بعد زواجه منها وإنجابه منها، ألقى بها في القمامة كنعل بال لا يصلح لشيء، وتزوج غيرها ثم غيرها… أليس الشرع من أباح له الزواج من أربع نساء، وقال له: فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ اَ۬لنِّسَآءِ مَثْن۪يٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ. فهل يعقل أن يكون الشرع السمح الكريم رخص في التعدد لهاته الغاية؟ وما هي – يا ترى – الحكمة الحقيقية من التعدد؟
المرأة بين عدل الشرع وحيف من ساء فهمه
يعتقد البعض أن المرأة تبلى كاللباس، ومن ثم يتعين على الزوج تغييرها أو إضافة زوجة أخرى إليها، فالمرأة الأولى يتزوجها عندما يخطو أول خطوة في الحياة، حيث لا مال له ولا نفوذ، وهي من تشد عضده، وتصبر عليه، وتدعمه بخبرتها ومالها إن كانت ذات مال، وتبذل الغالي والنفيس، حتى إذا استوى على سوقه، وأصبح شخصية مرموقة في المجتمع، تبرأ منها تبرؤ الذئب من دم يوسف، وبحث عن غيرها، عن التي تناسب وضعه الاجتماعي الجديد.
ومن ثم فهو يعتقد أن هذا هو السبب الذي من أجله رخص الله تعالى في أربع! ويرى آخرون أن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وأنها كلما اعوج سلوكها ولم تعد تطيع أوامر زوجها إلا وأصلحها بزوجة ثانية، ويستدلون بالمثل الشعبي القائل «لا تضرب المرأة ﺇلا بالمرأة»؛ أي أن الضربة القاضية التي تجعل المرأة تطيع وتخضع هي الضرة!
والأدهى من ذلك والأمر أن تجد من يوقن أن تمام الدين لا يتم ﺇلا بأربع نساء، وأن حسن الاتباع للسنة النبوية يكون بالتعدد، فيستأجر بيتا من أربع غرف، ويقبع كل واحدة منهن في غرفة، ويفتخر بكثرة نسله لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سيباهي به الأمم! وهو لا يعلم أن الكثرة المقصودة ليست كثرة الغثاء بل الكثرة النوعية المتمثلة في الجيل القوي المؤمن المتخلق.. وهذا لن يكون من امرأة محطمة المشاعر مسلوبة الإرادة لا إنسانية لها.
وبين هذا وذاك تضيع حقوق تلك المعلقة التي صانها المولى الكريم، وشرع لها من الشرائع الكثيرة التي تحفظ لها كرامتها وإنسانيتها، لكن الإنسان الجاهل بحقيقة دينه، عطل لب الشرائع وتمسك بقشورها، فكانت النتيجة إما متمردة ساخطة على الواقع وعلى الدين وعلى كل شيء، تطالب بمساواة لا تناسب كينونتها كامرأة، وما أنزل الله بها من سلطان، أو سلعة بخسة الثمن في سوق النخاسة أو في واجهات الشركات والمحلات التجارية، أو أمية قابعة في غياهب الجهل، مستسلمة لواقع نتن تحسبه قدرها الذي قدره الله عليها – وما الله بظلام للعبيد – فتخنع وتطيع، وفؤادها منكسر وأحاسيسها ممزقة.
رفقا بالقوارير
قولة مأثورة عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يوصي الصحابة الكرام بالنساء خيرا، ومصطلح قوارير يحمل في طياته كل معاني الرفق والحنو والرقة.. فما كان من يوصي بالنساء بهذا الأسلوب السامق أن يبلغ الناس شرعا يظلم المرأة، ويؤذيها بالتعدد المتسيب.
وإن أقسى معاناة وأمر كأس يمكن أن تتجرعه المرأة، هو أن تشاركها امرأة أخرى حبيبها الذي أسكنته شغاف قلبها بمجرد أن طرق الباب لخطبتها، وأحست بالطمأنينة والأمان معه، ووهبته كل ما تملك وهي فرحة سعيدة – وهذا حال معظم النساء عدا بعض الحالات الاستثنائية -، لكن بعض الرجال الأنانيين المتسلطين لا يحترمون هذه المشاعر، ولا يعيرون سنوات الحب الطاهر التي قضوها مع زوجاتهم أي اعتبار، فيلقون بهن عرض الحائط وينطلقون لاهثين وراء شهواتهم ونزواتهم، مبررين سوء عملهم بأن الشرع من أباح لهم ذلك ورخص لهم فيه.
وفي هذا قال الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى: «إن تعدد الزوجات في شريعة الإسلام حل استثنائي لحالات استثنائية، ما هو أصل وقاعدة. فإن استغل بعض الرجال هذه التوسعة الشرعية ليشبعوا أنفسهم لذة ويشبعوا النساء ظلما فالحيف منهم لا من الشريعة» (1). وإن من كان يعتقد أن من تمام التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم التعدد، فإنه لم يع السنة العطرة جيدا، ولم يلمس رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي غضب لما علم أن سيدنا علي كرم الله وجهه يريد أن يتزوج زوجة أخرى غير فاطمة الزهراء الطاهرة رضي الله عنها، وغضبه هذا رحمة بفلذة كبده وبجميع بنات أمته. وأنه لم يتزوج عن زوجته الحبيبة خديجة، أما تعدده بعد وفاتها فقد كان لحكمة إلهية تطرق إليها العلماء ولا مجال لذكرها هنا.
وإن الرحمة الإلهية بالمرأة لتتجلى في نص الآية التي تبيح التعدد حيث قال المولى الكريم: فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ اَ۬لنِّسَآءِ مَثْن۪يٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ (2)، وفي ذلك يقول الإمام عبد السلام ياسين: «انكحوا ما طاب، فإن أسأتم التصرف والاختيار والسياسة الدقيقة وميزان العدل فأصبح عيشكم مخبثا فذلك إليكم، لأنكم ما عرفتم تطييب النفوس لتطيب لكم الحياة» (3)، وإنما تطيب نفس المرأة بالحب والحنان، حتى إن المولى الكريم سمى العلاقة الزوجية سكنا، لما فيها من الدفء والحنان.
بارك الله لنا في من يحسن الفهم عن الله وعن رسوله الكريم، وأنار دروب حياتنا بهدي نبوي يرفع عنا الظلم وينشر بيننا العدل والأمان، آمين آمين والحمد لله رب العالمين.
(1) عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، ط 2018/1، دار لبنان للطباعة والنشر – بيروت، ج 1، ص 167.
(2) سورة النساء، الآية 3.
(3) تنوير المؤمنات، م س، ج 2، ص 170.