ضمن فعاليات إحياء الذكرى الثانية لرحيل الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله نظمت جماعة العدل والاحسان بمدينة مكناس يوم الأحد 21 دجنبر 2014 محاضرة بعنوان استراتيجية العدل والإحسان في التغيير السياسي والاجتماعي)، أطرها الدكتور عبد الواحد متوكل رئيس الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان وعضو مجلس إرشادها.
عرفت الندوة حضورا بارزا لمجموعة من الهيئات السياسية والمدنية والجمعية والطلابية كما عرفت حضورا بارزا لممثلي مجموعة من الأحزاب بدعوة من العدل والإحسان بالمدينة.
في البداية رحب المسير الأستاذ محمد اعراب باعسو بالحضور الكرام وباستجابة الدكتور لتأطير هذه المحاضرة ثم أعطى الكلمة للدكتور عبد الواحد متوكل، الذي رحب بالفعاليات الحاضرة وقدم لمحاضرته قائلا: أيها السادة والسيدات مرحبا بنا معكم في هذه الفرصة الطيبة من أجل المذاكرة فيما يعنينا جميعا في هذا البلد خاصة وفي البلاد العربية والإسلامية عامة)، وأضاف لاشك أن الموضوع المطروح بإلحاح في وقتنا هذا هو كيفية التخلص من الاستبداد وكيف تصبح للشعوب دورها ورأيها في حقها الطبيعي في الحياة والتغيير)، وختم تقديمه بالقول بأن للعدل والإحسان رؤية واضحة في كل هذه الإشكاليات.
في بداية حديثه قسم الدكتور محاضرته والتي قال أنها جزء صغير من رسالة أطروحته في الدكتوراه لمحاور ثلاثة: استراتيجية التغيير بالعنف، واستراتيجية التغيير من الداخل، واستراتيجية الخيار الذي تقترحه العدل والإحسان. واسترسل قائلا: قبل البداية لابد من الملاحظات التالية:)الملاحظة الأولى: العدل والإحسان كانت سباقة للتفكير في تأسيس حزب سياسي لكن الطرف الآخر لم يتجاوب آنذاك مع ما كانت ستقدم عليه الجماعة والتي اختارت فيما بعد تأسيس جمعية ذات طابع سياسي وهي ما يسمى الآن العدل والإحسان.) الملاحظة الثانية: نحن في العدل والإحسان كما يشاركنا الكثير من الفضلاء نعتبر أن أصل الداء هو الفساد والاستبداد، وما لم يتم حل هذه المعضلة لن نحلم بأي تغيير.)الملاحظة الثالثة: آثار الاستبداد كثيرة ومنها احتكار السلطة والثروة واتساع الهوة بين الذين يملكون والذين لا يملكون. سياسات تكرس التخلف والتبعية والهشاشة وهناك فساد الذمم وهو أخطر ما أنتجه الفساد والاستبداد.)الملاحظة الرابعة: هناك مجموعة من الدراسات حول الواقع الذي نعيشه وحول ما يجب أن يكون عليه واقعنا ولكن الغائب هو كيفية العبور وكيفية الانتقال من واقع لواقع وبأقل الخسائر الممكنة؟).
وفي معرض جوابه عن هذا السؤال الجوهري ركز متوكل على أن هناك 3 استراتيجيات في التغيير:
الاستراتيجية الأولى: التغيير بالعنف، ونحن في العدل والإحسان لدينا اعتراض على هذا الخيار نظرا لطابعه العنيف ونظرا لكلفته الاجتماعية والاقتصادية الباهضة على البلد، وما يقع في البلدان الأخرى يزكي قراءتنا وطرحنا.
الاستراتيجية الثانية: التغيير من الداخل، وهو خيار مطروح وتؤمن به مجموعة من الأحزاب والهيئات السياسية والتي تدافع عن هذا الخيار بأدلة عديدة منها؛ من الصعب أن يكون هناك تغيير فوري لوجود قوى داخلية وخارجية ستمنع التغيير المنشود، ولأنه لا يمكن الانتظار حتى يأتي التغيير، ولأن الاستقرار مطلب شعبي.
من منظور جماعة العدل والإحسان هذه الاستراتيجية مغرية، يقول المحاضر، لكنها تنطوي على أخطار عديدة ومن بينها:
– خطر التآكل نتيجة الوضع الاجتماعي الجديد والامتيازات الجديدة، وحتى وإن لم يتغير المرء 180 درجة سيسكت أو يحاول البحث عن أعذار وتبريرات للوضع.
– خطر التطبيع مع الأمر الواقع، نتيجة ما يسميه نعوم تشومسكي هندسة القبول بالأمر الواقع للنظام وعملية الاستيعاب التي يقوم بها، والخطر يكمن أيضا فيما يقوم به من تشويه لسمعتك.
مأخذ الجماعة على هذا الخيار يكمن في سذاجة المفكر في هذا الخيار والذي ينسى أن للطرف الآخر الذي تريد أن تدخل لتغير من داخله حسابات وسياسات ستقف أمامك بالمرصاد.
الاستراتيجية الثالثة وهي استراتيجية العدل والإحسان، وهذا الخيار يعتمد على العمل في المجتمع والعناية بالإنسان وضرورة المشاركة، لكن بشرط حين يكون للمشاركة معنى وجدوى، وهو مبني على دعامتين اثنتين:
– الدعامة التربوية: لأن الإنسان هو محور التغيير ولا بد من العناية به لأنه متخم بجروح لقرون من الاستبداد ولا بد من تطبيبه لكي تعود له عافيته، والسؤال المطروح هو كيف؟
– الدعامة السياسية: هذه الدعامة مؤطرة بقولتين للإمام المجدد عبد السلام ياسين؛ الأولى قسمة ضيزى نستودع الظلاميين وركنا مظلما في الحكومة أن يشتغلوا، لنا اليد الطولى (النظام الحاكم) والكلمة الأولى، (ويعقب) لا نرضى بذلك أبدا). الثانية أضع لفظة (الجبهة) بين مزدوجتين حتى أبدد كل أمل في أن يرانا عدونا نرتكب يوما ما الخطأ السياسي الذي نعتبره خطيئة أخلاقية وخرقا لالتزامنا بمبدأ اللاعنف).
واستراتيجية العدل والإحسان في التغيير تقع بين هذين الحدين، ومن ميزات هذا الخيار أنه يحافظ على الاستقرار الوطني ويقلص لأبعد الحدود فرص التدخل الأجنبي، يشجع الحوار والتفاهم، والمقاربة الجماعية لإنجاز التحول والتغيير، ويحقق التغيير المنشود بأقل الخسائر الممكنة. وأضاف من بين آليات التغيير “الميثاق” نساهم جميعا دون إقصاء أحد وفي تقديرنا ينبغي التأسيس لتجربة راشدة تعيد للمواطنين كرامتهم وإقامة نظام مصنوع بأيديهم).
وقد أعقب محاضرة الدكتور نقاش مطول، وجهت فيه له العديد من الأسئلة والإضافات والتي تفضل بالجواب عنها لتبقى السمة الأبرز لهذه المحاضرة والانطباع السائد الذي عبر عنه عدد من المتدخلين يتمثل في القدرة على تقبل كل الآراء والتصورات في أجواء من الاحترام المتبادل.