سلط فاعلون حقوقيون ونقابيون أضواءهم على “أزمة التشريع بالمغرب”، وذلك في ندوة نظمها الفضاء المغربي لحقوق الإنسان يوم أمس الثلاثاء 22 أكتوبر 2024، من خلال تشريح 3 مشاريع قوانين أساسية مرتبطة بقانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية ثم مشروع القانون التنظيمي للإضراب.
تغييب المقاربة التشاركية
الندوة التي أدارها الدكتور علي المغراوي، نائب رئيس الفضاء، بحضور خبراء وباحثين في المجال، اختارت: “أزمة التشريع بالمغرب وسؤال حقوق الإنسان قراءات متقاطعة في مشاريع القوانين الجديدة” موضوعا لها، وقد أشار مدير الندوة إلى أن الدخول التشريعي اليوم يعرف كثافة من القوانين الجديدة ومشاريع قوانين جديدة، والتي لها أثر مباشر على الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين.
وفي إطار النقاش حول مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد، انتقد الأستاذ حسن السني تغييب المقاربة التشاركية في صياغة هذا المشروع خلال مداخلته في هذه الندوة، مشيرا إلى أن التشاور مع الفاعلين والمهتمين كان غائبًا تمامًا، على الرغم من أهمية المشروع وتأثيره المباشر على المواطنين.
وتابع موضحا أن المقاربة التشاركية اعتُمدت سابقًا في صياغة دستور 2011، حين أشرِك الأحزاب والمجتمع المدني، وهو ما اعتبره غيابًا غير مبرر في صياغة القوانين الحالية. معربا عن استغرابه من إهمال الحكومة لدراسة الأثر التشريعي التي تلزم بتقييم تأثير القوانين الجديدة على الميزانية العامة وحياة المواطنين، مما يجعل المشروع الحالي غير مكتمل ويفتقر للشفافية المطلوبة.
تقييد حق المواطنين في الولوج إلى العدالة
وأشار السني إلى خطورة بعض المقتضيات التي تضمنها مشروع قانون المسطرة المدنية، موضحًا أن المشروع لم يشهد تشاورًا كافيًا مع مختلف الفاعلين، رغم ادعاءات سابقة بأن القانون مرَّ بمراحل تشاورية قبل تقديمه للبرلمان. وقال إن المشروع يشمل أكثر من 600 مادة قانونية، من بينها بنود تقيّد حق المواطنين في الولوج إلى العدالة، حيث جاء المشروع بمقتضى يحد من إمكانية الاستئناف والنقض إلا في النزاعات التي تفوق قيمتها 30 ألف درهم.
وأضاف أن هذا التغيير يشكل خطراً كبيراً على حقوق المواطنين، مشيرًا إلى أن العتبة الحالية هي 5 آلاف درهم، وليست 20 ألفاً كما ذكر السيد الوزير أمام لجنة العدل والتشريع. وبناءً على هذا المشروع، قد يُحرم المواطنون من حق الاستئناف في القضايا التي تتعلق بمبالغ أقل من 30 ألف درهم، وهو ما يشكل انتهاكاً صارخاً لحقوقهم في العدالة.
وفي مداخلته، أكد الأستاذ يونس فراشين، الكاتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم (ك د ش)، أن المغرب يواجه تحديات خطيرة تتمثل في مجموعة من القوانين التي تعكس تغول الرأسمال، مبرزاً أن الحكومة الحالية تجسد زواج السلطة بالمال. واعتبر فراشين أن هذه التشريعات تهدف إلى خوصصة القطاعات وضرب المكتسبات الاجتماعية وتقليص الحقوق والحريات.
تحذير من تغول الرأسمال ودعوة إلى نقاش عمومي لقانون الإضراب
وشدد فراشين على أن القانون التنظيمي للإضراب هو آخر القوانين التي ينبغي الحديث عنها في سياق المقاربة التشاركية، حيث تم تجاهل النقابات في النقاش حوله. كما أشار إلى أن الحكومة السابقة، برئاسة عبد الله بن كيران، قدمت هذا القانون إلى البرلمان دون أدنى مشاورات مع النقابات، مما أدى إلى تفاقم الوضع.
وبينما أبرز فراشين التناقضات التي تكتنف هذا المشروع، أشار إلى الجهود التي بذلتها النقابة على المستوى الدولي لدعم الحركة النقابية المغربية، مشيراً إلى أن مشروع القانون لا يزال مجمداً في البرلمان منذ عام 2016. وأكد أن الحكومة الحالية لم تلتزم بالتشاور اللازم حول هذا المشروع.
ووجه فراشين رسائل إلى جميع الفرق البرلمانية، مطالباً إياهم برفض النقاش حول هذا القانون، مشدداً على أن الأمر يتعلق بحقوق جميع المواطنين، وليس فقط بالطبقة العاملة. ودعا إلى ضرورة وجود نقاش عمومي حول قانون الإضراب، الذي يعتبر سلاح الطبقة العاملة للحفاظ على حقوقهم ومطالبهم.
قضية التشاركية والحوار حاسمة في صياغة القوانين المؤسِّسة
وفي سياق حديثه عن قانون الإضراب، اعتبر الأستاذ عبد الكبير طبيح، المحامي بهيئة الدار البيضاء وعضو مجلسها ورئيس لجنة التشريع بالبرلمان سابق أن الموضوع بالغ التعقيد، حيث تسعى الطبقة العاملة إلى ممارسة هذا الحق مع اعتراف المشغل أو الدولة بنفس الحريات الممنوحة لهم. وأشار إلى أن الحكومات المتعاقبة، وليس فقط الحالية، تتبنى مواقف قد تؤدي إلى تضييق الحقوق.
وأكد المتحدث أنه رغم بدء النقاش حول هذا القانون منذ عام 2000، إلا أن الحكومة الحالية تسعى الآن إلى إخراجه إلى الوجود، مما قد يتسبب في مشاكل عديدة، خاصة مع اعتراض النقابات الكبيرة. وشدد على أهمية التريث قبل اتخاذ أي خطوات، مشيراً إلى ضرورة وجود إجماع حول القوانين الكبرى المؤسسة في المجتمع.
وشدد على أن قضية التشاركية والحوار تعتبر أساساً في صياغة القوانين، لذلك من الضروري تحقيق توافق بين جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك المقاولين والعمال. وذكر في هذا السياق أن الأغلبية الحكومية التي صوتت على مشروع قانون المسطرة المدنية في المرحلة الأولى تكونت من 102 في حين أن الأغلبية الحالية مكونة من 292 نائباً، وهي لم تصوت على هذا القانون، مما يعني عدم حيازة الشرعية السياسية لمشاريع القوانين المطروحة.
اختلال مبدأ التوازن بين سلطة الاتهام وحق الدفاع
من جهته، الأستاذ حسن هاروش، المحامي بهيئة الدار البيضاء، أبدى خلال مداخلته، انتقاده لمشروع قانون المسطرة الجنائية، الذي حظي بنقاش مجتمعي مستفيض، منذ فترة حكومة العدالة والتنمية الأولى، حيث نظم حوار شامل لإصلاح منظومة العدالة عام 2012. أشار إلى أن الحكومة الحالية لم تأخذ بعين الاعتبار التوصيات المقدمة من الفاعلين في المجال، ودمجت فقط بعضًا منها، في حين تراجعت عن مقتضيات إيجابية كانت موجودة في المسودة السابقة.
وأكد هاروش أن قانون المسطرة الجنائية يُعتبر “قانون الأبرياء” لأنه يضمن حقوق الأفراد وحرياتهم عبر مجموعة من الضمانات التي تشكل جوهر المحاكمة العادلة، مثل حقوق الدفاع وتقديس الحرية. كما أشار إلى أن مشروع القانون يتضمن شعارات جذابة تتعلق بالمساواة والحق في محاكمة عادلة، لكن التفاصيل تظهر عدم التوازن بين سلطة الاتهام وحق الدفاع.
وأوضح المحامي أن سلطة الاتهام تتمتع بإمكانات قانونية وتقنية تفوق حق الدفاع، مما يتعارض مع مبدأ التوازن. وأشار إلى أن هذا التباين يتجلى في عدة جوانب، منها المحاضر الإلكترونية وتسجيل جلسات الاستجواب، مما يعزز من قوة سلطات القضاء على حساب حقوق الدفاع.
كما انتقد المتحدث صعوبة الإجراءات القانونية، موضحًا أن المتهمين يواجهون تحديات كبيرة مثل طول مدة التحقق من الهوية، ومبررات الاعتقال، في حين يواجه الدفاع قيودًا صارمة تؤثر على حقوقهم، وخاصة في قضايا الإرهاب.