الأستاذ فتح الله أرسلان يتحدث عن أهم القضايا التي أثارها مجلس الشورى

Cover Image for الأستاذ فتح الله أرسلان يتحدث عن أهم القضايا التي أثارها مجلس الشورى
نشر بتاريخ

أجرى موقع الجماعة نت حوارا مع الأستاذ فتح الله أرسلان، نائب الأمين العام والناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان، حول العديد من القضايا التي أثارتها الدورة الرابعة عشرة لمجلس شورى جماعة العدل والإحسان المنعقدة يومي السبت والأحد 21 و22 رجب الفرد 1434 الموافق ل 1 و2 يونيو 2013.

فيما يلي نص الحوار:

ما هو السياق المميز لانعقاد أشغال الدورة الرابعة عشرة لمجلس الشورى لجماعة العدل والإحسان نهاية الأسبوع المنصرم؟

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه وحزبه.

لا بد من الإشارة في البداية أن الدورة الرابعة عشرة لمجلس الشورى لجماعة العدل والإحسان هي دورة عادية، تعقد بعد الدورة الاستثنائية التي عقدت بمناسبة وفاة الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله؛ ومن تم فهي الدورة الأولى التي تنعقد بعد وفاة الإمام المجدد رحمه الله.

ولئن كان الموت قد غيب عنا جسد المرشد الإمام في دورتنا هذه فإن حضوره المعنوي والاعتباري كان حاضرا بقوة، من خلال توجيهاته التربوية والتنظيمية والعلمية والفكرية التي تنتظم في المشروع الكلي الذي أسس مرتكزاته وبنى جماعة تحمله وربى رجالا ونساء يؤمنون به.

وما هي أهم القرارات الصادرة عنه؟

بما أن هذه الدورة تدشن لولاية جديدة للمجلس كان لا بد من تقييم المرحلة السابقة، ووضع التصور للمرحلة المقبلة؛ ومن تم انبثقت مجموعة من القرارات التي تهم مجالات اهتمام الجماعة التربوية والدعوية والسياسية والتواصلية.

تطرقتم في البيان الختامي للمجلس للوضع السياسي المغربي، وتحدثتم عن “العبث السياسي الذي يرعاه النظام” و”الانتهاكات التي تطال الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والجمعوية” و”الإخفاق العام للسياسات العمومية المتبعة والفشل الذريع للمقاربات المطروحة في تدبير الشأن العام”. على ماذا أسستم هذه الأحكام والخلاصات؟

أسسناها على أمور؛ على الواقع المعيش الذي يعيشه الناس والشعب وما نلمسه ويلمسه المغاربة من ظلم وعسف لمختلف حقوقهم الأساسية نتيجة السياسات المتبعة من قبل النظام الحاكم والتي تنبني على الاستفراد بالسلطة والثروة. وأسسناها على حقائق المشهد السياسي التي لا تحتاج لكبير عناء ليستنتج المرء أن هناك اختلالات كبيرة تعرفها السياسات العمومية، وأن هناك اختناقا سياسيا وأزمة مستفحلة ومستحكمة في تدبير القضايا السياسية في البلد، ولعل الجميع يشعر بأن النظام المخزني وأياديه النافذة والمتحكمة هي المفتعلة للأزمة الحكومية الأخيرة.

وأسسنا خلاصاتنا أيضا على الواقع الحقوقي الذي يصطلي بناره الكثير من أبناء الوطن؛ فحجم التراجعات الخطيرة أكبر من كل كلام، إذ المحاكمات وقمع المظاهرات ومنع بعض التنظيمات من حق الوجود القانوني واستمرار تهميش مناطق بأكملها وحرمان عموم المغاربة من الحقوق الأساسية الاقتصادية والاجتماعية بما يكفل لهم العيش الكريم، وحتى تلك القضايا المعروضة على القضاء والمفتوح فيها التحقيق والتي لم تعرف مسارا نحو الحل، كلها، وغيرها، تدلل على صحة ما ذهبنا إليه.

وأسسناها أيضا على الأزمة الاقتصادية التي يزداد انكشاف شبحها المخيف، والوضع الاجتماعي المتردي والانتفاضات المحلية المتتالية جراء الأسعار المرتفعة ونتيجة كافة مظاهر الظلم الاجتماعي والسياسي. وأسسناها كذلك على مأساة وتردي قطاعي التربية والتعليم والثقافة والفن، وهي المأساة الناتجة عن حرب الدولة على هوية وقيم وأخلاق ودين المجتمع المغربي المسلم.

وقد استند تأسيسنا لهذه الأحكام والخلاصات على ما تقوله تقارير المؤسسات المحلية والدولية، والتي تقدم نظرة قاتمة وسوداء للوضع في المغرب وعلى جميع هذه المستويات.

في المقابل لم تتوانوا عن إعلان المساندة “للاحتجاجات الشعبية التي تشهدها العديد من المناطق والقطاعات والفئات”. هل ما زال خياركم هو الرهان على الشارع والاحتجاج من أجل إحداث التغيير، خاصة وأن بعض التحاليل تعتبر أن “الاحتجاج الاجتماعي” لا يرقى لأن يحدث تغييرا سياسيا جوهريا؟

نعم “الاحتجاجات الاجتماعية” وحدها لا يمكن أن تحدث تغييرا شاملا، لكن الاحتجاج، باعتباره وسيلة وأداة ضمن وسائل وأدوات عديدة، له دوره في الضغط من أجل انتزاع مجموعة من الحقوق. وفي المقابل رهاناتنا هي أوسع وأشمل، تركز على الرفع من منسوب التوعية عند الناس وترسخ مسألة التربية ثم التربية، لأن أمر التغيير يتطلب تغيير العقليات وإعداد الإنسان الذي تربى على الخنوع والاستسلام، وليس فقط التركيز على البعد الاجتماعي، كما أننا نراهن على بث الأمل وإشاعة روح الثقة والاستبشار بالمستقبل مما يدعو إلى العمل والجد والإعداد للغد توكلا على المولى وأخذا بأسباب البناء والإعمار.

لا بد إذا من العمل على تحقيق كل هذه الأهداف وغيرها من أجل تحقيق التغيير الحقيقي.

إزاء تجديد دعم الثورة السورية، تحدث البيان عن “سيادة النعرة الطائفية المقيتة المتسترة وراء شعار المقاومة و”نصرة” القضية الفلسطينية”. ماذا تقصدون بذلك؟

كنا دائما وما نزال مع وحدة الأمة لأن قوتها في وحدتها وتجاوز المعوقات التاريخية بين مختلف الطوائف عن طريق الحوار والانفتاح والاحترام المتبادل. لكننا وانطلاقا مما أصبحنا نرى من تصرفات بعض الجهات نخشى من أن يتم الانزلاق إلى التردي في حمأة هذه النعرات الطائفية من أجل تحقيق مكاسب ضيقة على حساب حقوق الشعوب ووحدة الأمة؛ فلذلك جاء البيان محذرا ومنبها على ذلك.

يبدو أن الجماعة، من خلال بيان مجلس الشورى، ما زالت داعمة لمسار الثورات في دول الربيع العربي رغم حديث البعض عن “الخريف العربي” بالنظر لما تواجهه هذه الدول من تحديات وصعوبات، وحتى صراعات، في مرحلة ما بعد الثورة. لماذا الإصرار على الدعم؟ وكيف تقرؤون الواقع العربي والإسلامي بعد مضي أزيد من سنتين على انطلاق هذا الحراك العربي؟

دعمنا لهذه الثورات هو دعمنا لخيارات الشعوب وانتفاضاتها ضد الفساد والاستبداد لاعتبار أن ما حدث خطوة مهمة في طريق الألف ميل، وتشجيعا لها كي لا تتوقف القافلة ولا تنكسر أمام المعوقات والعراقيل المفتعلة من جهة والمدبرة من جهات معادية من جهة أخرى والتي تفرضها صعوبة تغيير ما عاشته الأمة طيلة قرون من الاستبداد من جهة ثالثة، علما بأن هذه التجارب تخضع لمقاومة شرسة ليس من الجهات الخارجية فحسب وليس من الجهات المحسوبة على رموز الفساد الذي تم إسقاطه، وإنما أيضا من الشركاء الذين كان من المفروض أن يتعاونوا ويتعاضدوا لاجتياز هذه المرحلة الانتقالية بسلاسة وبأمن وسلام، هذه الأطراف أظهرت في كثير من الأحيان عدم التزامها بالشعارات التي ترفعها من ديمقراطية وقبول الاختلاف والاحتكام إلى صناديق الاقتراع والتوافق وغيرها من المقولات، ورأينا في كثير من الأحيان كيف تتنكر لكل هذه القيم وتعرقل من أجل العرقلة لا من أجل الإصلاح. أقول هذا وأنا أستحضر أن الطرف الآخر قد ارتكب ويرتكب وسيرتكب جملة من الأخطاء لكن تدبير المرحلة يتطلب كثيرا من النضج بالنسبة لجميع الأطراف.

ثم أستغرب حينما أستعرض تاريخ الثورات التي عرفتها مختلف شعوب العالم والتي تطلبت لكي تستقر عشرات السنين (الثورة الفرنسية احتاجت قرابة قرن من الزمن لتستقر)، ونحن نريد لثوراتنا في سنتها الأولى أو الثانية، ومع التحديات التي لم تكن في الثورات السابقة وهو تحدي الجهات الخارجية، أن تصل لنتائجها في ظرف وجيز. ناهيك على أن القرون الطويلة التي ساد وحكم فيها الاستبداد خلفت إعاقات وعاهات مجتمعية وسياسية وفكرية تحتاج وقتا معقولا لتجاوز آثارها السلبية على الهمم والممارسة.

نشدد في الأخير على أن حجم التحديات وحجم الآمال المعقودة من المجتمع على هذه التجارب تستوجب أن تسود روح الثقة بين مختلف الأطراف، وأن يعلو صوت التعاون والتنافس الشريف على كل الأصوات.

القطيعة الحقيقية مع الفساد والاستبداد تتأتى، كما جاء في البيان، عبر التعبئة الشعبية العامة التي تنقل فئات واسعة من الشعب من اللامبالاة والخمول إلى المشاركة والرقابة. كيف تتحقق هذه التعبئة؟ وما أداتها؟ وهل من خطة واضحة لذلك؟

التعبئة تتحقق بطرق ووسائل وبكيفيات شتى؛ فهناك التعبئة غير المباشرة والتي يساهم فيها التطور الإعلامي الذي أصبح يتيح للمواطن أن يرى ويطلع على ما يجري في العالم ويقارن ما يرى مع الوضع الذي يعيشه. ثم هناك الوضع الاجتماعي المتردي وانسداد الأفق وهو ما يدفع الشباب دفعا إلى التمرد على السياسات الرسمية، خاصة وأننا أمام شباب يختلف عن نظيره في الماضي، فشباب اليوم له من المبررات والوسائل التي تدفعه ليتمرد ويحتج أكثر مما كان يفعل الشباب في الماضي، ناهيك عن أن شباب اليوم لم يعد يهاب تلك التهديدات والتخويفات التي كانت تنفع سابقا. جانب آخر هام من التعبئة وهو الذي تساهم فيه أطراف أخرى من خلال الإعلام والتواصل والاتصال المباشر بالناس من أجل توجيههم وتأطيرهم.

أما الأدوات ووسائل الإيضاح فهي كثيرة ومتنوعة تساهم فيها السياسات الفاشلة والتدبير السيئ للحكام واستغلال الآليات التي يستعملها النظام بنيات مبيتة وبالتفاف على الحقيقة (مثل الانتخابات المزورة والمؤسسات الصورية والوعود الكاذبة وغيرها)، هذه جميعا تساهم في الرفع من منسوب الوعي عند الناس، وتصب في خانة التعبئة العامة.

الشرط الثاني لهذه القطيعة مع الفساد والاستبداد، كما اقترحتم، هو الحوار الوطني المنفتح على جميع المكونات والقضايا والمفتوح أمام الشعب. لماذا الإصرار من طرفكم على حوار لم تستجب له، إلى حدود الآن، جل المكونات والقوى المغربية؟ وما هي أهم العوائق التي تجدونها لتلتئم هذه المكونات؟ وكيف تجاوزها؟

لم التخلي عن هذا المطلب الذي كنا نطرحه قبل الربيع العربي والذي كان وقتها يبدو حالما وأكدت الحاجة الملحة إليه ما تعيشه دول الربيع؟! إننا نعتقد أن هذا المطلب أصبح أكثر ملحاحية من السابق. فحتى وإن لم يكن قد طرح في الماضي فهو الآن أصبح أساسا لتجاوز كثير من سوء التفاهم والمشاكل التي يمكن أن تعيشها الأطراف في أي لحظة من لحظات التحول المقبلة إن شاء الله.

وأما العوائق والعراقيل التي تقف وراء تحقيق هذا المطلب؛ فجانب منها المسؤول عنه هو النظام المخزني الذي يسعى بكل وسيلة إلى إجهاض كل محاولة جادة عن طريق التخويف وتشويه السمعة هذا من جهة، ثم لضعف التواصل بين الأطراف لقلة الثقة فيما بينها وللخلفيات التي تحكم كل طرف وعدم قدرة كثير من الأطراف على تجاوز هذا الأمر، إضافة بالطبع إلى عدم إيمان البعض بالحق في الاختلاف والتعايش مع الاختلاف والاحترام المتبادل بين الأطراف.

لذا سنظل متشبثين بهذا المطلب لأن الأيام والأحداث تزيد من اقتناعنا ألا مخرج لأزماتنا ولتجاوز بؤس حاضرنا إلا بالولوج من هذا الباب.