الإسراء والمعراج.. منحة بعد محنة

Cover Image for الإسراء والمعراج.. منحة بعد محنة
نشر بتاريخ

حمل متاعبه وآلامه وهو يضطهد ويضرب من صبيانهم..

يجر أذيال القهر من قوم ترعرع وشب فيهم.. ويتجشم هموما تنوء بثقلها الجبال..

غادرت الزوج الرؤوم حياته، وقد كانت السند وأم الأبناء والبنات. ملجأه في ساعات العسرة، والصدر الحنون الذي يهدئ روعه ويشفي جراحه..

وما هي إلا شهور قليلة حتى لحق عمه الشفيق بعالم الآخرة. 

فارقه الرجل الذي دافع عنه، وأحاطه بعنايته منذ طفولته، وكلأه برعايته.

تلك الأحزان المتواصلة أتعبت القلب الرحيم.

ومن يخفف الغم والهم سوى أنات متواصلة، وكلمات مكلومة تضرع بها المصطفى عليه الصلاة والسلام وهو يسند ظهره إلى حائط بالطائف، يواري ظلم القريب قبل البعيد.

يبث ألمه بعبارات سالت لها وديان من العبرات، وتحرك لها الحجر والشجر، وزلزلت الجبال والأفئدة..

“اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس.

يا أرحم الراحمين.. أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري؟

إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي.

أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك. لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك”.

رددها بلسان الافتقار والخضوع والرضا، وهو المختار المصطفى من بين كل الخلائق، سيد ولد آدم، لا يرجو سوى النجاة من غضب الله وسخطه.

حمل الدعاء على أكف الضراعة، فكانت الاستجابة سريعة..

طار البراق بالبشير محمد، يحمله على ظهره بجناحي الشوق، إلى أرض الإسراء والمعراج، ليكون إماما للأنبياء.

أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى..

وعند قدومه بايعه كل الأنبياء، ودخلت تحت لوائه ما سبق من أديان سماوية..

وشهدت له الدنيا بخاتمة الرسالات، وبها انضم المسجد الأقصى إلى حوزة الإسلام.

في موكب نوراني من لدن سيدنا آدم عليه السلام، ومنه إلى السماوات العلا، يعرج من سماء إلى سماء، ويرى وينعم بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب وعقل بشر..

وصل إلى سدرة المنتهى وما وصل إليها كائن قبله ولا بعده..

ورأى النور.. كل النور..

وعاد إلى البشرية بقبس من النور..

عاد إلى الأرض بمعراج يحملنا كل يوم إلى الحضرة القدسية..

صلاة ترتقي بنا إلى المولى لننغمس في عالم الروح متخففين من أوحال الطين.

نطير على براق الأشواق لننعم بعبادة تشمل كل الطاعات، هدية من رب السماء إلى هادي البشرية جمعاء.

وصل إلى سدرة المنتهى وعاد إلى قومه وأرضه بتواضع الكبار، سيد المتواضعين وأصدق الصادقين، الأمين المختار.

في رحلة الإسراء والمعراج سُر القلب الحزين، وبين المولى مكانة نبيه الحبيب لأهل الأرض والسماء..

إنه الاصطفاء الذي لا يضاهيه اصطفاء..

كل المصاعب والمصائب تتلاشى وتندثر على سجادة الدعاء، تحملها الملائكة إلى رب السماء، لتعود مثقلة بالآمال والأمنيات.

ولنا كل يوم معراج، وفي مواقيت مختلفة ومتعددة؛ آناء الليل وأطراف النهار.. تعرج الروح إلى سدرة المنتهى، لتجدد الصلة بخالقها المولى، فترتقي من مقام إلى مقام.