافع عن حقه، وأكد ضرورة إيجاد بيئة مناسبة حاضنة لشبابنا المغربي كي تتفتق مواهبه وتستثمر طاقاته ويصبح عنصر بناء وقوة لمجتمعه لا معول هدم وتخريب.
كما أن شبيبة العدل والإحسان شاركت ونظمت مجموعة من الندوات الحوارية التواصلية بهدف مد جسور التواصل والحوار مع باقي الشبيبات الفاعلة في الساحة السياسية والطلابية المغربية، وحرصت على الحضور إلى جانب التنسيقيات الشبابية والانخراط الفاعل في كل أشكال التضامن والدفاع عن قضايا الشباب العادلة، سعيا منها لتقريب وجهات النظر وتربية الشباب على العمل المشترك وإيجاد جو صحي لممارسة الاختلاف المشروع والتعاون المحمود.

8. جواب الشارع المغربي: الاحتجاج منذر بالانفجار
إن النظام المغربي لا يريد أن يستوعب أن احتكار السلطة واحتكار الثروة هما سببا هذا الانسداد السياسي والاحتقان الاجتماعي، اللذين يبددان التطلع لأي أمل في الأفق، ولا يريد أن يعيي أن الغليان الشعبي يتنامى يوما بعد يوم، ولن تجدي معه السياسات الترقيعية والشعارات التمويهية، ولن تطفئ جذوته المقاربات الأمنية. فقد أضحى المغرب يتلظى على صفيح حارق يلهب الشارع المغربي في شكل احتجاجات اجتماعية شملت فئات متنوعة وقطاعات متعددة ومناطق مختلفة.، حتى بات من الصعب إحصاؤها فضلا عن تجاهلها، ويكفي هنا الإشارة إلى ما تم تداوله بشكل رسمي حيث أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة أن الأشكال الاحتجاجية وصلت إلى 11 ألف مسيرة ووقفة. إنه رقم لا يعكس الحقيقة كاملة، ويوظف للدلالة على ما يزعم المخزن من سيادة الحرية وحقوق الإنسان، غير أنه يدل بوضوح على جو الاحتقان والغضب على السياسات العمومية. 
ونكتفي هنا بالإشارة لبعض الاحتجاجات لما لها من دلالات وما عرفته من تداعيات؛ فعلى خلفية القتل البشع الذي تعرض له ابن مدينة الحسيمة الشهيد محسن فكري رحمه الله في إحدى حاويات القمامة، اندلعت موجة من الاحتجاجات الشعبية الغاضبة، التي رأت في مقتله منتهى الحكرة والاستهتار بحياة وكرامة المواطن المغرب، ومناسبة للتعبير عن سخطها والدفاع عن مطالبها المشروعة، وفي مقدمتها تقديم المتورطين في قتل محسن فكري للعدالة ومحاكمتهم.
مطالب مشروعة قابلتها السلطات المحلية والمركزية بالتجاهل والتماطل، ليتفاقم الوضع باعتماد المقاربة القمعية في مواجهة الاحتجاجات المتصاعدة، والتي لم يفلح أسلوب التخوين والتشكيك في إخماد جدوتها، ولا نجحت جهود الوساطة في احتوائها. في حين نظمت العديد من المدن المغربية أشكالا تضامنية متنوعة طالتها يد القمع الذي وصل حد الاستعمال المفرط للعنف ضد المتضامنين.  
لقد خسرت الدولة رهان حراك الريف حين أجهزت على عنصر الثقة، وغيبت آلية الحوار بينها وبين المحتجين، وحين قدمت القمع جوابا وحيدا واقترفت الانتهاكات الحاطة من الكرامة في حق أهل الريف ومن يتضامن معهم في مختلف المناطق، وحين أمعنت في الاعتقالات وطبخت الملفات ونصبت المحاكمات.
ملف آخر عرف حراكا استثنائيا وهو ملف دوارأولاد الشيخ الذي انطلقت شرارته على إثر توقيف إمام مسجد الدوار بغير موجب حق من طرف وزارة الأوقاف، لتنفجر الاحتجاجات السلميةوفاء للإمام محفظ القرآن الكريم. ومرة أخرى يقتصر المخزن على جواب المقاربة الأمينة بضرب العسكرة على الدوار، واقتحام البيوت، والاعتداء على النساء، ثم الاعتقالات التعسفية لأبناء القبيلة.
أما آخر حماقات التدبير البوليسي ما تشهده مدينة زاكورة مما بات يعرف بـ”انتفاضة العطش”، حيث قوبلت الاحتجاجات المشروعة للساكنة المطالبة بالحق في شربة ماء بالقمع الشرس والاعتقالات العشوائية وتوزيع الأحكام الثقيلة في نفس الوقت الذي كان رئيس الحكومة يقدم اعتذارا لأهل زاكورة، وهي مفارقة غير مستغربة على المخزن الذي عوض أن يرتب على اعترافه بالتقصير محاسبة المسؤولين عنه والمبادرة بحلول عاجلة وملموسة فإنه يعاقب المتضرر ويعمق الشرخ بين المواطن والدولة.
أما آن الأوان ليستوعب النظام المغربي أن ديمقراطية الواجهة قد سقط قناعها وأن التغيير لن يتحقق إلا من خلال التأسيس لسيادة شعبية حقيقية يحترم فيها المواطن وتحفظ كرامته ويصان رزقه؟ وإلا فإن حركية الشارع مفتوحة على جميع الاحتمالات. ولطالما حذرنا صحبة عدد من الفضلاء من خطورة الارتدادات المتوقعة بالنظر إلى اشتداد الأزمات ومواجهتها بسياسات فاشلة، وترجيح القبضة الأمنية. ولطالما تمت مقابلة هذه النداءات الملتاعة بالتجاهل والتخوين، قبل أن يصدر الاعتراف الرسمي من الملك في خطابه الأخير بفشل ما تم تسويقه سابقا على أنه نموذج تنموي ناجح وصرف عليه ما لا عد له من المال العام. والأدهى أن الإجراءات المعلنة لمواجهة هذا الوضع الكارثي ليس فيها أي جديد ولا يتوقع منها علاج ناجع، ما دامت تخطئ تشخيص مكمن الداء وتنشغل وتشغل الشعب بالأعراض فقط، دون الإشارة لمكمن الداء المتمثل في سيادة الحكم الفردي الانفرادي، وإلقاء المسؤولية على الجميع مقابل تبرئة الفاعل الرئيسي الممسك بكل السلط، والاكتفاء في لحظات الاختناق بالمحاسبة الناعمة لبعض أكباش الفداء لامتصاص الغضب وإلهاء الشارع، وهي سياسة ثبت فشلها منذ عقود بتجدد الانفجارات الشعبية فور انتهاء مفعول الحقن المخدرة.

ختاما:
إن مرد الانتكاسات المتتالية التي يغرق فيها المغرب على جميع الأصعدة، لا يرجع إلى ضعف الإمكانيات ولا إلى قلة الخبرات ولا حتى لغياب البرامج والمخططات، بل هي راجعة بالأساس لطبيعة النظام المخزني المغربي، طبيعة سلطوية تحكمية تحتكر السلطة والثروة ولا تسمح بمنازعتها في إحداهما. لقد أجهز هذا النظام على العمل السياسي وجدواه والسلم الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي، وقتل الأحزاب وأفرغ كل المؤسسات الوسيطة من وظائفها الأساسية في التأطير الحقيقي والتمثيل الكامل للشعب….ثم يطمع في مقابل هذا الإفلاس أن يبارك المغاربة سوءاته دون قيد أو شرط، لكن هيهات في ظل توالي النكسات وخيبات الأمل، وتجدر فقدان الثقة في المؤسسات الرسمية، وتكسير حاجز الخوف، وترسيم سلطة الشارع.
إن عمق الأزمة وتجدرها لن يفقد القوى الحية من مختلف المشارب الفكرية والسياسية الأمل والإصرار في البحث عن مغرب أفضل، لذا ما فتئنا نؤكد في جميع المناسبات أن المخرج من الأزمة لن يكون إلا من خلال عمل مجتمعي يتحمل فيه كل الطامحين للتغيير مسؤوليتهم. ونؤكد أن كل من يسهم في إبعاد الشقة وتكريس الإقصاء في صف المناهضين للاستبداد والفساد يقدم خدمة جليلة للمخزن، لذلك سيبقى سعينا جاد في الدعوة للتواصل والتنسيق الميداني مهما كانت العقبات، وهدفنا التأسيس لعمل مشترك نتعاون من خلاله فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، بل ليكن الحوار الهادئ والموازي للعمل الميداني طريقنا لاستيعاب التباين الإيديولوجي والفكري والتأسيس لآليات تفيد في تدبير الاختلاف، وتجعل منه عامل قوة في مواجهة المستبدين، عوض أن يكون عامل إضعاف لصف التواقين إلى الحرية والعدالة والكرامة. إن بلدنا اليوم، وكما أكد ذلك هذا التقرير، يعيش وضعا استثنائيا خطيرا، لا سبيل لتجاوزه إلا بإرادات استثنائية تبحث فعلا، وليس قولا فقط، عن مصلحة المغرب والمغاربة.