الاستبشار والتفاؤل

Cover Image for الاستبشار والتفاؤل
نشر بتاريخ

مداخلة في مجلس النصيحة الجامع الذي نظمته عن بعد الهيئة العامة للعمل النسائي يوم الأربعاء 7 رجب 1443 الموافق 9 فبراير 2022. 


بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد النبي الأمين سيد المستبشرين وقائد الغر الميامين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الأحبة الأفاضل، من متابعين ومشاهدين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشكر موصول لقناة الشاهد الرائدة وللأستاذات الكريمات اللاتي تفضلن بمداخلاتهن القيمة في موضوع تشتد الحاجة إليه أمام الأوضاع العامة التي يعيشها العالم الإسلامي، بل والإنسانية جمعاء؛ نزاعات هنا وهناك، فرقة طاغية وظلم مستشر ووباء ضرب أطنابه وحصد الأرواح، كروب وهموم، وابتلاءات وامتحانات وظروف بثت اليأس في نفوس الكثيرين.

فما حال المؤمن الموقن أن ما عند الله خير، وأن العاقبة لأهل التقوى؟ ما حال المؤمن الموقن الذي لا يرى في قضاء الله إلا خيرا فيطمئن ويسعد في نفسه وينثر عبير السعادة في غيره؟ ما حال المؤمن المتوقع للخير دائما، الموقن بعدل الله في حكمه ورحمته بخلقه وحِكمته في قضائه؟ ما حال المؤمن الموقن المستمطر لعطاء الله وفضله على الدوام، المتوكل عليه المحسن الظن به مهما اشتدت عواصف الكروب ومصائب الدهور، المتعبد ربه بأسمائه وصفاته التي منها القادر الوهاب الرازق المعطي والمانع؟

من أين لنا بهذا الاستبشار بعد كل هذه الكلمات الوازنة والقطوف الدانية من أنوار كتاب الله ودروس سيرة نبيه المختار صلى الله عليه وسلم؟ وما هي بعض من ثمراته؟

طريق الاستبشار

أولا- التربية الإيمانية: فالاستبشار زينة الموقنين الذين سلموا أمرهم لربهم ورضوا بحكمه في قضائه فأصابتهم الطمأنينة والسكينة، وهذا لا يتأتى إلا بالتربية والحرص على تزكية النفس والتقوى والذكر والارتباط بالله تعالى وصدق الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان دائم البشر، “بشره في وجهه وحزنه في قلبه”، ومن هنا نتحدث عن اقتران التقوى والإيمان والاستبشار والتبشير لأن التربية على التقوى والإيمان سبب معية الله تعالى ومحط عنايته: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) (سورة يونس). وكل من كان تقيا كان لله وليا.

ثانيا- صحبة الصالحين الموقنين المستبشرين: التربية الإيمانية وصحبة الصالحين يدلاننا إلى تمثل الأخلاق النبوية الرفيعة، كما أن معاني السكينة والطمأنينة واليقين في موعود الله تعالى وحسن الظن بالله تعالى لا تتحصل إلا بمعية أرباب القلوب، وتمر من قنوات قلبية صحبة العارفين بالله تعالى: “عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن من عباد الله عبادا يغبطهم الأنبياء والشهداء”، قيل: من هم يا رسول الله؟ لعلنا نحبهم. قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: “هم قوم تحابوا في الله من غير أموال ولا أنساب، وجوههم نور على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس”، ثم قرأ: “ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون” (رواه أبو داود).

ثالثا- لزوم باب الدعاء: دعاء غير مردود لمن أيقن في الإجابة، ووقف على أرض العبودية لله تعالى مستمطرا فضلا غير محدود وعطاء غير مجذوذ.

بعض ثمرات الاستبشار

1- التسليم والرضا بأمر الله تعالى: وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ۚ قَالُوا خَيْرًا ۗ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۚ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ۚ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (سورة النحل، الآية 30) فكل الوحي خير، وكل ما يقع في الكون من أهوال وأحوال خير، وكما قيل من خاف شيئا غير الله سُلط عليه، ومن أحب مع الله غيره عُذب به، ومن رجا مع الله غيره خُذل بسببه.

2- التيمن بالخير الذي يحمله قدر الله تعالى، بفرح واستبشار بما يجريه عليه من الأقدار، فلا جزع ولا طيرة، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب مفتاح دار السعادة: “وقد يجعل الله سبحانه تطير العبد وتشاؤمه سببا لحلول المكروه به كما يجعل الثقة والتوكل عليه وإفراده بالخوف والرجاء من أعظم الأسباب التي يدفع بها الشر المتطير به، وسر هذا أن الطيرة إنما تتضمن الشرك بالله تعالى والخوف من غيره وعدم التوكل عليه والثقة به”.

3- حسن الظن بالله تعالى، كما مر معنا، ومن حسن ظن العبد بربه سبحانه الفأل الحسن، وهو منطوق حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم رحمه الله تعالى: “لا عَدْوَى، ولا طِيَرَةَ، ويُعْجِبُنِي الفَأْلُ: الكَلِمَةُ الحَسَنَةُ، الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ” (صحيح الترمذي، 1615).

4- النظر بعين الأمل الذي لا يلهي عن العمل، والتفاؤل الذي لا يلغي الإرادة القوية والرؤية النافذة، وسنن الكدح وإتيان الأسباب، وذلك من السنن القائمة والأحوال المرضية التي تدفعنا دفعا لنكون على قدم النبيئين والمرسلين عليهم السلام، الذين ما ضعفوا ولا استكانوا ولا يئسوا من روح الله رغم اشتداد الخطوب وتعدد الابتلاءات والأزمات، شعارهم: لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ معنَا، والله خير حفظا وهو أرحم الراحمين، وعليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون.

5- الدعوة لا الادعاء، فلا يبشِّر إلا المستبشر مع يقينه في حفظ الله تعالى ورعايته.

6- اليقين في موعود الله تعالى ووعده، فكل ما يقع في الأرض يصب في تحقيق موعوده سبحانه ووعده لعباده الصالحين: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا (سورة النور، من الآية 58)، نرجوه سبحانه في علاه أن يستعملنا في تحقيق موعوده.

7- التصديق ببشارات النبوة التي كشفت له من كثافة حجب الغيب، ومنها أن لن يبق بيتُ وبر ولا مدر إلا دخله الإسلام بعز عزيز أو ذل ذليل، ومنها نصر هذه الأمة المنتظر وموعود الله في عودة الخلافة على منهاج النبوة.

خلاصة القول؛ إن الاستبشار أصل والتشاؤم من خلق الجاهلية، واليقين في الله الواحد المتصرف في ملكه كيف يشاء أن الخير قادم لا محالة، ومهما طال ظلام الليل البهيم يتبعه فجر الحرية وإشراقات الانعتاق، وأن من السنن الكونية أن بإزاء كل قوة تدميرية سلبية قوة بانية إيجابية، يلزمنا أن نعي بها أفرادا وجماعات حتى نتمكن من فهم الواقع المحيط والأحداث المتوالية بفهم ساطع ويقين ناصع، وتفاؤل وبشر واستبشار.

والحمد لله رب العالمين.