إن الحاجة إلى الحوار تبدأ من المسرح وتتنامى لتشمل اختلاف الشعوب وتنوع الثقافات، فالمسرح حوار متعدد وشامل بين الأفراد والجماعات والحضارات، حوار يقتضي تعميم الديمقراطية واحترام التعددية…
إن المسرح يوقظ في الإنسان الإحساس بالانتماء إلى الجماعة، ويعلمه الحوار بمستوياته. حوار داخل العرض المسرحي، وحوار بين المتفرج والعرض، وحوار بين المتفرجين، وحوار بين العرض والواقع، للارتقاء إلى “الحوار الاحتفالي”.
إن الحوار الاحتفالي، أو “الاحتفال المدني”، تجلٍّ من تجليات المجتمع المدني بل شرط من شروطه، يعطي فرصة للتأمل. والوعي بالانتماء، هو القاسم المشترك الذي يجمع الناس ويوحدهم ضمن فضاء واحد، هذا القاسم يتجلى داخل إحساس جماعي أو قضية عامة تهم الجميع بعدد الفئات، إنها لغة وجدانية جماعية آنية. إنه الشمولية التجريبية، التراثية التلقائية، الإنسانية التشاركية الواقعية، ويبقى المسرح المكان الذي يتأمل فيه الإنسان وجوده الفني والتاريخي.
إن الحوار تكسير للجدارات وانعتاق من كآبة الوحدة، وإحساس ب”الجماعية”، واستبدال العرض بالحفل والممثل بالمحتفل، واستخدام اللغة التي “تنقال”، واستخدام الذاكرة الشعبية، والعفوية التلقائيته، واستكناه جمالية الحياة البسيطة والموحية، والاعتماد على الطاقة الجسدية، إنه الحفاظ على الهوية والكينونة العربية… رفض للتغريب والخداع والانخداع..
إننا نحن إلى الزمن الذي كان فيه المسرح يحتفل بالحوار، وكانت المدينة تحتفل بمسارحها، وكان مسرحنا “بلديا”، فضاقت البيضاء بمسرحها، وعوضت الفرجة بالأضواء المعتمة وبالتفاهات المعلبة.
إن أزمة المسرح أزمة حوار وأزمة ثقافة لاإنسانية، فالحوار يمكن الإنسان من استرجاع إنسانيته، يمنحه الوعي والحرية والجمال.
الحوار آلية جوهرية في الممارسة الثقافية، يزيل التفكك الذي أصاب الحس الجماعي للمجتمع، ويحيي “جمالية معنى الأشياء” التي افتقدناها، إنه خطوة لمواجهة الإحباط واليأس، فنحن محكومون بالأمل.