تقديم
خاض الرئيس الأمريكي باراك أوباما انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2008 بنجاح تحت شعار جذّاب لزعيم الحريات المدنية مارتن لوثر: “لديّ حلم” وفي سنة 2012 دخل غمار السباق للبيت الأبيض لولاية ثانية بشعار لا يقلّ قوة وتألّقا: “إلى الأمام”، غير أنّ تركة الرئيس الأسبق جورج بوش المالية، المنذرة بانهيار أقوى اقتصاد عالمي، قد تحول الحلم كابوسا والتقدّم أماما إلى التقهقر نحو شفير “الهاوية المالية”.
الهاوية المالية… أسباب وماهية
“الهاوية الأمريكية” أو ما اصطلح عليه جيمس بيكر وزير الخارجية الأسبق “القنبلة الموقوتة” تعود أساسا لمجمل القوانين المحفزة للاقتصاد الأمريكي أهمها الإعفاءات الضريبية أو ما يسمى “قانون تخفيضات بوش الضريبية” وزيادة الإنفاق الحكومي لانتشال الاقتصاد من حالة الركود وتحفيزه مطلع اكتساح الأزمة المالية أغلب الاقتصاديات الرأسمالية قبل حوالي أربع سنوات.
كما يعني تخطّي “حافة الهاوية المالية” الأمريكية اتخاذ مجموعة قرارات صارمة أهمها زيادة في الضرائب بعد نهاية العمل بالتخفيضات الضريبية المتوارثة من عهد جورج بوش الابن، وتخفيض في الميزانية العامة من أجل خفض الدين العام المقدّر ب 16 تريليون دولار.
وإذا علمنا أن الميزانية الأمريكية السنوية تصل ثلاثة آلاف مليار دولار بينما مجموع المداخيل هو ألفي مليار دولار ما يعطي عجزا يلامس الألف مليار دولار سنويا، وقفنا على أصل الدّين العام المذكور آنفا.
وبعيدا عن لغة الأرقام الفلكية الكارثية لأقوى دولة في العالم وبتحليل بسيط لسياسات أمريكا الدّاخلية والخارجية نجد على رأس أسباب هذه “الهاوية الأمريكية” إضافة لما سبق:
1- حروب أمريكا وتدخّلاتها العسكرية الممتدّة على طول العالم.
2- سياسة “سباق التسلح” بغرض الهيمنة على العالم وردع الخصوم.
3- سياسة اجتماعية أركانها: “مجتمع الرّفاهية” و”الأمن الاجتماعي” و”الضمان الصحّي” الأكثر بذخا في العالم.
“حلول حامية”
في اتفاق نادر بين قطبي السياسة الأمريكية الحزبين الجمهوري والديمقراطي صوت الكونغرس في غالبيته لصالح زيادة ضريبية على بعض الأغنياء مع استثناء الطبقة المتوسّطة ممّا سمح بتوفير حوالي 600 مليار دولار وهو رقم يظل بعيدا عمّا هو مطلوب ما لم يعتمد تخفيض في النفقات.
وأهمّ النفقات المسببة للعجز المالي الأمريكي مرتبطة بالتسليح والاستخبارات وعسكرة الفضاء، وهي الضّامنة للتفوق والهيمنة الأمريكيين على عالم ما بعد سقوط جدار برلين.
ترى هل تضحّي أمريكا بهيمنتها وتفوقها الاستراتيجي في سبيل تجاوز حافة الإفلاس المالي باعتماد أخطر الحلول الحامية: تخفيض الإنفاق وخصوصا العسكري منه والاستخباري.
اعتماد الحلّ أعلاه كفيل بإبراز ملامح عالم جديد وصعود مراكز قوة ناشئة مؤسسة لنظام متعدّد القطبية تتحرّر من خلاله شعوب وحضارات وثقافات من أخطبوط الهيمنة الأمريكية.
أسئلة للمستقبل
السؤال الآن: أين العرب والمسلمون من هذه التطورات المتلاحقة؟ وهم الّذين تزخر أراضيهم بخيرات ومعادن ومصادر طاقة هائلة وتسيطر بعض عائلاتهم الحاكمة على أضخم الصّناديق السيادية في العالم والتي لو أحسن تدبيرها لكان لهم وزن ومكانة مؤثرة بين الأمم، ثمّ ما حضّ المستضعفين عامة في الأرض من أية انفراج للهيمنة الأمريكية الأحادية على العالم؟